IMLebanon

النفط سلعة عابرة للإقتصاد والسياسة والحرب

oil-gas
طوني رزق
فرض النفط نفسه مؤثراً رئيسياً في الاسواق المالية والتجارية العالمية في العام 2016، وباتت دول العالم العظمى والكبرى والمؤثرة تستخدمه أداة على المستويات السياسية والاقتصادية والمالية وسلاحاً في الحروب لرسم حدود وتحصينها بين الدول… امّا في لبنان فلا نبض نفطياً حتى الآن.
انّ النفط في لبنان هو ملف مؤجّل وسلعة مدفونة في قعر البحار وعمق التراب، وهو ثروة لبنانية مغيّبة عن حاجات الشعب اللبناني الذي تزداد نسبة الفقراء بين سكانه.

وعلى رغم كونه عاملاً مالياً يستطيع ان يقلب موازين الوضع المالي وهو من الاسوأ في العالم كما انه عامل اقتصادي يستطيع رفع النمو الى مستويات متقدمة في وطن، تراجعت نسبة النمو فيه بقوة في السنوات الماضية.

امّا النفط في العالم فهو حالياً سلعة محورية باتت المركز الديناميكي الذي يحرّك بورصات الاسهم في مختلف القارات، الأمر الذي دفع أحد الخبراء في اسواق الاسهم مؤخراً للتوصية بإهمال المعطيات الاقتصادية المؤثرة تقليدياً في اسعار الاسهم والتركيز حالياً على اتجاهات اسعار النفط لتوقع اتجاهات اسعار الاسهم، والتي ترتفع مع صعود النفط وتنخفض مع هبوط اسعاره.

والنفط عالمياً سلعة اقتصادية، فعليه ترتكز نسبة النمو في العالم فهو محرّك اقتصادي ترتكز عليه الانتاجية وكلفة الانتاج والنقل والتسويق وتختلف مقاربته بين الدول المنتجة للنفط التي تعتمد عليه في الجزء الاكبر والساحق من ايراداتها السنوية.

وهي تسعى حالياً لرفع الأسعار بغية تحسين الايرادات وزيادة السيولة، امّا الدول المستوردة للنفط فتستفيد كثيراً من هبوط أسعاره كما هو الحال في الوقت الحالي، إذ تنخفض نفقات الطاقة والنقل والانتاج في المصانع.

وتسعى دول كبرى الى إبقاء اسعار النفط دون مستويات معينة لتوازن افضل في موازنة المستهلكين لصالح استهلاك السلع المختلفة على حساب الانفاق على الطاقة والنقل، الأمر الذي يحرّك الطلب في الاسواق التجارية، وبالتالي يدفع الشركات للمزيد من الاستثمار والانتاج والتوظيف. وهنا تأخذ الامور وجهة اعادة توزيع الثروات، إذ يجري تحسين قدرة المستهلك المالية على حساب الدول المنتجة للنفط.

كما انّ النفط بات سلعة سياسية تستخدمها الدول المؤثرة لتحقيق سياساتها الاستراتيجية والتكتيكية للتأثير على الدول الاخرى. ويجري الحديث مؤخراً عن قرارات لخفض اسعار النفط لمعاقبة دول مختلفة وثنيها عن تحركات محددة، وهذا ما استهدف ايران سابقاً من قبل الولايات المتحدة الاميركية، وحالياً من دول مؤثرة اخرى.

وهنا يأتي دور المخزونات النفطية الاميركية الاستراتيجية التي كوّنتها الولايات المتحدة الاميركية لتجنّب اي ضغط نفطي سياسي من الدول المنتجة للنفط وخصوصاً الشرق أوسطية منها، والتي كانت تسيطر على الاسواق العالمية من دون منازع.

امّا حالياً فتنكبّ الولايات المتحدة لرفع إنتاجها النفطي الى مستوى المملكة العربية السعودية، أي الى اكبر إنتاج عالمي، الأمر الذي يجعلها دون الحاجة بعد اليوم الى هذه المخزونات النفطية، والتي تستطيع، اذا ما قررت بيعها في الاسواق، ان تؤثر على اسعار النفط في ما يخدم مصلحتها وسياساتها.

ومع زيادة القدرة الاميركية على إنتاج النفط، باتت اكثر قدرة على اعادة تنظيم علاقاتها الدولية وخصوصاً في الشرق الاوسط.

كما انّ النفط بات ايضاً أداة حركة اذ تستطيع دولة ان تحارب دولة اخرى منافسة في سوق النفط من خلال حرب على الحصص في الاسواق. وينعكس ذلك مباشرة على الايرادات النفطية المالية أي على السيولة وعلى الاقتصاد وعلى الاستقرار داخل الدولة الاخرى.

ويظهر ذلك جلياً حالياً في المواجهة غير المباشرة بين دول شرق اوسطية كبرى، كما وبين دول عالمية عظمى. انّ العام 2016 الحالي يبدو عام النفط بامتياز، اذ سوف توضع خلاله موازين وتوازنات جديدة لقوى الطاقة في العالم. وسوف تواصل اسعار النفط في اجتذاب الاهتمام الاكبر، وخصوصاً انها باتت تؤثر في اسواق الاسهم والعملات وذلك على نطاق واسع وبشكل يومي.

وتقدمت سلعة النفط على اسواق السلع الاخرى ومنها الذهب والذي رغم تحسّن أسعار هذا العام الّا انه بقي مؤثراً صعباً في الاسواق ومعنياً الى حد كبير في التداولات العالمية الكبرى.

انّ الحرب المستمرة بين دول العالم على مستوى اسواق النفط وإنتاجه تبدو في أوجها في المرحلة الراهنة والمستقبل مفتوح على كافة الاحتمالات. وفي خضم هذه الحروب الدائرة توقّع UBS، البنك السويسري العريق، أن تتراجع اسعار النفط الى مستوى 30 دولاراً لنفط برنت الخام والى ما دون ذلك لنفط نايمكس.

وكانت انخفاضات اسعار النفط الاخيرة شكلت ضربة لدول منتجة كثيرة والتي اقتربت من حالات الافلاس والاختناق المالي، الامر الذي دفع الكثير من الدول الى التفكير جدياً في تنويع اقتصاداتها تجنباً للارتكاز فقط على إنتاج النفط وتسويقه.

ويعيد ذلك الذاكرة الى اتجاه الدول المستهلكة للنفط لبناء استراتيجيات لتجنّب ايّ وقف للامدادات النفطية كما فعلت الولايات المتحدة الاميركية، وتبدو الكرة الآن في ملعب الدول المنتجة التي تجد نفسها امام حتمية الالتزام باستراتيجيات اقتصادية جديدة تعوّض عن ايّ خسارة على مستوى النفط.