سنة وشهر واحد، هو الفارق الزمني بين ورشة العمل التي تناولت “الإدارة المستدامة للموارد المائية في لبنان”، وبين المؤتمر الثاني حول “إدارة المياه والأمن المائي في لبنان ودول المنطقة” (Water Management and Security in Lebanon and Region Countries) المنعقد الثلاثاء في كلية العلوم، في الفرع الأول لـ”الجامعة اللبنانية”. والفارق الزمني كان من المفترض أن يقدّم إنجازات ملموسة، أو بداية إنجازات على صعيد الأمن المائي، وحماية مياه لبنان. غير أن ما قدّمه الوقت، ليس سوى فرصة إضافية لمتابعي ملف المياه، وبخاصة طلاب “الجامعة اللبنانية”، لكي يلتمسوا عدم جدية الدولة في معالجة أزمة المياه بمختلف جوانبها.
عدم الجدية تُستخلص من كلام طالبة الماجستير (M2) في قسم بيولوجيا النبات (plant biology) في كلية العلوم الفرع الأول، زينة، والتي حضرت المؤتمر، إلا أن كلمات السياسيين التي حاولت أن “تدغدغ” مشاعر الطلاب وتنسيهم أزمة السلطة، لم تفلح في إزاحة السبب الأساسي لأزمة المياه، عن بالها. فإستعمال كلمة “إسرائيل” بين الفينة والأخرى لرمي عجز السلطة عن تأمين حماية المياه اللبنانية، على السرقات الإسرائيلية المتكررة للمياه، لم يُقنع زينة وكثير من الطلاب الذين سمعوا الوعود المطلقة منذ ورشة العمل في العام الماضي.
وتقول زينة لـ”المدن” أن “إسرائيل تسرق جزءاً من مياه لبنان، لكن معالجة مشكلة المياه لا تكون بالتذكير بالسرقة، فماذا عن الداخل؟”. تضيف في تعقيب على كلام وزير البيئة محمد المشنوق خلال المؤتمر، أن الكلام الصادر عن الوزير “هو كلام في السياسة، ولا يقدم شيئاً من الناحية العلمية”. وكان المشنوق قد عرض اهتمام إسرائيل بالمياه العربية، وبخاصة مياه الأردن ولبنان، حيث أنها تسيطر اليوم على “أكثر من 60% من مياه الأردن، في حين لم يتجاوز ما كانت تستفيد منه من حوض النهر عبر أراضيها أكثر من 3%”، مضيفاً أن “140 مليون متر مكعب من مياه نهري الحاصباني والوزراني تذهب بإتجاه إسرائيل”.
وتفضّل زينة أن تقوم الدولة “بتمويل المشاريع البحثية العلمية التي يقدمها الطلاب والأساتذة والمتخصصون في هذا المجال، بدل الحديث عن الأزمة عن طريق السياسة. فهناك كثير من الدراسات العلمية التي يقدمها الخبراء، لكنها لا تلقى جواباً رسمياً”.
وإذا كانت إسرائيل تسرق من لبنان 140 مليون متر مكعب، ولنفترض أن هناك صعوبة في منع هذه السرقة لإعتبارات عديدة، فلبنان ما زال يخسر سنوياً نحو 510 مليون متر مكعب، وهي حصيلة ما يذهب في إتجاه سوريا، حيث يدخل سوريا “415 مليون متر مكعب من مياه نهر العاصي، و95 مليون متر مكعب من مياه النهر الكبير”، والتي يؤكدها المشنوق. ناهيك عن المياه الأخرى التي تذهب هدراً إلى البحر، والمقدّرة بنحو “1600 مليون متر مكعب”، علماً أن الثروة المائية اللبنانية تقدر بنحو “3550 مليون متر مكعب، من المياه السطحية سنوياً”، لكن لا يُستغل منها سوى 1150 مليون متر مكعب، وذلك في أعمال الري والشرب والصناعة وتوليد الكهرباء، وغيرها. أي أن هناك نحو 2400 مليون متر مكعب لا يستفيد منها لبنان، وكل ما فعله مجلس الوزراء في شأن المياه، هو إقراره في آذار/ مارس من العام 2012، “الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه تحت شعار “المياه: حق لكل مواطن، مورد لكل الوطن”، وتتضمن الإستراتيجية 8 أهداف، تتعلق 3 منها بالإستثمارات اللازمة في الانتاج، التوزيع والنقل، والمياه المبتذلة، و5 بالمبادرات الإدارية اللازمة، مؤسساتية وتنظيمية، مالية وتجارية، قانونية، بيئية، وتوعوية”، بحسب المشنوق الذي استشهد أيضاً في دلالته على عمل الدولة، بتعاون وزارتي الطاقة والبيئة “في إخضاع هذه الاستراتيجية إلى تقييم بيئي استراتيجي.
وتناول هذا التقييم 12 مسألة رئيسية، وهي التكيف مع تغير المناخ، البيئة والنظم الإيكولوجية، البيئة البحرية والمياه الساحلية، المياه الجوفية والكارست، ثنائية “المياه والطاقة”، إدارة المسطحات المائية والمناطق الحزامية، الفشل الكارثي وخطط الطوارىء، ثنائية “المياه والفقر”، إعادة استخدام المياه المعالجة والحمأة، إدارة مخلفات الحفر وحماية المناظر الطبيعية، تشغيل المنشآت المائية الجديدة وصيانتها، المياه العابرة للحدود”. وتجدر الإشارة الى ان هذا التعاون، جاء على خلفية هبة من مرفق البيئة العالمي، وتطبيقاً للمرسوم 8213/2012 حول التقييم البيئي الاستراتيجي.
المبادرات الحكومية التي يذكرها الوزراء في أكثر من مناسبة، لا تربط الواقع بالكلام النظري، إذ لم يتحسس المواطن اللبناني أي تغيير على مستوى إستهلاك المياه، أو حمايتها من الهدر وسوء الإستغلال. وبذلك، فإن “تحسين كفاءة الينابيع، والتغذية الإصطناعية للطبقات الجوفية، والتخزين السطحي، وإستبدال أنظمة نقل وتوزيع مياه الشفة”.. وغيرها من العمليات التي ذكرها خالد نخلة الذي مثّل وزير الطاقة أرتور نظريان في المؤتمر، لا تدخل عملية دفع الخطر عن المياه اللبنانية، وإنما تدخل في عملية “العرض” السياسي. ويُلتمس “عدم الرضى” على “إنجازات” الحكومة، من خلال آراء أكاديمية يمثلها عميد كلية العلوم، حسن زين الدين، الذي دعا السياسيين الى إدخال شيء من “الهيدروبوليتيك Hydropolitique والهيدروديبلوماتيك Hydrodiplomatic الى السياسة”، محذراً من أن الهيدروبويسانس (الطاقة المائية) Hydropussance “قد تأخذ الدول إلى حروب مدمرة.