يحتفل العمال بعيدهم هذا العام في ظل ظروف يمكن وصفها بانها الاسوأ على الاطلاق وعلى جميع المستويات، لا سيما اجتماعياً ومعيشياً وحياتياً. وهذا الوصف ليس مجرد كلام انما واقعا بات من يوميات اللبنانيين.
فالجميع على اطلاع واسع على المعاناة التي يعيشها اللبناني والمتمثلة بالضائقة المعيشية والمشاكل الحياتية وتردّي الخدمات العامة على اختلافها.
ما يزيد الطين البلة هو الركود الاقتصادي المتحكم بالدورة الاقتصادية الذي تسبب بفقدان الآف اللبنانيين لوظائفهم ولقمة عيشهم، فيما فرص العمل باتت لا تفي بطلب الا قلة من خريجي الجامعات والمعاهد الوافدين الى سوق العمل.
ويمكن ان يكون أفضل تعبير عن هذا الواقع هو معدلات البطالة والفقر، فالأولَى أي معدلات البطالة ارتفعت بشكل قياسي حيث بلغت نسبتها 25 في المئة، فيما تشير الارقام الى ان عدد اللبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر قد تجاوز 1،3 مليون.
قزي
الا ان وزير العمل سجعان قزي أعطى توصيفا جديدا للعيد، بقوله «للأسف، نحن اليوم اقرب الى عيد العاطلين عن العمل أكثر من عيد العمال، مع وجود 20 في المئة من القوى العاملية اللبنانية الحية من دون عمل».
واعتبر قزي في تصريح لـ»المستقبل» ان «العمال في لبنان يستقبلون عيد العمل بحسرة كبيرة على اوضاعهم وعائلاتهم واولادهم، وكذلك ارباب العمل الذي يتحسرون على اوضاعهم السيئة جراء الازمة الاقتصادية والجمود الذي يتحكم بمختلف القطاعات وتدني الانتاج والمبيعات ونسبة النمو الاقتصادي»، لافتا الى ان الازمة تطال كل القوى الحية في البلاد بسبب «لامبالاة الطبقة السياسية التي لا تهتم الا لمصالحها على حساب البلد».
واكد ان «وضع العمال سيء لأن وضع الدولة سيء، فالدولة غير قادرة على انصاف بنيها ان كان عمالا او رجال اعمال او مواطنين«. وقال «كلما زادت حاجة العمال الى تقديمات اجتماعية وصحية كلما نرى ان وضع الدولة يتراجع وبالتالي تكون عاجزة عن القيام بواجباتها».
وأبدى قزي أسفه لفقدان النقابية ولعدم تنظيم تحركات نقابية مجدية دفاعا عن العمال ومصالحهم». وقال «إذا وجدت هذه التحركات فانها تكون ضيقة، وعلى اساس مناطقي او مذهبي او حزبي»، داعيا الى اعادة النظر بالحياة النقابية في البلد».
وعن مواجهة هذه الازمة الاجتماعية، رأى قزي «ضرورة معالجة الوضع اللبناني قبل العمالي، لان الدولة عاجزة عن الايفاء بالتزاماتها تجاه العمال أو اصحاب العمل«، مشددا على ان «الوقت حان كي تجلس القيادات السياسية لانهاء الازمة السياسية».
وحذر من ان اليد العاملة من النازحين السوريين باتت تغزو كل القطاعات والمناطق، مشيرا الى ان وزارة العمل تقوم بكل ما يمكن ان تقوم به في هذا الاطار، «لكن يد وحيدة لا يمكنها ان تصفق، فهناك مسؤولية ملقاة على جهات رسمية معنية أخرى وعليها ان تتحرك سريعا».
وابدى قزي تخوفه منحصول ثلاثة امور في حال استمرت الامور تتدهور بهذا الشكل، وهي: عودة اللبنانيين الى نهج الهجرة، او حصول ثورة اجتماعية، أو اندلاع أحداث أمنية».
غصن
رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن، اعتبر في تصريح لـ»المستقبل» ان «البطالة الاخطر هي لدى الشباب اللبناني، حيث تتفاقم يوما بعد يوم، ففرص العمل معدومة في توقف بعض القطاعات الانتجابية من خلق فرص عمل ولو خجولة، والمزاحمة الاجنبية على اشدها لا سيما من قبل النازحين السوريين، فيما السوق العربية التي كانت تمتص البطالة اللبنانية ضاقت اكثر فاكثر مع تراجع اسعار النفط»، معلنا ان «كل ذلك دفع بالبطالة لدى الشباب كي تبلغ معدلا قياسيا عند 37 في المئة«.
وقال غصن «الوضع العمالي في لبنان لا يختلف نهائيا عن وضع البلد الذي يعيش أزمة عميقة كوطن وكيان». اضاف «البلد مأزوم، فلا يمكن انتخاب رئيس للجمهورية، ومجلس الوزراء لا ينعقد الا بعد الاتفاق على القرارات التي سيتم اقرارها، كذلك الامر بالنسبة لمجلس النواب المعطل عن التشريع، بالرغم من ان التشريع من ركائز بناء الدولة». وتابع «هذا الوضع المأسوي ارخى بظلاله على مختلف الحياة في البلد، وانعكس أزمة اقتصادية كبيرة، وشلل في انتاجية الدولة بمختلف مكوناتها وصولا الى ارتفاع معدلات البطالة ونسب الفقر«.
واعتبر ان وجود أكثر من مليون ونصف المليون نازح سوري في لبنان، من دون حصولهم على القليل من المساعدات من المجتمع الدولي الذي يكتفي بالزيارات الميدانية، أدى الى تفاقم وضع اليد العاملة اللبنانية التي سببتها مزاحمة غير مسبوقة وغير مشروعة في عقر دارهم«.
وإذ ابدى تخوفه من حصول انفجار اجتماعي، إذا استمرت الاوضاع في البلد على ما هي عليه. اعتبر ان «التحرك اليوم على الارض للحصول على المطالب العمالية لا يجدي نفعا، لانه لا حياة لمن تنادي فالدولة جثة هامدة بلا حياة«.
وعن دور الاتحاد العمالي العام في هذه المرحلة، قال غصن «دور الاتحاد يجب ان يبقى رافعة وبريق أمل لكل اللبنانيين، وانطلاقا من ذلك سنبقى نرفع صوت عاليا للمطالبة باستقامة وضع الدولة وهو السبيل الوحيد لاعادة بث الحياة في جسم الدولة وهيكلها، وللمطالبة بكل المطالب العمالية للحفاظ على حقوقهم وديمومة عملهم وتحسين اوضاعهم المعيشية».
شقير
أما رئيس اتحاد الغرف اللبنانية رئيس غرفة بيروت وجبل لبنان محمد شقير، فلم يكن بعيدا عن توصيف وضع العمال في لبنان عن الوزير قزي وغصن، فاعتبر ان «الوضع في البلد اليوم مأسوي، وأصبح جلّ طموح العامل شريكنا في الانتاج هو الحفاظ على عمله. وهذا الامر بالتأكيد مماثل لآلاف المؤسسات الخاصة في لبنان التي بات جلّ همها البقاء وعدم السقوط«.
وقال شقير لـ»المستقبل» «يمكن أكثر مرة في التاريخ التي تتقارب فيها وجهات نظر فريقي الانتاج، اي العمال واصحاب العمل، هي في هذه المرحلة البالغة الصعوبة، لأن «المصائب» التي نقع فيها سويا وكذلك كل مكونات البلد، هي ناتجة عن أداء بعض القوى السياسية المتحكمة بمصير البلاد والعباد، التي اوصلت لبنان الى شفير الهاوية، جراء الفراغ الذي احدثته في رئاسة الجمهورية لعامين متتالين، وتعطيل مؤسسات الدستورية وغير الدستورية«.
ولفت شقير الى ان «المشكلات والمعانات لم تعد تتعلق بفئة محددة من اللبنانيين انما تطال الجميع، لا سيما العمال واصحاب العمل. وقال «ان ارتفاع معدلات البطالة مرتبط بشكل مباشر بتراجع الاعمال والخسائر التي تتكبدها المؤسسات الخاصة واقفال الآلاف منها، في حين هناك عامل آخر يضغط بقوى في هذا الاطار وهو يتمثل بمزاحمة النازحين السوريين للبنانيين في وظائفهم واعمالهم«.
وحذر شقير من ان «الخطر الأكبر يتأتى من استمرار ارتفاع معدلات البطالة لدى الشباب، مشيرا الى انه «اليوم هناك اكثر من 30 الف شاب يأتون سنويا الى سوق العمل، في حين ان اقتصادنا في وضعه الحالي لا يوفر سوى نحو 4 آلاف فرصة، إذا لم يكن أقل«.
وسأل شقير «اين يذهب الباقون، اي الـ26 الف شاب لبناني؟». وقال «هذا سؤال دقيق والإجابة عليه برسم القوى السياسية والمعنيين بادارة شؤون البلاد»، محذرا من «هذه القنبلة الموقوتة التي تكبر ككرة الثلج، ولا احد يعلم متى تنفجر بوجه الجميع، وعندها لن ينفع الندم«.
واكد شقير ان الهيئات الاقتصادية ترى ان الازدهار الاقتصادي العامل الوحيد لخلق المزيد من فرص العمل، والاستقرار الاجتماعي، يشكلان ركيزة اساسية في استقرار بلدنا والحفاظ على أمنه وعلى كيانه«.
وقال «في عيد العمال، المطلوب اجراءات فورية لوقف منافسة النازحين لليد العاملة اللبنانية باقارار قانون يحدد كوتا 10 في المئة للعمال الاجانب في المؤسسات والتشدد بتطبيقه، والمطلوب من الجميع المبادرة لاتخاذ قرارات تكون على قدر المسؤولية الوطنية لاخراج البلد من عنق الزجاجة«.
وختم شقير قائلا «عندما يكون شركاؤنا بالانتاج بخير تكون مؤسساتنا بخير، والعكس صحيح، وهذه معادلة ذهبية لا يمكن لأحد القفز فوقها، لأن لبنان لا يمكنه العودة الى طريق النهوض والازدهار الا بجناحيه العمال واصحاب العمل».