IMLebanon

50 % من مصاريف الأسر على الغذاء

Supermarket2
يُعالج موضوع الفقر في دول العالم إستناداً إلى معطيات وإحصاءات تقوم بها المؤسسات الرسمية وغير الرسمية. لكن في لبنان الوضع مختلف، فبالدرجة الأولى تغيب الدراسات الواقعية التي تقدم معطيات واضحة عن الفقراء ومستوى فقرهم. وهذا يشكل أولى معوقات محاربة الفقر. والمشكلة الثانية هي أن عدداً كبيراً من الأسر الفقيرة، غير ثابتة في خانة تصنيفها كفقيرة، لأن وجودها ضمن معدلات الفقر، يختلف من وقت إلى آخر بحسب الظروف الإقتصادية وتأمين فرص العمل لأفراد الأسرة أو لأحد أفرادها وغيرها. وعدم إنتظام الدراسات المتعلقة بالفقر والفقراء في لبنان، أدى إلى خلاصة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مفاده أن “لبنان يعاني من فجوة معرفية في ما يتعلق بالإستطلاعات الميدانية حول الفقر”، وذلك إستناداً الى إستطلاع أجراه البرنامج في العام 2004، بالتعاون مع الحكومة اللبنانية، حول ميزانية الأسرة وظروفها المعيشية.
الأسر اللبنانية تعيش دائماً تحت رحمة الإقتصاد المضطرب، وتواجه في كل لحظة إمكانية الإنتقال من حال الإكتفاء الإقتصادي إلى حال النقص ثم إلى الفقر المدقع، خصوصاً أن الأسر الفقير تعمل ضمن قطاع العمل الموسمي الذي يجعل إيراداتها غير منتظمة.

ووفق دراسة أعدها “معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية”، تحت عنوان “الفقر وانعدام المساواة والحماية الاجتماعية في لبنان”، تقوم الأسر بتوزيع دخلها بين “35 % و50 % على الغذاء، و20 % على الرعاية الصحية. ويحل التعليم ثالثاً بنسبة 15 % من المصاريف. أما سداد الديون وكلفة السكن فيحتلان من 10 % إلى 15 % من المصاريف الشهرية”.

وتشير الدراسة إلى أن الديون ترتفع في الشتاء بسبب تراجع فرص العمل. وتلفت الدراسة إلى أن الأسر الفقيرة تكسب “دخلاً وسطياً سنوياً يراوح بين 4 آلاف دولار و8 آلاف دولار، مع فارق في الأوضاع لمصلحة الأسر المقيمة في المناطق المدينية مقارنة بمناطق الريف. ومن الناحية العمليّة، يبلغ الحدّ الأدنى الذي تحتاج إليه أسرة مؤلفة من خمسة أفراد للوصول إلى الخطّ الأدنى للفقر، 4380 دولاراً سنوياً”.

الدراسة أُجريت ضمن “33 مقابلة”، وشملت “نقاشات ضمن مجموعات التركيز مع 128 أسرة في خمس مناطق في بيروت وطرابلس وعكار والبقاع والنبطية”. وتضمنت “مقابلات مع 17 تاجراً لكسب المزيد من الوضوح في الرؤية المتعددة الزوايا حول مسائل العمل وكيفية عمل منظومة الديون”.

إلا أن هذه المقابلات، وبرغم ما سجلته من معطيات، تقف عند حدود الأرقام، لأن “دور الدولة في الإستفادة من الإحصاءات، مفقود، والوزارات لا تملك القدرة على تبديل طريقة تنظيم الأسر حياتها الإقتصادية في ضوء الفقر الذي تعيش فيه”. إذ إن الدولة، بحسب مصادر في وزارة العمل، “لا تستطيع التحكم بأسعار السكن أو الإيجارات، لكي تدفع الأسر الفقيرة إلى تقليص حجم إنفاقها على المسكن، وتوجيهه نحو الطعام مثلاً”.

وتعترف المصادر بأن “المنافسة الأجنبية للعمال اللبنانيين، رفعت معدلات البطالة وأدت إلى تدني أجور العمل الموسمي، ويضطر العامل اللبناني إلى القبول بالأجر المتدني. وهذا ما يصب في خانة التأقلم مع ظروف الفقر”.

وتؤكد المصادر (وتسجلها الدراسة) أن هناك أطراً رسمية وغير رسمية لمساعدة الأسر، فللدولة مراكز ودوائر تساعد الأسر الفقيرة، والبرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً يساعد الأسر الفقير مدعوماً بتمويل من البنك الدولي والمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وتشير الدراسة إلى أن هذا البرنامج “يغطي حاجات 12 % من المواطنين الأشد عوزاً”، ويقدم مساعدات مجانية في المستوصفات. أما بالنسبة إلى غير المستفيدين من البرنامج، فيمكّنهم البرنامج من الحصول على مساعدات بعد دفع مبلغ “7 آلاف ليرة بدل كل زيارة”.

الأرقام التي تعرضها الدراسة، والحلول غير الجذرية التي تقدمها الدولة، تدفع بالأسر الفقيرة إلى الإستعانة بالمؤسسات الرديفة للدولة، وهي غالباً مؤسسات سياسية ودينية، تعمل على تعويض نقص خدمات الدولة، لكن انتشار هذه المؤسسات يؤدي إلى التأثير سلباً على الأسر، لأن هذه المؤسسات تسيطر على الأسر، وهي لا ترفع عنها الحرمان، وانما “ترشّد” الحلول، وتعطي الأسر جرعات من المسكنات الإقتصادية، فتغرق الأسر أكثر فأكثر في الديون لمصلحة تلك المؤسسات، وإن كانت تلك الديون طويلة الأجل وبفوائد منخفضة.

وترى الدراسة أن هناك حاجة إلى “الحفاظ على الحد الأدنى للأجور، وتقديم عقود عمل مناسبة، وضمان سداد المساهمات إلى الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي”، فضلاً عن تفعيل دور المجتمع المدني لناحية التوعية “بأهمية حزم الحماية الاجتماعية الشاملة”، إلى جانب تنشيط دور وكالات الأمم المتحدة والوكالات الدولية، لأن من مهمات هذه الوكالات “فتح حوار مع الحكومة اللبنانية لتوفير الحد الأدنى من الحماية الاجتماعية للفقراء”.