Site icon IMLebanon

الشركات في لبنان .. قراءة إقتصادية

BeirutSeafront
جاسم عجاقة

يبلغ عدد الشركات في لبنان ٨٨،٢٧٥ شركة موزعة على القطاعات الإقتصادية المُختلفة. وتحليل النشاط الإقتصادي لهذه الشركات يُشير إلى أن خدمات الأعمال، التسوق، والصحة والجمال هي النشاطات التي تحوي أكبر عدد من الشركات. ويبقى السؤال عن فعالية هذا التوزيع وإذا ما كان ملائما للإقتصاد اللبناني وحاجاته؟تُعَدّ الشركات اللاعب الإقتصادي الأساسي مع الأسر في تحديد الدورة الإقتصادية وخلق الثروات من خلال هذه الدورة. هذا الأمر له تداعيات على تنظيم المُجتمع حيث أن هذه الشركات هي التي تُنتج السلع والخدمات، والأسر تستهلكها. كما أن هذه الشركات تتقاسم الأرباح مع الأسر عبر العمالة التي تقوم بها هذه الأخيرة لمصلحة الشركات.

ونظراً لأهمية الشركات في الحياة الإقتصادية، أخذ الإهتمام بتنظيمها بعداً نظرياً وعملياً سمح للسياسات الإقتصادية بدعم هذه الشركات سواء عبر التشريع أو عبر الشق المالي والضريبي.

وقام الإقتصادي السكوتلندي كولين كلارك بتقسيم هذه الشركات إلى ثلاثة قطاعات إقتصادية:

(1) القطاع الأولي ويشمل الشركات التي تتعاطى جمع وإستغلال الموارد الطبيعية مباشرة (المعادن الطاقة وبعض المواد الغذائية).
(2) القطاع الثانوي ويضم الشركات التي يشمل نشاطها الإقتصادي الصناعات التحويلية (أي العمل على المواد الأولية).
(3) القطاع الثالث أو قطاع الخدمات ويشمل كل الشركات التي تتعاطى الخدمات (المصارف، التأمين، التنظيف، التعليم…).

هذا التقسيم المُستخدم حتى عصرنا الحالي، هو تقسيم مرن لأنه يسمح من خلال التعريف بتصنيف أي شركة في أحدى هذه القطاعات.
يبلغ عدد الشركات في لبنان ٨٨,٢٧٥ شركة موزعة على القطاعات الإقتصادية على الشكل التالي: أكثر من 83% من الشركات تنتمي إلى قطاع الخدمات، و15% تنتمي إلى قطاع الثانوي، والباقي ينتمي إلى القطاع الأولي. وبالتالي نستنتج أن الإقتصاد اللبناني هو إقتصاد خدماتي بإمتياز.

عدد ونوعية الشركات في لبنان

هذا الواقع له حسناته وسيئاته وبالتالي يجب أن تقوم السياسات الإقتصادية على الحفاظ على الحسنات ومحو السيئات. وعلى رأس السيئات يُمكن ذكر التركيز على القطاع الخدماتي والذي يتأثر إلى حد بعيد بالأوضاع الأمنية والسياسية حيث أن لبنان يتميز بعدم ثبات على هذين الصعيدين وذلك منذ نشأة الدولة اللبنانية في أربعينات القرن الماضي. وبالتالي، فإن كل خضّة أمنية أو سياسية تُترجم بإنخفاض في الناتج المحلّي الإجمالي.

أيضاً من بين سيئات هذا التركيز، عدم الإستفادة من القدرات الباطنية للإقتصاد اللبناني أي اليد العاملة والمعرفة التي يتمتيّز بها هذا الإقتصاد خصوصاً في مجال الصناعات التحويلية التي تتصدّر قائمة الصادرات اللبنانية بعد الخدمات. أضف إلى ذلك موقع لبنان الجغرافي والذي يجعل من الإرتقاء بالصناعات التحويلة مسألة تنظيم وإدارة لهذا القطاع.

ولا يجب نسيان القطاع الأولي والذي يتمثل بالثروة النفطية التي قد تسمح لمُستثمرين لبنانيين بالإستفادة من الغاز والنفط القابعين في البحر والبرّ اللبناني، والذي قد يجعل من هذه الشركات معادلة صعبة في العالم الإقتصادي نظراً الى حجم الثروة الغازية والنفطية اللبنانية.

أيضاً ولإظهار هشاشة الهيكلية الحالية للإقتصاد اللبناني، نرى أن عدد الشركات في مجال الصحة والجمال توازي نسبتها الـ 12% من مجمل عدد الشركات. وما هذا إلا دلالة على ضعف الإستثمارات في الماكينة الإقتصادية التي أدت إلى خلق شركة صحة وتجميل لكل 378 شخصا!

من هذا المُنطلق تأتي السياسات الحكومية لتصحيح هذا الوضع عبر العمل على هيكلة الإقتصاد بشكل صحيح يسمح بإعادة التوازن بين مُختلف القطاعات الإقتصادية. هذا الأمر يبدأ من خلال العمل على الإطار القانوني الذي يُسهّل خلق الشركات في القطاعين الأولي والثانوي.

لكن العمل التشريعي يجب أن يطال قبل كل شيء الإستثمارات والشق الضريبي من خلال مدن صناعية تسمح للمُستثمرين بالعمل في ظل مناخ جاذب خصوصاً أن بعض المناطق القريبة من الساحل تُشكّل نموذجاً مثالياً لمثل هذه المدن.

على سبيل المثال هناك عدد من الصناعات التحويلية التي أثبت لبنان أنه من روادها كصناعة المُجوهرات والورق. هذه الصناعات لا تأخذ حقّها الكافي وبالتالي هناك عدد من الإجراءات التي يتوجب على الحكومة اللبنانية القيام بها لتسهيل الإستثمارات فيها.

أمّا في ما يخص القطاع الزراعي، فهناك العديد من المشاكل التي ليس من الممكن تجاهلها إذا ما أردنا الإرتقاء بهذا القطاع إلى مستويات عالية. وتبدأ المشاكل مع أنظمة الريّ البدائية والتي تهدر الكثير من المياه (أكثر من 60% من مجمل إستهلاك المياه). أيضاً يتوجب العمل على قوانين ترعى المفاوضات بين تجّار الجملة والمزارعين الذي لا يأخذون حقوقهم بالكامل من الثروة في القطاع الزراعي.

الإطارات التشريعية التي نتكلّم عنها هي إطارات تطال الإستثمارات (من هنا أهمية الشراكة بين القطاع الخاص والعام)، الضريبية (المدن الصناعية ودعم القطاعات) والتنظيمية والإجرائية (العلاقة مع التجّار)… نعم كل هذا هو في صلب صلاحيات الحكومة والمجلسّ النيابي. لكن الولوج الى وضع وتنفيذ هذه الإجراءات تتطلب خطة نهوض إقتصادية شاملة لكل القطاعات الإقتصادية مع أهداف لما سيكون عليه الإقتصاد اللبناني في الأعوام العشرة المقبلة.

إن دولة غنية كالمملكة العربية السعودية قامت بوضع خطة إقتصادية على عقدين ونصف (حتى العام 2030) وذلك بهدف تنويع إقتصادها وتوزيع الثروات بحسب قوانين السوق الحر أي عدالة الفرص بين اللاعبين الإقتصادين. أما لبنان فلا يزال يتخبطّ في أزمات سياسية وفئوية وطائفية، وقد آن الآوان للإهتمام بالشق الإقتصادي والإجتماعي ووضع السياسة بعيداً من الإقتصاد؟ ألا يكفي تراجع مكانة لبنان الإقليمية والدولية نتيجة هذا الإنقسام؟

من هنا نتوجّه إلى الحكومة اللبنانية وإلى الأفرقاء السياسيين بنداء إستغاثة لإسعاف الإقتصاد اللبناني الذي ينزف جرّاء الإنقسام السياسي والذي لا يعدّ بمستقبل مُزهر للأجيال القادمة. بالله عليكم أقرّوا خطة نهوض إقتصادي وإجتماعي للبنان وإهتمّوا بمستقبل أولادنا حتى يذكركم التاريخ بأنكم أنتم من صنعتم المُستقبل الزاهر للأجيال المقبلة.