ميليسا لوكية
يلاحظ المارة في مدينة بيروت أو في أي مدينة أخرى، الأعداد الهائلة لسيارات الأجرة التي تتزاحم لاصطياد الركاب من دون أن تكون لديها محطات “شرعية” تتوقف فيها لإنزالهم وتالياً لمنع عرقلة السير. ويبدو أنَّ السيارات التي تعمل بشكل غير شرعي تتبع وتيرة تصاعدية، في ظلّ المخالفات المرتكبة من أصحابها والرخص المزوّرة التي تتنقل من سيارة إلى أخرى.
يضمُّ لبنان حاليا نحو 34000 سيارة أجرة، 4000 فان، نحو 2300 باص، ناهيك بالشاحنات التي لا علاقة لها بالسيارات العمومية. ويحق لكل سائق حائز على رخصة سوق مخصّصة للفئة التي يعمل فيها، كالرخصة السياحية للسيارات العمومية ورخصة Toute Marque للباص مثلاً، أن يصبح “سائقاً عمومياً”، بحسب رئيس اتحاد نقابات سائقي السيارات العمومية بسام طليس.
قد لا تكون هذه الأرقام دقيقة أو نهائية، إذ بات هذا القطاع عرضة لاقتحام بعض الذين يعملون عادة على تزوير اللوحات ونسخها، وفق طليس الذي يشير لـ”النهار” إلى أنَّهم يستخدمونها بعد ذلك لقيادة سيارات تتمتع بمواصفات المركبة التي تحمل اللوحة الأصلية.
وفي حين أنَّ قانون العمل يمنع من هم من غير اللبنانيين من مزاولة هذه المهنة، يؤكّد طليس أنَّ النقابة لم تتوقف عن مطالبة الوزارات المعنية وقوى الأمن الداخلي بوضع حد نهائي لهذا الموضوع.
لكن ما الذي فعلته وزارة الأشغال والنقل في هذا المجال، وما هي الطريق التي سلكتها لمنع التزوير؟ هنا يجيب المدير العام للنقل البري والبحري في الوزارة عبد الحفيظ القيسي، شارحاً لـ”النهار” أنَّ الوزارة أصدرت تراخيص لكل ما له علاقة بالنقل العام، إذ يحصل كلّ سائق على تراخيص مزاولة مهنة، وهي غير قابلة للتزوير، فضلاً عن ملصق تعريفي يوضع على الزجاج وترخيص يوضع على المرآة. ويشير الى أنَّ أي سيارة لا تضم هذه التراخيص تكون مزورة، وأنَّ قوى الأمن هي المسؤولة عن ملاحقة موضوع التزوير ميدانياً.
وبالانتقال إلى الميدان، فإنَّ قوى الأمن الداخلي قادرة على التمييز بين السيارات المزورة عبر وسائل عدّة، تذكر منها مصادر لـ”النهار”: السيارات التي تحمل لوحات بيضاء، السيارات التي تستخدم لوحات بيضاء مدهونة باللون الأحمر، السيارات التي تحمل لوحات مزوّرة، فضلاً عن تلك التي لا تحمل الرخصة التي تعطيها وزارة الأشغال.
وتشدّد المصادر على أنَّه لا يمكن ضبط التزوير بشكل نهائي وتام من دون اللوحة الذكية القادرة على إعطاء كل المعلومات الضرورية عن السائق والسيارة.
ضبط القطاع يبدأ بمكافحة أزمة السير
في ظلّ طفرة سيارات الأجرة والعشوائية التي تكتنف أعدادها، لعلّ من يتذمّر من غياب التنظيم في قطاع النقل العام وسيارات الأجرة جاهل للواقع الذي يشير إلى أنَّ طرق لبنان والمشاريع التي وضعتها السلطات المتعاقبة لم تفلح في جعلها بيئة خصبة تعزّز عمل هذه السيارات وتضعها في خدمة المواطن بالطريقة الأصح.
ويشير عميد كلية إدارة الأعمال والإقتصاد في جامعة الحكمة ورئيس الرابطة العالمية للإقتصاد في لبنان روك – أنطوان مهنّا إلى أنَّ أزمة السير تكلّف لبنان نحو ملياري دولار سنوياً، فضلاً عن أنَّه يضمّ مشاريع جعلت الطرق أضيق.
ويؤكد مهنا لـ “النهار” أنَّ الأسباب الرئيسية لغياب التنظيم في القطاع وعدم وجود محطات ضرورية لركن سيارات الأجرة هي الطرق، خصوصاً أنَّ المخطّطات التوجيهية غائبة، فضلاً عن أنَّ التعاون بين الجهات المعنية في هذا المجال، أي وزارة النقل والأشغال، مجلس الإنماء والإعمار، البلديات والتنظيم المدني مفقود، بما يفضي إلى عدم توافر رؤية مستقبلية، الاكتفاء بالمشاريع الآنية وعدم إشراك البلديات في التنظيم المدني.
وإذ يرى أنَّ وجود وزارة للتخطيط كفيل بجمع هذه المؤسسات الأربع وضمان التنسيق في ما بينها ضماناً للتكامل بين المشاريع، يؤكّد ضرورة وجود مشروع متكامل يخفّف أولاً من أزمة السير، وينظم ثانياً قطاع النقل العام ككل. ومن جملة الخطط التي يمكن تنفيذها، خدمة لهذه الأهداف، المواقف الأفقية، تنظيم المواقف خارج عامل الاستثمار، إنشاء قطاع الـBRT) Bus Rapid Transit) القادر على إيصال الركاب من بيروت إلى جونيه في نصف ساعة حداً أقصى في ذروة أزمة السير، إلى جانب الإفادة من الامتداد الطويل للبنان على الشاطئ البحري (215 كيلومتراً) للتاكسي البحري، أو اعتماد المواقف الأفقية والميكانيكية وغيرها.