IMLebanon

تسخيف الفساد

delma-roussif

 

 

كتب راشد فايد في صحيفة “النهار”:

 

تقف رئيسة البرازيل ديلما روسيف، على عتبة المحاكمة، فالعزل، بعدما ايدت غالبية ساحقة في مجلس النواب محاكمتها أمام القضاء. لم يشفع لها تاريخ والدها المحامي الماركسي، ولا ماضيها الثوري ومواقفها اليسارية، منذ تأييدها ثوار فيتنام.

تهمة ديلما الفساد، وكنهه انها لجأت الى تمويه أرقام العجز في الموازنة، في حملتها الانتخابية لولاية رئاسية ثانية، تنتهي في نهاية العام 2018: لم تسرق. لم تغتن. لم تنل نسبة مئوية من صفقة ما. مع ذلك ستكون خارج القصر الرئاسي لمدة 6 أشهر، فترة محاكمتها، فإما ان تعود لتكمل ولايتها الثانية، واما ان يثبّت القضاء عزلها. اللافت ان معظم قيادات الطاقم السياسي البرازيلي، متورط في الفساد، وفي الطليعة نائبها، الذي سيحل مكانها فترة العزل، اللبناني ميشال تامر. ومثله خصمها رئيس مجلس النواب، الذي نافسها، خلال هذه الازمة، على الوعود بالمناصب، والمساعدات، للنواب الفاعلين والاقطاب.

هو مشهد لبناني في البرازيل، عندما يتتبعه مراقب لبناني. مع ذلك، هناك تمايزات بين المشهدين. فالقضاء البرازيلي لا يستهين بالرأي العام، ولا يقدم مصالح السياسيين عليه. فيما الرأي العام البرازيلي نابض، فاعل، ولو انقسم بين قلة مؤيدة لروسيف، وأكثرية تصر على محاكمتها، برغم انها حازت غالبية عريضة (54 مليونا) عندما اعيد انتخابها لولاية ثانية.

والرأي العام البرازيلي لا يكتفي بالتبرم من الأوضاع، فالمجتمع المدني يتحرك، على كل المستويات، ليدفع بالسياسيين إلى البحث عن مخارج من الازمة الاقتصادية، والتضخم، وسوء الادارة، وما تجره من أعباء على المجتمع، ويدفع في اتجاه محاكمة المسؤولين. فالفساد في البرازيل جريمة فعلية، على ما ينقل الاعلام وليس مضغة لتجزية الوقت، على ما يعيشه اللبنانيون، وليس ايضا غبارا للتعمية على توسل المصالح، والمكاسب، يطلق في لحظة، وينقشع بقرار. فموجات الاتهام بالفساد التي تنتهي على هذا النحو، تفرض على اللبناني ان يستنتج منها أحد أمرين: اما انها فعلية، لفّها الصمت لاحقا، بسبب اقتسام المغانم، واما انها كانت كاذبة، من الأساس، وبالتالي فان مطلقها أراد المزايدة الرخيصة، أو التعمية على مفسدة أخرى يرتكبها محيطه.

الفساد ليس مالياً فقط، فاستخدام النفوذ فساد أيضاً، كما المحاباة في تطبيق القانون، وعدم تطبيقه، واللبنانيون جميعاً يلجأون اليه، مع تفاوت المكاسب. لذا، لا يصدق اللبنانيون أن أحدا ما يرشح زيتا، خلافا لما قال الوزير وائل أبو فاعور متهكما. ولذا أيضا يتساءل اللبنانيون عند صدور قانون أو إقرار مشروع، من هو المسؤول المستفيد وكم ربحه. حتى حين يتناول الأمر الفساد الصحي. ولمن يجهل أن يسأل.

ما يزيد الفساد ترسخاً أن يحوله أبو فاعور، وغيره، إلى مادة للتهكم، من دون التجرؤ على ملاحقته قضائيا، فيحوله إلى مسلّمة من طبيعة الحياة.