كتب اميل خوري في صحيفة “النهار”:
المشكلة التي يواجهها لبنان وينبغي البحث عن حل لها سواء قبل انتخاب رئيس للجمهورية أو بعده، هي مشكلة سلاح “حزب الله” لأن بقاء هذه المشكلة من دون حل سوف يجعل كل عهد امتداداً لعهود سابقة عجزت عن إقامة الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها فلا تكون سلطة غير سلطتها ولا سلاح غير سلاحها. فهل في الإمكان تحقيق ذلك والحرب في سوريا مستمرّة ومقاتلو الحزب يشاركون فيها؟
لقد سبق لنائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم أن قال في تصريح: “لدينا فرصة للاتفاق بدل انتظار التعليمات، فبإمكاننا أن نهتم ببلدنا بدل تسخيره لخدمات وطموحات إقليمية، ولولا تسليم البعض رقبته السياسية إلى الآخرين لوجدنا الطريق معبّدة للتوافق والوحدة، وان من ينتظر الحلول الإقليمية لمعالجة قضايا لبنان سيطول انتظاره لأن المنطقة هي في حال انعدام وزن وعدم استقرار مسار الحلول فيها. ومن يتوقّع هزيمة خصومه بالأجانب فيسيجني الخيبة لأن الواقع اللبناني يتطلّب حدّاً من التفاهمات التي تريح الجميع. فلا مجال للغلبة ولا مجال للاستفراد والهيمنة، فالحل الوحيد هو تفاهم الأطراف المختلفة”.
من يسمع هذا الكلام الجميل والواقعي والمنطقي يظن لوهلة أنه صادر عن “تيار المستقبل” أو عن “القوات اللبنانية” أو عن حزب “الكتائب”، إلاّ إذا كان من نوع “اسمع كلامك يعجبني أشوف أعمالك استعجب”، أو سمعنا هذا الكلام بالأمس ونسمع نقيضه اليوم بالقول “إن أزمة الرئاسة طويلة”.
الواقع أن المرحلة الدقيقة والخطيرة التي يمر بها لبنان والمنطقة تتطلّب من كل القوى السياسية الأساسية في البلاد الانتقال من مرحلة الأقوال إلى مرحلة الأفعال. وكون “حزب الله” هو الأقوى بين الأحزاب لتمتّعه بدعم إقليمي ويمتلك وحده السلاح الذي يجعله صاحب القرار، يمكنه أن يأخذ المبادرة لترجمة أقواله وذلك برسم خريطة طريق لانقاذ لبنان من خطوطها الكبرى انتخاب رئيس للجمهورية من بين شخصيّات مستقلة معروفة بنزاهتها وخبرتها واستقامتها، ولا يشكّل انتخابها كسراً لأحد بل تسوية كما تم التوصل إلى تشكيل حكومة تسوية برئاسة تمّام سلام، بعدما تأكّد أن أيّاً من الأقطاب الموارنة الأربعة لا تنطبق عليه صفة التسوية حتى لو انحصر الترشيح بين العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، فإن فوز أي منهما بالرئاسة بات كسراً لطرف. وبانتخاب رئيس تسوية للبنان يصير في الإمكان التوصّل الى اتفاق على قانون جديد للانتخابات يكون عادلاً ومتوازناً ويحقّق التمثيل السياسي الصحيح لشتّى فئات الشعب وأجياله. ولا بد لأي قانون جديد من أن يرضي “حزب الله” أولاً تطميناً له ولجعله يشعر بجدوى الانتقال من كونه حزباً مسلّحاً إلى كونه حزباً سياسيّاً بارزاً يمارس العمل الديموقراطي كسائر الأحزاب وليس العمل العسكري.
إن إقرار قانون جديد للانتخابات مقبول من “حزب الله” خصوصاً قد يجعله يعوّض خسارة قوّته العسكرية بقوّة سياسيّة، وهو ما يعيد التوازن الداخلي الذي كلّما اختل تفجّرت الأزمات التي يستعصي على كل رئيس وحكومة حلّها إلا بعد الاستعانة بخارج. فثمّة فارق كبير بين رئيس يدير الأزمات ولا يقوى على حلّها، ورئيس يجيد إدارة التوازنات ويمنع حصول أي خلل فيها. فهل يكون القبول بقانون جديد للانتخابات النيابية يرضي “حزب الله” هو السبيل إلى طمأنته وجعله يتخلّى عن سلاحه وذلك باستبدال قوّته بالسلاح بقوّته السياسيّة الراجحة داخل النظام والسلطة؟
لقد حُلَّت مشكلة سلاح الميليشيات في الماضي بأن تمّ تسليمه إلى الدولة وإدخال عدد من عناصرها إلى الجيش وقوى الأمن الداخلي، وتمثيلها في كل حكومة يتم تشكيلها. وهكذا يستعيض “حزب الله” عن سلطة السلاح غير الشرعية بسلطة شرعية يتمثّل فيها، وهو ما سوف يحصل في كل دولة تُواجه سلاحاً خارجها لأنه سلاح يحول دون قيام الدولة القوية التي لا دولة فوقها لتصبح قادرة على مواجهة الارهاب وضربه حتى القضاء عليه.
لذلك يمكن القول أن الكلمة لانقاذ لبنان من أزماته بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية والاتفاق على قانون جديد للانتخابات هي لـ”حزب الله” أولاً لأنه هو المشكلة وهو الحل. فهل يختار البقاء مشكلة للبنان ولدول في المنطقة وخارجنا، أم يختار تحوّله إلى حل إذا كان قراره حرّاً مستقلاً؟