كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: تهيّأ لبنان بـ “حفاوة” للانتخابات البلدية التي تدور رحاها بين 8 ايار و 29 منه، بعدما اعتُبر الإصرار على إنجاز هذا الاستحقاق في موعده إشارة لا بدّ منها للداخل والخارج، توحي بالحاجة الى وقف الانحدار نحو الشلل الشامل، بعد العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية على مدى عامين والتمديد مرتين للبرلمان، اضافة الى تَحوُّل بقاء الحكومة العاجزة الى ما يشبه شراً لا بدّ منه.
ولم يُخفِ ضجيج الماكينات الانتخابية للوائح المتنافسة، ولا سيما في المدن التي تتحضّر لمنازلاتٍ يختلط فيها السياسي بالعائلي، الرمزية الايجابية لاحتكام اللبنانيين الى صناديق الاقتراع ولو البلدية، في الوقت الذي يتعاظم مشهد صناديق الموت على مرمى العين في حلب وأخواتها في سورية، الأمر الذي يرفع منسوب التحوُّط اللبناني من تداعيات “كرة النار” المتدحرجة على حدوده.
ورغم الاطمئنان “الموْضعي” الذي يعكسه نجاح الجيش اللبناني في حماية الحدود عبر عملياته الاستباقية، والارتياح النسبي الناجم عن القرار الحاسم بإجراء الانتخابات البلدية في موعدها، فان ثمة تسليماً مزدوجاً في لبنان بـ “حقيقة مُرة”… تسليمٌ بخطر استمرار الفراغ الرئاسي الذي يدخل سنته الثالثة في 25 الشهر المقبل، وتسليم بأن الافراج عن الاستحقاق الرئاسي لم يحن أوانه بعد.
غير ان المفارقة الأكثر إثارة في هذا السياق تتمثل في أن الداخل اللبناني، الذي فقد القدرة على المبادرة – وخصوصاً بعد إفشال محاولة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري لتحقيق خرقٍ يوم تبنى ترشيح النائب سليمان فرنجية – بدا وكأنه انصاع لعجزه عن إحداث كوة في الجدار الرئاسي، في الوقت الذي رُصدت محاولاتٌ خارجية لكسْر هذا المأزق عبر مبادراتٍ لسدّ الفراغ الرئاسي في لبنان تَجنُّباً لملئه بسيناريوات قاتلة.
ويُسجل حراك ديبلوماسي بالغ الأهمية على خط الأزمة اللبنانية، فرنسي ودولي، يدور في اتجاه ثلاث عواصم تملك القدرة على “الحلّ والربط” في بيروت، وهي طهران والرياض وموسكو. أما واشنطن فكعادتها تتولّى دفع مركب هذه المساعي من… الخلف.
وتتصدّر باريس هذا الحراك، الذي اتخذ شكلاً اكثر حيوية مع الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للبنان قبل نحو اسبوعين، والذي يستكمله وزير خارجيته جان مارك ايرولت في محادثاته المقررة في بيروت اواخر مايو، وفق أفكارٍ محددة تشكل خريطة طريق في المساعي التي تبذلها فرنسا مع الدول الاقليمية المؤثّرة للافراج عن الاستحقاق الرئاسي في لبنان. وكشف السفير الفرنسي في بيروت ايمانويل بون عن جانب من هذه الأفكار التي تقوم على تَسَلْسُل سياسي يتمثل في انتخاب رئيسٍ للجمهورية، ومن ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية، فاتفاق على قانون للانتخاب وإجراء انتخابات لبرلمان جديد، مشيراً الى استعداد فرنسا لاستضافة مؤتمر للأحزاب اللبنانية لإنضاج تسويةٍ في هذا الاتجاه، ولافتاً الى ان بلاده على اتصال مع المملكة العربية السعودية وايران والولايات المتحدة.
وقلّل السفير الفرنسي من شأن الكلام عن خريطة طريق دولية لإنهاء الفراغ الرئاسي في لبنان عبر مخرجٍ يقوم على انتخاب رئيسٍ انتقالي لمدة سنتين، في إطار رزمة اصلاحات سياسية – دستورية تشمل ضمناً إجراء تعديلات على اتفاق الطائف، وهو قال ان فرنسا مع انتخاب رئيس لولاية كاملة (ست سنوات)، الأمر الذي عزز الاعتقاد ان مشروع الرئاسة الانتقالية كان مجرد “بضاعة محلية”، الهدف منها إطلاق بالون اختبار لتقطيع الوقت والتعمية على الجهة المعطّلة للانتخابات، اي “حزب الله” ومن خلفه ايران.
ولان ايران تشكل في رأي الدوائر المراقبة “القفل والمفتاح” في الملف الرئاسي اللبناني، قصدتْ ممثلة الامين العام للامم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ طهران ومن ثم موسكو لاستكشاف إمكان إقناع ايران بالإفراج عن “الورقة” اللبنانية.
وثمة مَن يعتقد في بيروت ان كاغ، التي لم تفلح في انتزاع اي وعد ايراني بتسهيل انتخاب رئيس جديد في لبنان بعد مطالبتها طهران بفكّ الارتباط بين أزمة لبنان والاجندات الاقليمية، سعت للاستعانة بموسكو التي تربط مجمل مقارباتها للأوضاع في المنطقة بما سيكون عليه موقف الولايات المتحدة واوروبا من الأزمة في اوكرانيا، وتالياً فان الحركة الخارجية، في رأي أوساط سياسية في بيروت، استمرت بلا برَكة.
ويزيد من التعقيدات، جنوح “حزب الله” ومعه إيران، نحو المزيد من التشدّد في ضوء القرار الغربي – العربي بفرْض حصارٍ على الحزب، كان آخر فصوله بدء سريان العقوبات الاميركية المشددة على اي مصارف لبنانية او اجنبية تتعامل معه، ما يجعل من الصعب عزل هذا المؤشر ايضاً عن مجريات اللعبة الرئاسية في الداخل اللبناني، اذ كيف سيكون الموقف من أسماء مرشّحة للرئاسة تدور في فلك الحزب، كالعماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية؟
ومن المرجح ان يصبح هذا الواقع اكثر دراماتيكية مع إعلان ايران صراحة عن جوانب من استراتيجيتها حيال لبنان والمنطقة، وهو ما عبّر عنه الجنرال رحيم صفوي، أحد مستشاري المرشد الأعلى علي خامنئي حين قال ان بلاده ستقدم لـ “حزب الله” كل ما أمكن في السنوات العشر المقبلة من مالٍ وسلاح لجعْله أكثر تحكُّماً بالواقع اللبناني.