Site icon IMLebanon

السلطة «تغتال» عيد العمال

worker

عدنان حمدان

يحلّ الأول من أيار هذا العام، عيد العمال العالمي، مسلوباً عالميته وتغييرها قسراً الى عيد للعمل، ليحشر في زاوية صغيرة في «ضمير» المسؤولين الهائمين في مساحات طوائفهم ومذاهبهم، بعدما ضاقت عليهم وطنيتهم، فخلعوها، ولبسوا لباس المصلحة الخاصة والأنانية، المزركشة بالفساد، وهدر المال العام، والسطو على الأملاك العامة، وغير العامة، واستباحوا كل ما في الوطن.
الاول من ايار هذا العام، الباقي رغماً عن أنوف الكثيرين، عيد العمال العالمي في ذاكرة، مَن لم يبق على جسده قميص، ومَن يشقى لتأمين كفاف عيشه، وعيش ابنائه، ومن لم تشمله تقديمات الضمان الاجتماعي الاستشفائية والصحية والدوائية، يلجأ الى النافذين في السلطة للبقاء على قيد الحياة، او يفارقها على ابواب المستشفيات، وكذلك من شملته التقديمات الاستشفائية والصحية وغيرها من الحقوق ولا ينالها الا بشق النفس، وبعد طول انتظار وإذلال. وهو عيد العامل الذي بنى وما زال يبني هذا الوطن بسواعده السمراء، رغماً عن كل مستغليه وناهبي ثرواته.
يأتي عيد العمال هذا العام، خلسة الى قلوب أصحابه الحقيقيين، ليحتفلوا به، كما كان يفعل المناضلون النقابيون القدامى، من مصطفى العريس وشبلي الشميل وغبريال خوري وحنا الزقا والياس البواري وانطوان بشارة وجورج صقر وغيرهم ممن يضيق المجال هنا لذكرهم، وهم الذين كانوا يحتفلون بعيداً عن عيون السلطات، الى ان كان احتفال الاول من ايار 1924 في سينما كريستال الذي شرع الابواب أمام الاحتفالات الجماهيرية في اربع جهات الوطن.
يأتي الاول من ايار متثاقلاً، تقطع انفاسه، بروائح الصفقات في النفايات المنزلية والنفايات السياسية التي تتوالد من بعضها، وتتناسل من ذاتها، فما أن تأخذ اية صفقة مداها وتتخطى الحدود، تولد اخرى في محاولة لخنقها، وكأن الفساد أصبح سمة العصر في لبنان، ودائما يقبض على الضحية فيما الجاني يبقى طليقاً فوق الشبهات والمحاسبة والمقاضاة.
عيد العمال العالمي، يشمل الكون، عله استنكف عن الاقامة عندنا هذا العام، حتى لا يلتقي العابثين بالوطن، وبالمافيات التي عاثت فيه فساداً. فكيفما ادرت الظهر، او وجهت عيناً ترى، او حاولت السمع، فلن ترى سوى المافيات التي تعشعش في كل مكان، ابتداء من مياه الشرب، الى المحروقات، الطرقات المحفرة، الأدوية المزوّرة، وقانون إيجارات يهجٍّر الفقراء، لقمة عيش غائبة عن افواه الجائعين، الانترنت غير الشرعي، العتمة، مافيا المولدات الخاصة، الكهرباء العصية على الاصلاح، المخدرات تصنيعاً وترويجاً، وروائح النفايات التي تلف ارجاء المدن… وغيرها الكثير الكثير، حتى الوصول الى وطن مقطع الاوصال الجغرافية والاجتماعية افل فيه «نجم» ما يّسمى بالعيش المشترك. وطن حولته السلطات المتعاقبة امارات طائفية ومذهبية يلفها الفلتان الامني، لا تستطيع انتخاب رئيس للجمهورية، اعادة الحياة الى مجلس النواب، ومجلس وزراء يعاني موتاً سريرياً، ومؤسسات يحكمها الفراغ والشلل والزبائنية والمحسوبيات.
عيد العمال لم يطلّ على لبنان، كما جرت العادة كل عام، ولن يحتفل به عمال لبنان كما في الأيام الغابرة، ليس فقط للأسباب التي ذكرنا، بل أضيف إليها إقدام السلطة السياسية على اغتياله، لأن لا مكان له في مناسبة دينية نحترم ونجل، فأقدمت هذه السلطة على دمجه مع هذه المناسبة، توفيراً ليوم عطلة، مع ان التعطيل لا يُعَدّ ولا يُحصَى، وقد استكثرت السلطة على العمال يوماً من اصل 365 يوماً، مع ان تعطيل المؤسسات الرسمية لا يبدأ برئاسىة الجمهورية وينتهي بمجلس النواب والمؤسسات العامة الأخرى.
اذن الوصول الى هذا الوضع في تهميش العمال، وعدم النظر الى حقوقهم ومكتسباتهم، والتعدي على يوم هو رمز للنضال العمالي اللبناني والعربي والعالمي، سقط فيه مناضلون شهداء، سببه وضع العمال الذين التحقوا بالطوائف والمذاهب، وباتوا في معظمهم يدينون بالولاء لطوائفهم ومذاهبهم، التي ساهمت بشرذمة الحركة النقابية واقتسامها، حيث بات لكل طائفة أو مذهب او حزب او تيار طائفي، مكتب عمالي، ونقابات على شاكلة هذه المكاتب، تفرخ نقابات حتى بلغ عددها ما يفوق الـ 500 ، وأكثر من 52 اتحاداً عمالياً، كلها تتجمع في حركة نقابية مأزومة في بنيتها التنظيمية.
هنا تطرح أسئلة عديدة: ما هي مصلحة العمال في ظل سلطة لم تقارب تصحيح الأجور وإقرار السلم المتحرك لها بعد اتفاق رسمي بين أطراف الإنتاج والسلطة المعنية، ولم تقترب من المس في الارتفاع العشوائي لأسعار المواد الغذائية والاستهلاكية والكهرباء والنقل، لم تؤمن الحماية للعمالة اللبنانية من المنافسة غير المشروعة، لم تقدم على تأمين خطة سكنية تريح 180 الف عائلة ومئات قدامى المالكين من قانون إيجارات جائر وغير منصف للطرفين، لم تستطع مقاربة إقرار ضمان التقاعد والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية الشاملة في ظل وجود 12 مشروعاً في الأدراج، تماطل في إقرار سلسلة الرتب والرواتب، لم تجرؤ على ملامسة خفض الضرائب والرسوم واستعادة الأملاك العمومية البحرية والنهرية، هذا اذا لم نذكر المدارس الرسمية وتركها لمصيرها، ووضع المزارعين ودعمهم لمواجهة الأزمات الطبيعية وغير الطبيعية؟
هذا الكم الهائل من الحقوق والمطالب لا يتحقق إلا من خلال حركة نقابية مستقلة تأخذ بالاعتبار مصالح العمال، لأن المسألة ليست بالطربوش بل بمن يلبس الطربوش.