جميل ملك
إنه خطأ كبير، ومخالفة قانونية صارخة، وخسارة مالية فادحة، لحقت بل أصابت المضمونين الخاضعين لنظام تعويض نهاية الخدمة، أولئك الذين قبلت ادارة الصندوق طلبات تصفية تعويضات نهاية خدماتهم وصرفها ودفعها (من دون اشتراط ترك العمل المأجور أي فسخ عقد العمل وجوباً ولزوماً)، في الحالتين التاليتين فقط، وهما:
أ ـ أن يكون المضمون (ة) قد أتمّ خدمة عشرين سنة على الأقل.
ب ـ أن يكون المضمون (ة) قد أتمّ الستين من العمر على الأقل ولغاية إتمام الـ 64 من العمر حكماً.
ـ فأمَّا أن يكون ذلك خطأً كبيراً ومخالفة قانونية صارخة ارتكبتها ادارة الصندوق (بأجهزتها الثلاثة)، فذلك مؤكد بما نصّت عليه القوانين اللبنانية المتعاقبة على التوالي وأهمها:
أ ـ قانون الموجبات والعقود (القانون المدني اللبناني) الصادر بتاريخ 3/9/1932 بمادته 656 المعدلة بالقانون الصادر بتاريخ 27/5/1937 ونصها التالي: «إذا كان فسخ عقد العمل صادراً عن رب العمل… فعند ذلك يستحق لهذا الأجير تعويض قدره ….».
ب ـ قانون العمل الصادر بتاريخ 23/9/1946 بمادته 54 ونصها التالي: «إلى أن يسن تشريع الضمان الاجتماعي، على رب العمل أن يدفع للأجير المصروف من الخدمة… تعويض صرف يعادل….».
ج ـ قانون الضمان الاجتماعي الموضوع موضع التنفيذ بالمرسوم رقم 13955 تاريخ 26/9/1963 بمادته 50-1- ونصها التالي: « لكل أجير خاضع لنظام نهاية الخدمة (إلزامياً أو اختيارياً) الحق بتعويض نهاية الخدمة…».
ويتضح من ذلك جلياً أن معنى الصرف من الخدمة أو نهاية الخدمة، ومفهومه لغةً وقانوناً مرتبط حكماً بفسخ عقد العمل، ومن دون توفر، أو من دون تحقق هذا الشرط، فإن المبلغ المدفوع من قبل ادارة الضمان لا يتصف أبداً بصفة: تعويض نهاية الخدمة في أيٍ من الحالات المحددة في المادتين 50 و 52 (ق.ض.) وبالتحديد منها الحالتان المسميتان أعلاه.
ـ وأمَّا أن تكون هذه المخالفة الــقانونية الصارخة، التي ارتكـــبتها إدارة الصندوق (بأجهزتها الثلاثة) قد ألحقت خسارة مالية فادحة بتعويضات نهاية خدمة هؤلاء المضمونين النهائية، فذلك يؤكده ما يأتي:
أ ـ شطبت إدارة الصندوق، بل محت نهائياً سنوات خدمتهم العشرين الأولى، على الأقل، من سجل حركة استخدامهم، ولم تدخلها في العدد الإجمالي لسنوات الخدمة الكلية عند احتساب تعويض نهاية الخدمة النهائي؟!
ب ـ حرمت هؤلاء المضمونين من تعويض نصف الشهر الإضافي عن كل سنة خدمة لاحقة للعشرين سنة الأولى (وهو التعويض الذي يدفعه صندوق النظام ـ وليس رب العمل طبعاً ـ تبعاً لنص المادة 51 ـ فقرة 1ـ بند ب من (ق.ض.).
ـ ولنتخيّل ـ عند ذلك ـ مدى هذه الخسارة التي لحقت بتعويضات نهاية خدمة هؤلاء المضمونين من دون وجه، حق من جهة، ومدى هذا الكسب اللاشرعي الذي أصاب صندوق نظام تعويض نهائية الخدمة، وصناديق أصحاب عمل هؤلاء المضمونين، من دون وجه حق أيضاً من جهة أخرى؟!
ـ ومع مرور السنوات، وعندما استفاق المضمونون المتضررون، ومعهم قيادات نقابية عديدة، وفي طليعتها نقابة مستخدمي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الى هذه المخالفة القانونية الصارخة، وما ألحقته من خسائر محققة بتعويضات نهاية خدمة المضمونين النهائية، بدأ هؤلاء التحرك باتجاه إدارة الصندوق (بأجهزتها الثلاثة) وسلطة الوصاية، مطالبين بوجوب الإقلاع الفوري عن هذا التجاوز الخارق للقانون، وبوجوب أداء تعويضات نهاية الخدمة كاملة، كما يحددها القانون، لأصحابها المضمونين.
ـ ولأن إدارة الصندوق (بأجهزته الثلاثة) وسلطة الوصاية لم تصغ الى مناشدات المضمونين، ولم تستجب لمراجعات الهيئات النقابية، وأصرّت على التمسك بما هي عليه، بل إمعاناً في المخالفة وتأكيدها، أقدمت إدارة الصندوق (بأجهزتها الثلاثة)، ومعها سلطة الوصاية، على تعديل نص المادة التاسعة من نظام تعويض نهاية الخدمة بالقرار رقم 3331 تاريخ 22/2/1991 (جلسة عدد 1131)، ومصادقة سلطة الوصاية عليها بالقرار رقم 36/1 تاريخ 19/3/1991، بإضافتها المقطع الأخير عليها الآتي نصّه:
«إذا تابع الأجير عمله بعد تصفية حسابه، (في حالة إتمامه عشرين سنة خدمة على الأقل) يتابع صاحب العمل دفع الاشتراكات عنه، ولكن الأجير يفقد الحق بالاستفادة من التعويض الإضافي، وقدره نصف شهر عن كل سنة خدمة لاحقة للعشرين سنة الأولى، عند تصفية حسابه نهائياً من قبل الصندوق، بعد بلوغه السن القانونية».
وأمام هذا النص النظامي المخالف لأبسط القواعد والنصوص القانونية ـ ولاسيما منها نص المادتين 50 و52 (ق.ض.) واستطراداً نصوص المواد (52-53-54) من نظام مستخدمي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (النظام رقم 5) لم يعُد أمام هؤلاء المضمونين المتضررين ومراجعهم النقابية الا مراجعة القضاء والهيئات الرقابية في الدولة، والتي انتهت هذه المراجع بشأنها الى القرارات الآتية:
1ـ قرار اللجنة التحكيمية لنزاعات العمل الجماعية رقم 1/97 تاريخ 11/4/1997: الذي قضى بـ : «أقرّ لمستخدمي الصندوق الذين سبق لهم وصفّوا تعويضات نهاية خدمتهم (استناداً لأحكام المادة 50 ـ فقرة 1ـ بند أ (ق.ض.)، وتأسيساً على المادة 52 ـ فقرة 3 نظام مستخدمي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي رقم 5)، الحق بالاستفادة من أحكام المادة النظامية هذه استناداً الى مبادئ العدل والانصاف التي توجب المساواة بين المستخدم الذي استقال وانقطع عن الخدمة، ثم عاد اليها، وبين زميله المستخدم الذي بقي في الخدمة، من دون انقطاع برغم التصفية، بناء لأحكام المادة 50 ـ فقرة 1 ـ بند أ (عشرون سنة خدمة فعلية من دون ترك العمل المأجور)».
2 ـ قرار مجلس شورى الدولة رقم 151/98 تاريخ 3/12/1998: الذي قضى بـ:
«إن تعويض نهاية الخدمة، كما تبيّنه أحكام المادة 50 ضمان بجميع بنودها، هو حق للأجير له أن يطالب به عند نهاية خدمته بالفعل، وأن هذا التعويض ينبغي ألا يُصفَّى الا عند انتهاء خدمة من استحقها وخروجه من العمل. وأن كل تعويض يُصفّى قبل انتهاء الخدمة الفعلية، لا يشكل تعويض نهاية الخدمة بالمعنى القانوني والبديهي للكلمة، إنما يشكل سلفة عليها».
3 ـ قرار محكمة التمييز «الغرفة 10» رقم 18 /2010 تاريخ 16/3/2010: الذي قضى بـ: «اعتبار تصفية التعويض الذي قبضته السيدة …………. بموجب المعاملة رقم 183553 تاريخ 28/8/2001 سلفة على حساب تعويضها النهائي. وإلزام المطلوب النقض ضده (الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي) عند تصفية تعويض نهاية خدمتها لديه بصورة نهائية ببلوغها السن القانونية، أو لأي سبب، يتوجب بموجبه تصفية تعويض نهاية خدمتها بصورة نهائية، بإعادة احتساب تعويضها النهائي على أساس الأقدمية منذ تاريخ مباشرتها العمل لديه، وحتى نهاية خدمتها الفعلية من دون تجزئة (أي مع الأخذ بالاعتبار الأقدمية ومدة عملها العشرين سنة الأولى، وحجم المتوفر سابقاً من ناتج حساب تصفية التعويض الذي يقتضي احتسابه وفقاً للأصول الملزمة لدى الصندوق)».
ـ ففي ضوء هذه القرارات الواضحة والحاسمة والمبرمة، والتي كان من شأنها أن تدفع إدارة الصندوق (بأجهزتها الثلاثة)، ومعها سلطة الوصاية، الى المبادرة فوراً لطي صفحة هذا التدبير والسلوك الخاطئ، والمخالف للقواعد القانونية التي سار عليها التشريع اللبناني (وفي القلب منها قانون الضمان الاجتماعي)، بل رأيناها تكتفي فقط وتلتزم بتنفيذ هذه القرارات القضائية على المضمونين المعنيين بهذه القرارات (وجلّهم من مستخدمي مؤسسة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي) من دون تعميم أحكامها على سائر المضمونين الخاضعين لنظام تعويض نهاية الخدمة على اختلاف قطاعاتهم متذرّعة في كل ذلك بالتزامها بمبدأ نسبية الأحكام؟! ويا للعجب من ذريعة كهذه؟ّ!
وبهذا، فإن المشكلة لا تزال قائمة ومتمادية، وإن استمرار أصحاب المصلحة الحقيقية بالمطالبة ـ بكل الوسائل المتاحة والمشروعة ـ ضرورة ملحة لا يجوز التراجع عنها، والتي لا يوقفها إلا استجابة إدارة الصندوق ـ ونكرر هنا ـ بأجهزتها الثلاثة ـ معها سلطة الوصاية، والانصراف فوراً الى اتخاذ الخطوات التنفيذية: قانونية أم نظامية أم إدارية كيفما وجب ذلك وأخصّها:
1ـ اعتبار تعويض نهاية الخدمة المصفّى، والمصروف والمدفوع بسبب توفر شرط عشرين سنة خدمة، مع متابعة العمل (أي دون فسخ عقد العمل وترك العمل المأجور) ليس الاّ سلفة على تعويض نهاية الخدمة النهائي، الذي يستحق بسبب بلوغ السن أو العجز أو الوفاة، ومعه ترك العمل المأجور حكماً) تحسم منه من دون أية فائدة.
2 ـ اعتبار تعويض نصف الشهر الإضافي المنصوص عنه في المادة 51 ـ 1ـ ب (ق.ض.) حقاً قائماً وثابتاً وقطعياً بالنسبة للمضمون، الذي يُصفّي تعويض نهاية خدمته النهائي على أساس بلوغ السن القانونية (60ـ 64).
3ـ التوقف فوراً، من الآن فصاعداً، عن قبول طلبات تصفية تعويض نهاية الخدمة بسبب خدمة عشرين سنة على الأقل، من دون أن تكون مقترنة بترك العمل المأجور ( فسخ عقد العمل) وإلغاء المقطع الأخير من المادة التاسعة من نظام تعويض نهاية الخدمة (الوارد نصه أعلاه) فوراً لمخالفته أحكام قانون الضمان الاجتماعي.
4ـ إعادة احتساب تعويضات نهاية خدمة المضمونين، الذين سبق لهم وخرجوا من ميدان العمل المأجور لأحد أسباب: بلوغ السن، العجز، الوفاة، وكانوا من الذين لحقت بهم الخسارة المادية المبيّنة (حسب ما ورد أعلاه) ودفع الفروقات المتوجبة لهم من دون التذرع بمبدأ مرور الزمن، فمرور الزمن هنا يبدأ من تاريخ عودة إدارة الصندوق عن موقفها المخالف للقانون، وليس من تاريخ تصفية تعويضات نهاية خدمة هؤلاء المضمونين المغبونين.
ـ بقيَ أن نقول كلمة أخيرة في القانون رقم 2/87 تاريخ 6/1/1987 (الرامي الى تعديل السن التي ينتهي فيها الخضوع الى نظام تعويض نهاية الخدمة في قانون الضمان الاجتماعي من 55 للمضمونة و60 للمضمون الى 60ـ 64 للمضمون والمضمونة على السواء)، فيا حبّذا لو اقتصر نصّ هذا القانون على المقطع الأول من الفقرة الأولى من المادة الأولى منه فقط، من دون المقطعين الثاني والثالث كلياً، اللذين تضمّنا أحكاماً مخالفة ومناقضة للقواعد القانونية، (التي لا يعقل ولا يجوز لأي عمل تشريعي أن يتجاوزها). وعليه فإن تصفية تعويض نهاية الخدمة بسبب (بلوغ السن 60ـ 64) يوجب اقترانه حكماً بترك العمل المأجور (فسخ عقد العمل) عند أي سن يختاره المضمون/ة بين 60 ـ 64. واعتبار كل تصفية تعويض نهاية خدمة سبق وجرت على أساس بلوغ سن الستين دون ترك العمل المأجور سلفة على تعويض نهاية الخدمة النهائي، الذي يجري حكماً عند تمام سن الـ 64، إذ لا عمل من دون أجر ولا عمل من دون تعويض.
ويهمنا أن نشير الى أن تعديل هذين المقطعين القانونيين: الثاني والثالث والغاءهما يستدعي إما تعديلاً قانونياً واما طعناً لدى المجلس الدستوري.