في الأسبوع الأخير من شهر أيار المقبل يصل الى بيروت مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون تمويل الإرهاب في “مكتب شؤون الإرهاب والاستخبارات المالية” في الوزارة دانيال غلايزر، حاملاً معه ملفاً كاملاً ومتكاملاً عن تفاصيل المراسيم التطبيقيّة الخاصة بالقانون الأخير الصادر عن الكونغرس الاميركي الذي يستهدف “حزب الله”.
بتاريخ 18 كانون الأول من العام الماضي وقّع الرئيس الاميركي باراك اوباما القانون رقم 2297 الذي أقره الكونغرس بالاجماع قبل أسابيع ويهدف الى فرض حصار مالي إضافي على “حزب الله”، عبر فرض عقوبات على كل المؤسسات المالية والمصرفية والأفراد والشركات التي تتعامل معه أو تقدم له أي نوع من أنواع الدعم. وفي 15 نيسان الجاري، دخل القانون حيّز التنفيذ بعد إصدار وزارة الخزانة الاميركية وتحديداً المكتب الخاص بمراقبة الأصول الأجنبية في الوزارة المراسيم التطبيقية الخاصة بهذا القانون في 11 نيسان الجاري. وتضمّنت هذه المراسيم لائحة طويلة من الاسماء التي يستهدفها القانون وعلى رأسها الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، بالاضافة الى أكثر من 90 إسماً لرجال أعمال ومؤسسات وشركات عقارية وتجارية وجمعيات خيرية ووسائل إعلام تابعة للحزب على رأسها قناة” المنار” وإذاعة “النور”. وبحسب القانون الاميركي، وبعد نشرها رسمياً، تعود المراسيم التطبيقيّة الخاصة بالقانون 2297 مجدداً الى أروقة الكونغرس مطلع حزيران المقبل حيث تقسّم وتوزّع هذه المراسيم على عدد من اللجان النيابية والدستورية والقانونية المتخصّصة، للدخول أكثر في التفاصيل التطبيقيّة ووضع دراسات معمّقة تطاول كل بند من بنودها. وبحسب المعلومات، شكلت لجان متخصّصة عدة، منها المتخصصة في درس الفروع الخارجية للحزب وكيفيّة دعمها المالي واللوجيستي له، إضافة الى لجان تبحث فقط في عمل المؤسسات الاعلامية التابعة للحزب.
وفي هذا السياق، تشير المعلومات الى أن جدول لقاءات غلايزر في بيروت يتضمّن سلسلة اجتماعات مع المسؤولين اللبنانيين على رأسهم رئيس الحكومة تمام سلام وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وعدد من الوزراء وأعضاء جمعية المصارف، إذ سيقوم بوضع هؤلاء في أجواء المراسيم التطبيقية وكيفية تنفيذها، مع تأكيده أن هذا القانون ومراسيمه لا يستهدفان النظام المصرفي اللبناني وإنما المؤسسات والافراد الداعمة لـ”حزب الله”. والاهم أيضاً في زيارة غلايزر انه سيبلّغ الجهات المصرفية اللبنانية وبلهجة شديدة، ضرورة عدم التفاف بعض المؤسسات المصرفية على العقوبات بعد المعلومات التي تحدثت عن إمكان استمرار بعض هذه المؤسسات بالتعامل مع الأفراد والمؤسسات التي تم إدراجها في لائحة الـOFAC عبر استخدام الليرة اللبنانية أو عملات أخرى غير الدولار. من هنا سيؤكد المسؤول الأميركي أن العقوبات تعني قطاع التعامل المصرفي بمختلف انواعه مع الافراد المستهدفين بشكل قاطع ونهائي. كذلك يُتوقع أن يؤكد غلايزر للمسؤولين اللبنانيين أن الحكومة الاميركية مستمرة في اتخاذ الاجراءات والقرارات ضد “حزب الله” مع استمرار فرض مزيد من العقوبات في المستقبل عليه وعلى كل من يسانده أو يدعمه.
وفي هذا السياق، تشير مصادر ديبلوماسية أن المراسيم التطبيقية قد تتوسع في المستقبل وهي ليست نهائية، ما يعني ان اللوائح التي تمّ وضعها ونشرت ليست نهائية بل سيتم إضافة مزيد من الأسماء والمؤسسات اليها في المستقبل استناداً الى التحقيقات التي يجريها المكتب الخاص بمراقبة الاصول الاجنبية في وزارة الخزانة الاميركية (OFAC)، كما لم تستبعد هذه المصادر أن يكون العمل على التحضير لمشروع قانون جديد يستهدف أيضاً “حزب الله” في كواليس الكونغرس الاميركي ليأتي متماشياً ومكملاً للقانون 2297.
التحرك بدأ… داخلياً
تسلّمت جمعية مصارف لبنان وحاكمية مصرف لبنان لائحة الـOFAC وباشرت درسها بشكل دقيق ومفصّل، مع تأكيد الحاكم رياض سلامة ان لبنان بمصارفه ملتزم كل القوانين الاميركية وبخاصة التي تفرض عقوبات على المصارف المتعاملة مع “حزب الله”. وتشير المعلومات الى ان هذه اللوائح الاميركية ستكون طبقاً أساسياً على طاولة الاجتماع الدوري لجمعية المصارف بحاكمية مصرف لبنان للخروج بموقف موحّد يؤكد الالتزام التام بها، قبل وصول المسؤول الأميركي الى بيروت.
ومنذ إمرار القانون 2297 في مجلس النواب الاميركي، انطلقت الزيارات المتلاحقة للوفود الرسمية والمصرفية اللبنانية الى واشنطن للاطلاع عن كثب على تفاصيل هذا الاجراء وإقناع الجهات الاميركية بأن لبنان ملتزم كل الالتزام مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب، وقطاعه المصرفي بعيد كل البعد عن الشبهات.
المصارف ملتزمة
زار وفد من مجلس إدارة جمعية المصارف الأسبوع الماضي نيويورك وواشنطن برئاسة رئيس الجمعية الدكتور جوزف طربيه، حاملاً معه مجموعة القوانين المالية الأربعة التي أقرها مجلس النواب، والتي جاءت لتعكس التزام الدولة اللبنانية اضافة إلى المصارف، قواعد العمل وبالمعايير المصرفية والمالية العالمية المرعية الإجراء وخصوصاً الأميركية منها. وبالاضافة الى مشاركته في المؤتمر الذي نظمه اتحاد المصارف العربية، برعاية بنك الاحتياطي الفيديرالي في نيويورك وافتتحه نائب الرئيس التنفيذي للاحتياطي الفيديرالي توماس باكستر ورئيس الجمعية ورئيس اللجنة التنفيذية لاتحاد المصارف العربية الدكتور طربيه. والأهم كانت زيارة الوفد المصرفي اللبناني واشنطن حيث عقد اجتماعات عمل مع بعض كبار المسؤولين في وزارة الخزانة الاميركية ووزارة الخارجية المعنيين بالشأن المصرفي والمالي. وقد التقى الوفد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي اد رويس اضافة إلى أعضاء بارزين في لجنتي الخدمات المالية والشؤون الخارجية ومكافحة الإرهاب في الكونغرس الأميركي وبعضهم من أصل لبناني. وأشاد المسؤولون الاميركيون بالقطاع المصرفي اللبناني الرائد لجهة حسن احترامه للقواعد المصرفية العالمية، وخصوصاً تلك المتعلقة بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. من جانبه، تمنّى الوفد المصرفي اللبناني على مختلف هذه الجهات الرسمية أولاً أن يكون أي إجراء يتخذ في مجال مكافحة تبييض الأموال مرتكزاً على القواعد القانونية لجهة احترام حق المراجعة والدفاع وسلامة الأدلة. وأن لا يكون ثانياً لأي إجراء ممكن أن يتخذ أي تأثير سلبي على القطاع وعلى البلد تأكيداً للموقف الرسمي الأميركي الحريص على استقرار لبنان واستمرار نجاح القطاع المصرفي، وقد قوبل هذا الطرح بإيجابية من الجهات الرسمية الأميركية.
باتت الكرة حالياً لدى السلطات النقدية والمالية والمصرفية اللبنانية أي مصرف لبنان وجمعية المصارف ووزارة المال للاستعانة بخبراء قانونيين دوليين لتفسير المراسيم التطبيقية على ان يقوم حاكم المركزي بعدها بإصدار سلسلة التعاميم المطلوبة الى المصارف لتبليغها بكيفية التصرّف في المرحلة المقبلة والتعامل مع المراسيم، التي يبقى تطبيقها إجراء الزامياً لا خياراً، ولا يمكن تالياً التهرّب منه.