Site icon IMLebanon

حرب أسعار النفط تُبشِّر بحقبة جديدة

California-Oil-Production
غريتا صعب

خلال عقدين من الزمن، نجحت الدول المنتجة في فصل السياسة النفطية عن السياسة الخارجية للتأكيد ان الاعتبارات الاقتصادية مثل العرض والطلب والتسعير والمخزون هي الدافع الاساس وراء قرارات بهذه الأهمية.هذا الواقع مبني على استراتيجية واضحة، ويستند الى تجربة عام ١٩٧٣ والحصار النفطي الذي اعلنته دول الاوبك وارتد عليها مؤديا الى ضعف في الطلب. ساعد في ذلك حرية التصرف التي نعم بها وزراء النفط وأعطاهم فسحة كبيرة للمناورة مما ادى الى سياسة نفطية مستقرة رغم كل التشنجات التي عانى منها الشرق الاوسط.

وقد جاءت محادثات الدوحة ووفقا لما ذكره مسؤولون في روسيا والسعودية و فنزويلا وقطر وما نتجت عنها كأول اتفاق بين منظمة الدول المصدرة للبترول وروسيا منذ ١٥ سنة كمحاولة لأنهاء فترة دفعت اسعار النفط من ١٠٠ دولار للبرميل الى ٢٦ دولارا.

لكن الخطة تعثرت في اللحظة الأخيرة سيما وان بعض دول الاوبك غيرت مواقفها قبيل بدء الاجتماع. ويبدو ان المسألة الاقتصادية متشابكة مع الحسابات السياسية. وحسب ما قاله الأمير محمد بن سلمان لبلورمبرغ الاسبوع الماضي ان «سعر البترول ليس غاية في حد ذاته ان كان ٣٠ او ٧٠ دولارا».

وهكذا أدى تداخل السياسة بالاقتصاد الى فشل محادثات قطر، خصوصا لجهة الصراع بين السعودية وايران. ويبدو ان طهران وعلى حد علم الجميع غير مستعدة للمشاركة في هذه المفاوضات من أجل تخفيف مستويات إنتاجها كما تسعى لاستعادة حصتها في السوق التي فقدتها أثناء سنوات العقوبات الاقتصادية.

على الرغم من ان مراقبي السوق قد حذروا من ان التنافس السياسي بين البلدين الواقعين في الشرق الأوسط سيفسد أية فرصة للتوصل الى حل توافقي فإن اسعار النفط والبورصة تلقفت الخبر مع انخفاض أسعار النفط أكثر من 5 بالمائة في بداية التعاملات الأسيوية.

وهبوط الأسعار واصل الضغط على النفط في الولايات المتحدة حيث الانتاج والتنقيب تراجعا كثيراً خلال 18 شهراً الماضية وهذا يعني فيما يعنيه معاقبة الدول غير الأعضاء في الأوبك مثل الولايات المتحدة الأميركية.

ومن المنطقي القول ان أي اتفاق لا يشمل ايران يمكن أعتباره دون جدوى سيما وانها في أتجاه زيادة انتاجها الى مستويات عالية في العام 2017- والسؤال الذي يطرح نفسه الأن هل منظمة أوبك ما زالت قادرة على تحريك الأسواق سيما بعد فشل الدوحة وعدم توصلهم الى تجميد انتاجهم؟

قد يكون الجواب ان أوبك ما زالت لها سلطة كبيرة في الأسواق النفطية والدليل واضح بمجرد النظر الى محاور أسعار النفط وأخبار منظمة الأوبك ومدى قدرتها على تحريك السوق صعوداً او نزولاً، والبراهين على ذلك كثيرة سيما في أوائل كانون الاول حين قررت التخلي عن الهدف في إنتاجها مما دفع الأسعار نحو الأسفل وتبعتها الأنباء عن سؤ العلاقات وقطع الدبلوماسية بين السعودية وإيران مما أثار موجة عارمة من بيع للنفط بأقل من 30 دولارا للبرميل الواحد.

لذلك ورغم كل شيء تبقى أوبك مسؤولة وبشكل كامل عن تقلبات أسعار النفط و قد تكون العوامل السياسية قادرة على تفشيل اي قرار يمكن للمنظمة اتخاذه في سبيل انقاذ ما يمكنه واعادة سعر البرميل الى مستويات طبيعية.

هذا يعني فيما يعنيه ان تتطلع هذه الدول الى عصر ما بعد النفط والى سبل تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص وظيفية تجذب المستثمرين .وهذا ما يحاول الامير محمد بن سلمان القيام به وهو يقود اكبر تغيير اقتصادي منذ تأسيس المملكة العربية السعودية وهو عصر Post-oil وهذا ما فعلته ايران خلال الحصار، وقد عاشت حقبة طويلة مع عقوبات دفعتها الى الاعتماد على موارد اخرى غير النفط وتنويع اقتصاها.

وقد تكون الدوحة فرصة لدول الخليج الاخرى بما في ذلك الكويت والامارات العربية المتحدة ان تقوم بخفض الاعانات واستحقاقات الرعاية الاجتماعية لمواجهة انخفاض ايرادات النفط.

في النتيجة، قد تكون محادثات الدوحة مؤشرا للايرانيين بأن السعودية قد تمضي قدما في زيادة انتاجها اذا لم يلتزم الايرانيون وساروا في خطتهم التي سبق وأعلنوها عن محاولة زيادة حصتهم في السوق.

هذه التوترات بالفعل قد تكون اقتصادية بحتة سيما وان ايران ولفترات طويلة لم تستفد كما يلزم من افتتاح السوق النفطية، ولكن الارجح ان التوترات بين الخصوم واضحة وان الحروب في المنطقة تترجم في الاسواق النفطية سيما وانه وحسب Dan yergin «لا توجد اي ثقة بين هذين البلدين».

ورفض السعودية لتوقيع الاتفاق يثبت وبالمطلق انها لا تمانع اذا ما بقيت الاسعار منخفضة ولديها القدرة على الصمود في وجه انخفاض اسعار النفط اكثر من معظم الدول الاخرى المنتجة للنفط.

وقد استدعى انهيار اسعار النفط الى ادنى مستوى له منذ ١٢ عاما وسط وفرة عالمية، تقاربا مع روسيا التي ولا شك تعاني وللسنة الثانية على التوالي من ركود في اقتصادها ومحاولة اتمام الاتفاق ليس سوى محاولة تدارك لانخفاض اكبر في اسعار النفط وتهاوي مقدرة اوبك على تنظيم السوق واعطاء فرصة جديدة للاسعار بدفعها عاليًا.

قد يكون من المنتظر تدفّق المزيد من النفط الخام في حلول الصيف المقبل وسط توترات جيوسياسية باتت معروفة، وفي ظل استمرار غياب اي اتفاق. ويبدو ان العالم المنتج للنفط متجه الى «ما بعد النفط» ومجبر على تنويع اقتصاده كون ايرادات النفط وفي خضم هذه التناقضات لم تعد مستقرة ومعرّضة في كل وقت لهكذا احتمالات.