كتب عماد مرمل في صحيفة “السفير”:
ليس خافياً أن نوعاً من البلبلة يسود القطاع المصرفي اللبناني، منذ صدور القانون المالي الأميركي، المتعلق بحظر التعامل مع “حزب الله”، والذي أُتبع بمراسيم تطبيقية صدرت في 15 نيسان الجاري، بعد مداولات شاركت فيها المخابرات المركزية الأميركية ووزارة الخارجية ووزارة الخزانة ومجلس الأمن القومي وبعض لجان الكونغرس، بمواكبة من اسرائيل وبعض الدوائر العربية الرسمية.
ومع الإعلان عن زيارة مساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون تمويل الإرهاب دانيال غلايزر، لبيروت الشهر المقبل، ارتفع منسوب القلق لدى البعض من احتمال أن تكون مهمته مندرجة في سياق زيادة وتيرة الضغط على المصارف، لضمان التزامها بالعقوبات المتخذة ضد الحزب، وتشددها في تطبيقها.
وهناك في المقابل من ينبه الى مبالغات لبنانية مفتعلة في التعاطي مع القانون الأميركي، بل ان أحد “الخبثاء” ذهب الى أبعد من ذلك، متحدثاً عن وجود حماسة ضمنية لدى أطراف مصرفية وسياسية لبنانية للعقوبات الأميركية، قد تتجاوز سقف ما تريده واشنطن أصلا، من باب المزايدة الهادفة الى استجلاب الحماية، الامر الذي بدأ ينعكس منذ فترة تشددا لدى عدد من المصارف في التدابير المتصلة بمعاملات مصرفية تعود الى أشخاص ليست لهم أساسا أي علاقة بـ “حزب الله”.
ومنعاً للاجتهادات والتفسيرات المتباينة، وسعياً الى تثبيت أداة قياس واحدة في مقاربة القانون المالي الأميركي، عُلم أن مصرف لبنان سيصدر قريبا، والأرجح بعد اجتماع مجلسه المركزي الاربعاء المقبل، تعميماً موجهاً الى المصارف، على قاعدة منع الاستنسابية أو التدابير الاستباقية في طريقة التعاطي مع أشخاص أو مؤسسات.
وسيحاول المصرف المركزي من خلال هذا التعميم ضبط إيقاع المصارف وحماية شريحة لبنانية واسعة من خطر الانتقائية أو المزاجية في تنفيذ العقوبات الاميركية، على قاعدة التوفيق بين متطلبات المراسيم التطبيقية وضرورات عدم التوسع المفرط في تنفيذها، بحيث يحصر المصرف صلاحية الاجتهاد به.
وفي المعلومات، أن التعميم سيطلب من كل مصرف، قبل أن يبادر الى إغلاق حساب أي شخص أو شركة، أن يراجع هيئة التحقيق الخاصة التابعة للمصرف المركزي، والتي بناءً على معطياتها، تعطي الضوء الأخضر لإقفال الحساب أو إبقائه مفتوحاً، وكذلك الأمر في ما يتعلق بفتح حساب جديد، فإما يأذن المصرف المركزي عبر هيئة التحقيق بفتحه وإما يطلب الامتناع عن ذلك.
وتجدر الإشارة الى أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة سيطل اليوم مع الزميل مارسيل غانم ضمن برنامج “كلام الناس”، لشرح كل حيثيات هذا الملف، فضلا عن تأكيد أهمية التعاميم التي يصدرها مصرف لبنان بمعزل عن الخطوات الأميركية، وضرورة وضع القوانين المالية التي أقرها مجلس النواب موضع التنفيذ، إضافة الى التشديد على أن العملة الوطنية تخضع للقوانين اللبنانية لا لأي قانون آخر.
ويؤكد مصدر نيابي مطلع على وقائع هذه القضية، أن النقاش الذي جرى مع الدوائر الأميركية المعنية، تركز على وجوب تقديم تعريفات وتصنيفات واضحة لـ “بنك الأهداف” المدرج على لائحة العقوبات المالية، بموجب مراسيم القانون الذي أقره الكونغرس.
ويوضح المصدر أنه تمت الاستجابة الى حد ما لهذا الطلب، بحيث تقلصت نسبة الغموض غير البنّاء في المراسيم التطبيقية، من دون أن يعني ذلك أن القانون لم يعد سيئاً، “إذ إن ما نحاول أن نفعله هو الحد من أضراره وخسائره، بعدما أصبح أمراً واقعاً، لا أكثر ولا أقل..”.
ويضيف المصدر: على سبيل المثال، تتناول العقوبات الأميركية “كل شخص يسهّل، عن معرفة، عمليات مالية لدعم حزب الله”، فطلبنا تعريفاً دقيقاً لمعاني “العملية المالية”، و “يسهل”، “وعن معرفة”..
ويشير المصدر النيابي الى ضرورة أن يدرك الأميركيون خطورة أن يتسببوا في إلحاق الأذى بالبلد ككل، بذريعة معاقبة جهة محددة، لافتا الانتباه الى ان لبنان هو في نهاية المطاف حليف للولايات المتحدة في المعركة ضد الإرهاب، ويُفترض أنه ما من مصلحة لها في التضييق عليه، “وبالتالي فإن واشنطن يجب أن تتنبه الى وجوب ألا تتسبب إجراءاتها في الإضرار بالاقتصاد الوطني، والقطاع المصرفي، وطائفة لبنانية”.
ويعتبر المصدر أن الأسماء والمؤسسات اللبنانية، القديمة والجديدة، الواردة على لائحة العقوبات المالية الأميركية لا يمكن تحييدها، بل هذه اللائحة قابلة للتوسع في أي وقت، وما حصل هو أن لبنان حثّ الأميركيين على التقيد بضوابط ومعايير تمنع الاستنسابية في تنفيذ القانون، وتحول دون تعميمه على شريحة واسعة من اللبنانيين.
وفي انتظار تبيان ما سيحمله غلايزر الى بيروت، تشدد أوساط معنية بملف العقوبات الأميركية، على ضرورة أن تصون الدولة اللبنانية “سيادتها المالية”، لافتة الانتباه الى أن التعامل بالليرة اللبنانية هو أمر سيادي، ما دام ينسجم مع القوانين المرعية الإجراء، وبالتالي ينبغي عدم السماح بأي شكل من أشكال التدخل في هذا الشأن النقدي.
وقد ورد في المراسيم التطبيقية (منتصف نيسان الحالي) للقانون المالي الأميركي التعريف الآتي لما أسماه الكونغرس كيان “حزب الله”:
“مصطلح “حزب الله” يعني:
(أ) الكيان المعروف باسم “حزب الله” والمصنف كمنظمة إرهابية أجنبية بموجب البند 219 من قانون الهجرة والجنسية (1189 U.S.C.8 وما يليها)
أو
(ب) أي شخص:
(1) تتجمد ممتلكاته أو مصالحه من تلك الممتلكات بموجب قانون الصلاحيات الاقتصادية في حالات الطوارئ الدولية (1701 U.S.S. 50 وما يليها)
و
(2) مدرج على قائمة الرعايا المصنفين خاصة والأشخاص المحظورين (قائمة SDN) الصادرة عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، كعميل أو أداة أو تابع لـ “حزب الله”.