كتبت هدى شديد في صحفة “النهار”:
فاجأ رئيس المجلس نبيه بري الجميع بإطلالته وسحبه فتيل التفجير من تشريع الضرورة. رئيس المجلس المعروف بحرصه على الميثاقية وبأنه لا يقدم على خطوة تشريعية ناقصة رمى كرة نار قانون الانتخاب في ملعب اللجان النيابية المشتركة لتبريدها، إما لعلمه أن الأوان ليس ملائماً للتشريع كما كان عليه الحال في تشرين الثاني الماضي، أو لإدراكه بأن قانون الانتخاب هو أولى الضرورات التشريعية لكن استعجال اقراره في غير أوانه قد يؤدي الى تفجير البلاد.
لم يكن مفاجئاً رفض “القوات” وا”لتيار الوطني الحر” ومعهما الكتائب أي تشريع إلا اذا كان من باب اعادة تكوين السلطة بإقرار قانون الانتخاب. لكن المفاجأة جاءت من النواب المسيحيين المستقلين القريبين من “تيار المستقبل”، مثل نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، والوزير ميشال فرعون وعضو هيئة مكتب المجلس النيابي النائب سيرج طورسركيسيان، وغيرهم ممن أيَّدوا التشريع من باب أولوية قانون الانتخاب.
واللافت أن نائب رئيس المجلس نفسه بادر الى إعلان تمسك الرئيس سعد الحريري بالتعهد الذي قدمه في الجلسة التشريعية السابقة بأن يكون قانون الانتخاب هو المدخل إلى معاودة التشريع.
ولكن كيف ستتمكُن اللجان النيابية المشتركة من انجاز درس ١٧ مشروع قانون واقتراح قانون قبل انتهاء الدورة العادية للمجلس نهاية أيار، اذا كانت ثلاث لجان نيابية تشكّلت لدرس قانون الانتخاب ولم تتوصُل كل مرة الا إلى تكريس الخلاف على صيغة القانون وتقسيماته، كما هو واقع تقرير اللجنة الأخيرة؟ هذا السؤال طرحته ” النهار” على نائب رئيس المجلس فريد مكاري في أعقاب الموقف الذي اعلنه الرئيس بري، خصوصاً أن اللجان المشتركة ستكون إما برئاسة بري أو برئاسة مكاري الذي قال: “رئيس المجلس هو أبو الميثاقية وأكثر الناس حرصاً على الميثاق، فهو مدرك لأهمية التشريع وصعوبة التوصل الى قانون في الظروف الحالية في آن واحد، وأثبت انه يحافظ على الميثاقية، والمزايدة عليه في هذا المجال كلام في غير محلّه”.
مكاري يتفهٰم موقف بري “الذي ينطلق من إدراكه أهمية التشريع وضرورته والحاجة اليه، خصوصاً أن المجلس لا ينتج، وأيضاً معرفته بصعوبة الاتفاق على قانون انتخاب، لذلك يستخدم الوقت من أجل غربلة المشاريع والاقتراحات الانتخابية السبعة عشر من خلال اللجان النيابية المشتركة ربما للوصول الى مشروع او مشروعيْن يحظيان برضى الاكثرية النيابية، فيصبح طرحهما في الهيئة العامة أسهل”.
يرى نائب رئيس المجلس في هذا التوجٰه تفكيراً سليماً لكن تخوٰفه الكبير “ان اللجنة النيابية الأخيرة خلال أربعة أشهر لم تتمكّن من إنتاج تصور موحد لقانون الانتخاب، ولذلك يتساءل: “كم ستحتاج اللجان المشتركة لغربلة ١٧ مشروعاً واقتراح قانون، خصوصاً ان المشاركة في اللجان المشتركة تكون أوسع بكثير من اللجنة النيابية وتصل ما بين الثلاثين والاربعين نائباً. في الواقع يجب عرض المشاريع الـ ١٧ ومعرفة مدى اصرار مقدّميها عليها، لأنه بذلك يصبح من الواجب درس كل مشروع على حدة. من هنا، لا يمكن توقٰع نتيجة هذا النقاش المفصل، وأخشى ان يسبقنا الوقت”.
نائب رئيس المجلس لا يوافق اصحاب الرأي بأن قانون الانتخاب ليس الآن اوان طرحه ويجب ان يأتي من ضمن تسوية شاملة، ويقول: “لست مع هذا الرأي ابداً، واعتقد ان مفتاح الحلٰ ليس السلة الكاملة بل انتخاب الرئيس الذي تعود فور انتخابه الامور الى نصابها والى وضعها الطبيعي. السلٰة الكاملة كلام هرطقة”.
مكاري شرح موقفه الذي تمايز به عما كان عليه سابقاً باشتراطه ادراج قانون الانتخاب أولوية في التشريع، موضحاً انه موقف شخصي لم يتشاور به مع احد من زملائه النواب ولا مع اي طرف آخر، بل انطلق من المنطق القائم على مستجدٰيْن: “جلسة التشريع الاخيرة كان من اكثر المصمّمين عليها لأن المشاريع التي أدرجت في جدول اعمالها كانت أكثر من ضرورية وملحٰة، وعدم اقرارها كان سيؤثّر في الاستقرار المالي في البلد، ولكن الرئيس الحريري تعهّد خلالها بعدم حضور جلسة تشريع إلا إذا كان قانون الانتخاب اولوية في جدول اعمالها. والمستجدّ الآخر هو انتهاء اللجنة النيابية المكلٰفة بدرس قانون الانتخاب من عملها بتقرير وليس بنتيجة. لذلك اصبح طرح قانون الانتخاب ضرورة.”
ورداً على سؤال، أكد نائب رئيس المجلس أنه شخصياً ليس من جماعة تشريع الضرورة، وقال: “انا من جماعة ضرورة التشريع لأن كل ما يحتاج إلى تشريع هو ضرورة، وقانون الانتخاب ضمناً. أنا عند موقفي بأن عدم التشريع لو كان يؤدي الى انتخاب رئيس جمهورية، لكنت قررت عدم النزول الى المجلس إلا لانتخاب رئيس، ولكن طالما أنه لا يغيّر في الواقع شيئاً فيجب التشريع وبدءاً من قانون الانتخاب الذي هو أحد المشاريع الواجب تشريعها”.
وعن مصير التشريع في الدورة العادية الحالية، قال مكاري انه ليس من يقرّر عقد جلسة ام لا، ولكنه يتساءل عن “امكان انجاز اللجان درس القانون في شهر سيكون فيه جميع الأطراف مشغولين بالانتخابات البلدية”.
وفي انتظار ان يدعو رئيس المجلس هيئة مكتب المجلس الى الانعقاد، او تحديد موعد للجان النيابية المشتركة لمباشرة درس قانون الانتخاب، يرى نائب رئيس المجلس “ان كل ما يطرح عن مرحلة انتقالية قوامها انتخاب رئيس لسنة او سنتين، كلام غير جدّي لأنه يحتاج الى تعديل للدستور ولن يدخل احد في تعديل الدستور، وحتى لو كان جدياً لا يبدو أنه سيصل الى نتيجة”، مكتفياً في هذا الإطار، بما قاله رئيس المجلس عن الموضوع.