تمثل “رؤية السعودية 2030” بداية عصر جديد للمملكة من الناحية الاقتصادية، بحسب ما يراه خبراء ومحللون تحدثوا لـ”العربية”، معتبرين أن ما تم إعلانه ليس سوى خطوة أولى أو خطوط عريضة لمشروع اقتصادي ضخم، سوف يجعل المملكة أكثر أماناً أمام تقلبات أسعار النفط العالمية.
وأعلنت الحكومة السعودية الاثنين خطة اقتصادية غير مسبوقة لـ15 عاماً المقبلة أطلقت عليها “رؤية السعودية 2030″، على أن تتضمن الخطة تأسيس صندوق للاستثمارات العامة سيكون الأضخم في العالم، ومن المتوقع أن تتجاوز قيمة أصوله التريليوني دولار أميركي، إضافة إلى أن الخطة تشمل تنظيم طرح عام لشركة “أرامكو” السعودية، ليتم إدراجها في سوق الأسهم بعد أن يتم بيع أقل من 5% منها، بينما تحتفظ الحكومة السعودية بما تبقى من الشركة التي تمثل حالياً أضخم شركة نفطية في العالم.
ورداً على سؤال لـ”العربية”، قال الخبير الاقتصادي والمحلل المالي السعودي مازن السديري إن “الاستثمار لن يكون بديلاً عن النفط، وإنما مكملاً له”، مشيراً إلى أن الخطة لا تعني أن السعودية ستستغني عن النفط وإنما حجم وتأثير النفط في الاقتصاد السعودي سوف يقل ويتراجع، لتصبح المملكة ذات اقتصاد أكثر تنويعاً.
وبحسب السديري فإن “النموذج الاقتصادي للسعودية ظل متكرراً طوال الثمانين عاماً الماضية، أما الآن فإن ما سيحدث هو تغيير هذا النموذج، وتنويعه والاهتمام أكثر بالاستثمار، وهذا سيكون له أثر إيجابي كبير على المملكة”.
وقال السديري أيضاً إن “الرؤية هي بداية عصر جديد للمملكة، ونتوقع أن نشهد إصلاحات اقتصادية أكبر وأوسع”، في إشارة إلى أن “رؤية السعودية 2030” تتضمن العديد من العناوين الكبيرة التي تمثل إشارة البدء في تغييرات عميقة وواسعة في الاقتصاد السعودي.
ولفت السديري إلى أن أهم الإنجازات المتوقعة من صندوق الاستثمارات العامة، تتمثل في أنه سيرفع ثقة المستثمرين الأجانب بالسوق السعودية، مضيفاً: “السعودية ستستقطب الاستثمارات الذكية التي تشكل قيمة مضافة للاقتصاد”.
ويتفق أستاذ الاقتصاد في جامعة لندن الدكتور ناصر قالاوون مع السديري في أن “رؤية السعودية 2030” تمثل بداية مرحلة اقتصادية جديدة في المملكة، وبداية لعصر جديد، مشيراً إلى أنه يستنتج بأن “أول خمس سنوات ستكون المملكة منشغلة فيها بسن القوانين وإعادة الهيكلة وتنفيذ بعض التطبيقات ليبدأ بعد ذلك جني الثمار”.
ورأى قالاوون في حديث خاص لـ”العربية” أن اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط سيقل تدريجياً طوال 15 عاماً المقبلة، مؤكداً أن “السعودية فشلت بالماضي في ذلك بسبب الاعتماد فقط على تنمية الصادرات غير النفطية، أما الآن فهي مؤهلة للنجاح لأن الأمر يأتي في سياق رؤية متكاملة تتضمن اللجوء الى الاستثمارات السيادية، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، وسن القوانين الجديدة التي توفر إيرادات لخزينة الدولة عبر مصادر غير نفطية”.
ورأى قالاوون أيضاً أن السعودية لديها الكثير من المزايا والمؤهلات التي تميزها عن غيرها وتجعلها قادرة على استقطاب المستثمرين الأجانب، مشيراً إلى أن من بين هذه المؤهلات “وجود المدن الصناعية وكذلك الإعفاءات الضريبية لمدد طويلة، ووجود سوق محلية كبيرة مغرية لأي مستثمر قادم من الخارج”.
وبحسب محلل اقتصادي طلب عدم نشر اسمه، فإن “رؤية السعودية 2030” تمثل “عقلية اقتصادية جديدة في المملكة”، وهو ما يعني أن السعودية ستكون مقبلة على الكثير من التغييرات.
وتوقع المحلل أن تنجح الرؤية خلال الفترة المقبلة في تحقيق نمو اقتصادي يفوق التوقعات، فضلاً عن أن التوقعات قد تتغير خلال الفترة المقبلة مع التطورات الجديدة في المملكة.
يشار إلى أن المؤسسات الدولية المستقلة تتوقع نمواً اقتصادياً للسعودية بنحو 1.5% خلال العام الحالي، مقارنة بنسب نمو كانت تدور حول 4 و5% خلال السنوات الماضية، إلا أن التوقعات المتحفظة تفترض بأن اقتصاد المملكة سيتأثر سلباً بسبب هبوط أسعار النفط إلى مستويات 40 دولاراً.