في أعماق المحيط قبالة الأوروجواي، تضغط صناعة النفط على بعد أكثر من ميلين تحت مستوى سطح البحر لتوسيع نطاق عملها.
في الشهر الماضي بدأت سفينة حفر تديرها شركة آيه بي مولر مايرسك الدنماركية حفر بئر “رايا 1” على عمق 3411 مترا تحت سطح الماء، لتحطم بذلك المستوى القياسي لعمليات الحفر في عمق البحر المسجل في عام 2013.
الحفر في مثل هذه الظروف القاسية هو إنجاز رائع، لكن الآبار مثل رايا 1 تصبح نادرة على نحو متزايد. التكنولوجيا تجعلها ممكنة، لكن العوامل الاقتصادية تعمل ضدها.
بالنسبة للشركات التي تشغل الحفارات البحرية نيابة عن شركات إنتاج النفط – بما في ذلك ترانس أوشن، وسيدريل، وإنسكو، ونوبل كورب – التراجع في أسعار النفط الخام منذ صيف عام 2014 كان عصيبا تماما. وكانت الشركات تعلن عن خسائر كبيرة، واضطرت إلى تخفيض أو إلغاء توزيعات أرباح الأسهم الخاصة بها. كما انخفضت أسعار أسهمها.
غالبا ما يتم تصور تأثير انخفاض أسعار النفط على أنه معركة بين “أوبك” وشركات إنتاج الزيت الصخري البري في الولايات المتحدة. لكن هناك مصادر أخرى عالية التكلفة نسبيا من الموارد حول العالم تأثرت أيضا. وبالنسبة للنفط في المناطق المغمورة من المرجح أن يستمر التأثير لفترة أطول.
أحدث بيانات الإنتاج البحري من النفط والغاز لا تزال تبدو في صحة جيدة. ففي العام الماضي ارتفع الإنتاج من قطاع المملكة المتحدة في بحر الشمال بنسبة 7 ـ 8 في المائة، في حين ارتفع إنتاج النفط الخام في مياه الولايات المتحدة في خليج المكسيك بنسبة 10 في المائة.
لكن هذا النمو يعود إلى قرارات تم اتخاذها قبل أعوام. مات كوك، من الشركة الاستشارية دوجلاس ويستوود، يقول إن تطوير المشاريع البحرية يستغرق أعواما، بالتالي لا يتم الشعور بتأثير انخفاض أسعار النفط إلا بعد فترة.
ويضيف: “بعض التحركات الإيجابية التي شهدناها في مجال الحفر هي نتيجة القرارات التي التزمنا بها قبل التراجع، لكن من الممكن تماما أن الأسوأ لم يأت بعد”.
عدد سفن الحفر والحفارات العائمة “شبه الغاطسة” التي تعمل في جميع أنحاء العالم انخفض بالفعل من 251 في أيلول (سبتمبر) 2014 إلى 169 الشهر الماضي، وذلك وفقا لبيانات خدمة ريج لوجيكس من شركة ريجزون للأبحاث.
وتم إعطاء الضوء الأخضر لمجموعة صغيرة فقط من المشاريع البحرية الجديدة العام الماضي، بما في ذلك مشروع أبوماتوكس التابع لشركة رويال داتش شل في خليج المكسيك، ومشروع OCTP التابع لشركة إيني قبالة غانا، وحقل يوهان سفيردروب التابع لمجموعة شتات أويل في بحر الشمال.
الأمر الأكثر شؤما بكثير بالنسبة للمتعاقدين، أن كثيرا من شركات إنتاج النفط خفضت الاستكشاف إلى حد كبير. كونوكو فيليبس من الولايات المتحدة سوف تنسحب من الاستكشاف في المياه العميقة تماما بحلول عام 2017.
بال كيبسجور، الرئيس التنفيذي لمجموعة شلومبيرجر، أكبر مجموعة خدمات نفطية في العالم، أخبر محللين يوم الجمعة أن زبائنها أظهروا علامات على “مواجهة أزمة مالية شاملة”، وفي الربع الثاني كان من المرجح أن يكون إنفاقها أقل بكثير مما كان في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2016.
يقول كيبسجور إن مبيعات مجموعة شلومبيرجر من بيانات المسح الزلزالي البحري انخفضت إلى “مستويات متدنية غير مسبوقة”.
مع تعرض التدفقات النقدية لضغط شديد، ومع التزامات للمساهمين بعدم تخفيض أرباح الأسهم، فإن شركات النفط لا ترى فائدة كبيرة في إنفاق المال على الاستكشاف الذي في أحسن الأحوال قد يؤتي ثماره بعد عشرة أعوام من الآن.
التباطؤ في استكشاف حقول جديدة وتطوير الاكتشافات يسبب صعوبات خاصة بالنسبة لشركات تشغيل الحفارات المثقلة بالديون.
جيرمي ثيجبين، الرئيس التنفيذي الجديد لشركة ترانس أوشن، أكد في مؤتمر في الشهر الماضي قوة الشركة المالية وقدرتها على اجتياز الأزمة.
لكن ترانس أوشن أعلنت الأسبوع الماضي أن من حفاراتها الـ 28 القادرة على العمل في المياه “العميقة للغاية”، 12 فقط كانت تعمل ضمن عقود، في حين أن البقية “مكدسة” أو خاملة.
ليست جميع الشركات تبتعد عن الإنتاج البحري للنفط والغاز. شركة توتال تقود مشروع رايا 1 في الأوروجواي. وقالت شركة شل إن إمكانات النمو في المياه العميقة قبالة البرازيل هي سبب رئيسي لعملية استحواذها على مجموعة بي جي مقابل 35 مليار جنيه استرليني.
وعلى الرغم من أن المشاريع البحرية، خاصة النفط في المياه العميقة مكلفة، إلا أن الحقول التي تم العثور عليها يمكن أن تكون كبيرة جدا. لذلك التكلفة لكل برميل، كما يقول أمريتا سين من شركة إينرجي أسبيكتس الاستشارية، ليست بالضرورة أعلى مما هي للزيت الصخري في الولايات المتحدة.
لكن الفرق الكبير يكمن في المرونة. في المشاريع البحرية قد تبلغ تكلفة البئر الواحدة 100 مليون دولار ويستغرق حفرها عدة أسابيع، بينما في المشاريع البرية التكلفة نحو خمسة إلى سبعة ملايين دولار ويستغرق حفرها أقل من أسبوعين.
هذا يعني أن عمليات الزيت الصخري يمكن تعديلها بسرعة للاستجابة إلى ظروف السوق المتغيرة. إذا التزمنا بمشروع بحري كبير، فإننا سنعلق معه تماما، حتى لو كان انخفاض أسعار السلع الأساسية يجعله غير اقتصادي.
يقول سين: “المشكلة ليس فقط أن النفط بسعر 45 دولارا. المشكلة هي أنك لا تستطيع أن تكون متأكدا من أي شيء”.
شركة “إكسون موبيل” أخبرت المساهمين الشهر الماضي أنها تتابع “عدة” فرص تنمية لمشاريع بحرية.
مع ذلك، أكد مسؤولون تنفيذيون مرونة أصولها البرية في الولايات المتحدة، التي من شأنها السماح لهم بزيادة الإنتاج بسرعة إذا ارتفعت أسعار النفط.
وأشار كيبسجور إلى أن هذا قد يكون وجهة نظر على مستوى الصناعة، مضيفا أن المشاريع البحرية الجديدة الكبيرة “لن تكون المنطقة الأولى التي سيبدأ زبائننا بوضع المال فيها”.
وعندما يأتي الانتعاش سيرتفع الاستثمار في المشاريع البرية أولا، وفي وقت لاحق بالنسبة للمشاريع البحرية. وهذا يعني أن الضغوط المالية على شركات الحفر سوف تستمر، ربما مع عواقب كبيرة على المدى الطويل.
هناك توقعات على نطاق واسع أنه في الوقت الذي سترتفع فيه أسعار النفط، فإن صناعة الزيت الصخري في الولايات المتحدة سوف تنتعش مرة أخرى. لكن إذا لأي سبب من الأسباب لم يحدث هذا، عندها فإن زيادة السرعة لملء الفجوة بالنسبة لصناعة المشاريع البحرية سوف تستغرق وقتا طويلا. النتيجة يمكن أن تكون ارتفاعا في أسعار النفط والغاز، على الأقل لفترة من الوقت.
يقول روستاند: “الآثار الجانبية لتخفيض النشاط في الصناعة ستستمر لفترة طويلة”.
وعلى الرغم من أن معظم الأخبار عن صناعة النفط البحري سيئة، إلا أن هناك أملا واحدا: المشاريع الباهظة التكاليف قد تكون الآن قادرة على المضي قدما، لأن التكاليف انخفضت في الوقت الحالي.
مشروع “ماد دوج 2” المقترح لمجموعة بريتش بتروليوم في خليج المكسيك، وهو امتداد لمشروع “ماد دوج” الذي بدأ الإنتاج في عام 2005، كان قد وقع بالفعل ضحية ارتفاع التكاليف.
وتم رفض التصميم الأصلي المعقد في عام 2013، حتى قبل أن تبدأ أسعار النفط والغاز انخفاضها الكبير، لأن تكاليفه المرتفعة جعلته غير جذاب من الناحية المالية.
المهندسون من مجموعة بريتش بتروليوم وشركاؤها الصغار في التطوير؛ شيفرون وبي إتش بي بيليتون، خرجوا وتوصلوا إلى خطة جديدة، ومع مساعدة الرفع المالي الإضافي بسبب انخفاض أسعار النفط تم تخفيض تكلفة المشروع إلى النصف.
لامار ماكاي، نائب الرئيس التنفيذي لبريتش بتروليوم، قال في مؤتمر آي إتش إس سيراويك في شباط (فبراير) الماضي، إن التقدير الأصلي لتكلفة مشروع “ماد دوج 2” كان 20 مليار دولار، وهو الآن أقل من عشرة مليارات دولار.
وعلى الرغم من أن “بريتش بتروليوم” تقول إن المشروع الآن جذاب تجاريا وسوف يمضي قدما في مرحلة ما، إلا أن الشركة لم تلتزم فعلا بالاستثمار فيه. لكن ماكاي قال لـ “فاينانشيال تايمز” في شباط (فبراير): “ستتم الموافقة على المشروع. إنها مجرد مسألة وقت”.