Site icon IMLebanon

أزمة الغذاء تشتد في سوريا مع اختناق قطاع الزراعة جراء الحرب

مها الدهان

دمرت الحرب الدائرة في سوريا البنية التحتية الزراعية وأحدثت صدعا في النظام الحكومي الذي يوفر للمزارعين البذور ويشتري منهم المحاصيل وهو ما عمق الأزمة الإنسانية في بلد يكافح من أجل إنتاج ما يكفي من الغلال لإطعام الشعب.

وقالت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) إن النقص الذي تعانيه سوريا في محصول القمح يزداد سوءا إذ تقلصت من جديد هذا العام مساحة الأراضي المزروعة بالقمح.

وشهدت محافظة الحسكة بشمال شرق سوريا والتي تساهم بنحو نصف إنتاج البلاد من القمح قتالا كثيفا بين وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة بضربات جوية تقودها الولايات المتحدة من جهة وتنظيم الدولة الإسلامية من جهة أخرى.

وقالت فاو إن البنية التحتية الزراعية بما في ذلك قنوات الري ومخازن الغلال تعرضت للدمار. وأضافت أن منشآت التخزين التابعة لمؤسسة الحبوب الحكومية في أنحاء البلاد تعرضت أيضا للدمار ومن ثم لم توزع المؤسسة سوى عشرة بالمئة من كمية البذور التي يحتاجها الفلاحون لزراعة أراضيهم هذا الموسم والبالغة 450 ألف طن البذور.

كما يواجه المزارعون صعوبة في طرح إنتاجهم في السوق لبيعه وتوزيعه على السكان.

وأدى الصراع إلى انخفاض عدد مراكز التجميع الحكومية إلى 22 مركزا في 2015 مقابل 31 مركزا في العام السابق ونحو 140 مركزا قبل اندلاع الحرب الأهلية بين القوات الحكومية وقوات المعارضة قبل خمسة أعوام وفقا للمؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب (حبوب) الحكومية التي تدير تلك المراكز.

وتقول فاو إن انهيار النظام الزراعي في سوريا يعني أن البلاد قد تواجه صعوبة في توفير الغذاء لسكانها لسنوات كثيرة بعد انتهاء القتال وأن تحتاج إلى قدر كبير من المساعدات الدولية.

وقالت المنظمة إن الصراع الدائر في البلاد كان له أثر كبير على الزراعة حيث بلغت المساحة المزروعة بالقمح والشعير لموسم 2015-2016 نحو 2.16 مليون هكتار انخفاضا من 2.38 مليون هكتار في الموسم السابق و3.125 مليون هكتار في 2010 قبل اندلاع الحرب وبما يمثل 68 بالمئة من الحجم الذي تستهدفه الحكومة.

وقالت فاو إن معلومات الزراعة تلك جاءت من الحكومة السورية. لكن الحكومة ذاتها لم تعلن البيانات الخاصة بموسم الزراعة 2015-2016.

ولم يتسن الاتصال بوزارة الزراعة السورية للحصول على تعليق. وقال مصدر حكومي لرويترز إن البيانات الخاصة بمحصول 2015-2016 ليست جاهزة بعد للنشر.

وقالت ممثلة فاو في سوريا إريكو هيبي “ليس ما يهمنا هو التذبذبات التي تحدث من عام إلى آخر ولكنه الاتجاه النزولي العام المثير للقلق.”

*الاعتماد على الأمطار

يعد نقص القمح الذي يزداد سوءا ضربة أخرى لبلد بلغ عدد سكانه نحو 22 مليون نسمة قبل الحرب الأهلية لكن أكثر من 250 ألفا قتلوا في الحرب في حين نزح الملايين.

وقالت مصادر حكومية وتجار إن المزارعين باعوا العام الماضي أكثر من 450 ألف طن من القمح وهو ما لا يمثل سوى قدر ضئيل من الكمية التي تحتاجها البلاد لتوفير ما يكفي من الخبز للمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة وحدها والتي تتراوح بين مليون و1.5 مليون طن.

وعلى العكس كانت سوريا قبل الصراع تستطيع إنتاج أربعة ملايين طن من القمح في السنة التي يكون فيها الحصاد جيدا منها 2.5 مليون طن تذهب إلى الدولة بينما يجري تصدير الفائض.

وقالت الأمم المتحدة في يناير كانون الثاني إن بعض السوريين يعانون من الجوع في المناطق المحاصرة الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة أو تنظيم الدولة الإسلامية مشيرة إلى أن تلك المناطق تضم ما لا يقل عن 400 ألف شخص.

ويقول فيصل حجي المزارع في رأس العين بمحافظة الحسكة إنه خصص 200 دونم (20 هكتارا) من الأراضي للقمح هذا الموسم انخفاضا من 300 دونم قبل الصراع.

ويضيف “الحرب قد تجعلنا نخسر الكثير من المدخلات الضرورية التي نحتاجها وعندما نجدها تكون مرتفعة الثمن… اعتدنا أن ندعم دونم القمح بخمسين كيلوجراما من السماد لكننا لا نحقق هذا المستوى الآن.”

*غياب الأمن

وتمثل مأساة حجي نموذجا لما يعانيه غيره من المزارعين في أنحاء البلاد بحسب فاو التي قدرت حجم العجز في القمح السوري في 2015 بنحو 800 ألف طن. وقالت المنظمة إن هذا العجز قد يتسع كل عام إذا ظل الفلاحون عاجزين عن الحصول على المدخلات الزراعية والوصول إلى الأسواق.

وقالت هيبي “الكثير من المزارعين لا يريدون النزوح أو التنازل عن أراضيهم. إنهم يريدون البقاء لأطول فترة ممكنة وكي يفعلوا ذلك يجب أن يكونوا قادرين على إنتاج غذائهم وكسب قوت يومهم.”

وأضافت أنه ما زال من المبكر جدا معرفة حجم محصول القمح هذا العام إذ يعتمد الأمر على الطقس. وقالت “حتى الآن (الجو) أكثر جفافا بعض الشيء لكن هذا قد يتغير.”

واستفاد المزارعون السوريون من أفضل موسم أمطار في عشر سنوات العام الماضي حيث حصدوا نحو 2.4 مليون طن من القمح وهو ما يزيد كثيرا عن حصاد السنة السابقة التي شهدت موجة جفاف لكنه يقل نحو 40 بالمئة عن متوسط حجم الحصاد قبل الحرب.

وتقع أرض حجي في الجزء السوري الذي أعلنت جماعات كردية حكومتها فيه قبل عامين فيما يعرف بالإدارة الذاتية. غير أنه ما زال يبيع القمح لمؤسسة حبوب الحكومية التي يقول إنها الجهة الوحيدة القادرة على شرائه بأسعار مناسبة.

يقول حجي “أذهب لمؤسسة حبوب في الحسكة أو القامشلي لبيع قمحي وأقوم بتخزين كميات صغيرة لي ولعائلتي. بعض الفلاحين يبيعون قمحهم لوسطاء لكن هؤلاء التجار يبيعونه أيضا في نهاية المطاف لمؤسسة حبوب.”

وأضاف أن من الصعب نقل القمح أو غيره من الأغذية من محافظة لأخرى بسبب انعدام الأمن.

وتابع “رأيت الكثير من الفواكه الطازجة التي أهدرت في بعض المناطق في حين هناك أناس على مقربة منها لم يروا الفاكهة الطازجة منذ سنوات.”