Site icon IMLebanon

أزمة البطالة: هوّة التقديرات!

unemployment-leb
منذ أيام، أعلن وزير العمل سجعان قزي «تعديل اتفاقية المنحة العائدة للصندوق الائتماني للبنان «مشروع الحماية الاجتماعية الطارئة»، الذي يتضمن مشروع «أول فرصة عمل للشباب»، بغية تحسين توظيف الشباب اللبناني عبر تدخلات مستهدفة تركز على الباحثين للمرة الأولى عن عمل». إذاً، بعد تعثّر دام 4 سنوات، أطلق قزي، مرّة ثالثة وربما رابعة، برنامج «أول فرصة عمل للشباب» بعدما استشرت أزمة البطالة بشكل مخيف. لكن ماذا تعلم الدولة اللبنانية عن البطالة لديها كي تتمكن من مواجهة هذه الأزمة؟ أضعف الإيمان، هل تعلم الدولة نسبة البطالة بشكل دقيق؟

إيفا الشوفي

قد يكون الحصول على رقم رسمي عن القاطنين في هذا البلد من أصعب الأمور. فثقافة الأرقام والدراسات تغيب بشكل تام عن دولةٍ لا تخطط ولا تضع سياسات اقتصادية واجتماعية.

الحديث عن البطالة أمر اعتاده المسؤولون، مرتكزين على دراسات المنظمات الدولية، لكن فعلياً الدراسة الأخيرة قام بها البنك الدولي عام 2012، أي منذ 4 سنوات، قبل أن يصبح البلد منفذاً لأكثر من مليون لاجئ سوري. حتى أرقام المنظمات الدولية يشكك فيها الخبراء نظراً إلى الأجندات التي تقف خلفها فيصبح التلاعب بالأرقام أمراً مسموحاً لإمرار سياسات معينة.

تقديرات البطالة: هوّة الـ 10%!

الرقم الرائج حالياً هو أن نسبة البطالة بلغت 25%، كما يُعلن دائماً وزير العمل الذي صرّح أخيراً ــ مستنداً الى هذه النسبة ــ أنّ هناك “مليون إنسان عاطل من العمل من أصل أربعة ملايين مواطن، وارتفعت نسبة البطالة إلى 346 ألف شاب وشابة ما بين عامي 2012 و2014”. يستنتج الوزير أن هناك مليون لبناني عاطل من العمل من أصل مليون و200 الف يشكّلون القوى العاملة في لبنان، بحسب التقديرات المتداولة. طبعاً المشكلة في احتساب رقم العاطلين من العمل أن الوزير قزي لا يعرف أن نسبة البطالة تؤخذ من عدد العاملين والعاملات، لا من عدد السكان أو اللبنانيين المقيمين.
أصلاً، جميع الأرقام المتداولة ليست مؤكدة، إنما هي مجرد تقديرات، فقد أعلن وزير الصناعة حسين الحاج حسن منذ أيام أن “نسبة البطالة بلغت 35% في صفوف اللبنانيين”! لكن بين 25% و35% هناك فجوة هائلة تكشف المأزق الذي تتخبط به الدولة اللبنانية.
وسط غياب المعطيات الجدية، تُطلق الدولة برامج ومشاريع قد تكون إيجابية، إنما غياب الدراسات التي تحدّد التوجّه الواجب اعتماده لمعالجة المشكلة جذرياً يعرّض هذه المشاريع للفشل. فبرنامج “أول فرصة عمل للشباب” طرحه وزير العمل السابق شربل نحاس عام 2011 على مجلس الوزراء وأُقرّ في مجلس الوزراء حينها، ثم أعيد طرحه في عهد الوزير سليم جريصاتي وأقر مرّة ثانية! هدف هذا المشروع تشجيع أصحاب العمل على توفير فرصة عمل أولى مستدامة للشباب اللبناني بغية الحد من هجرتهم وتزويدهم بالكفاءات المهنية، مقابل تقديم الحوافز لأصحاب العمل الذين يوظفون أجيراً لبنانياً يعمل للمرة الأولى مثل دفع اشتراكات الضمان الاجتماعي و10% من راتب الأجير شهرياً.

يقول جان أبي فاضل، المدير العام للمؤسسة الوطنية للاستخدام المكلفة تطبيق البرنامج، إنّ “ما يمكن تأكيده هو أننا نواجه مشكلة أرقام، وكل ما يُحكى هو توقعات وتقديرات غير مبنية على دراسات جدية، فآخر رقم أعلنته إدارة الإحصاء المركزي عن نسبة البطالة كان 10% عام 2012”. يعتقد أبي فاضل أنّ “الرقم التقديري الذي تحدّث عنه وزير العمل (25%) قد يلامس الحقيقة، لكن لا يمكن تأكيده”. برأيه، آليات محاربة البطالة تبدأ “بإنتاج دراسات لجميع القطاعات، والدفع نحو الانتقال بنسبة 35% الى التعليم المهني عوض التعليم الأكاديمي”. يشرح أبي فاضل أن برنامج “أول فرصة عمل للشباب” هو محاولة إدخال برنامج لتوظيف الناس وهو مشروع تجريبي مرتكز على الحوافز”. أمّا عن أسباب التأخر في المباشرة به، فيقول إنّ “العقبة كانت بنقص في أحد المراسيم، ما أدّى الى إيقاف البرنامج، لكن الأسبوع الفائت أُقرّ المرسوم وتم تمديد البرنامج حتى عام 2017، وسيُسجّل فيه 2400 مرشح سنسعى إلى توظيف 800 منهم”. كان من المفترض أن ينطلق البرنامج عام 2012 ويستمر لـ 5 سنوات، إلّا أنّ تعطيل المؤسسات، وغياب السياسات الاقتصادية والاجتماعية وعدم وضع آليات جدية لمواجهة أزمة البطالة حالت دون هذا الأمر، فباتت مدّة البرنامج سنة واحدة فقط، ما يقضي على إمكانية نجاحه.

الريع يولّد بطالة

يصف رئيس “مركز البحوث والاستشارات” كمال حمدان “برنامج أول فرصة عمل للشباب بمن يداوي مرضاً عضالاً بالأسبيرين”، مستطرداً أن “البرنامج في ظل الأوضاع القائمة يعد أمراً إيجابياً”. يعلن حمدان أنه “لا إحصاءات جديدة، إنما توجد تقديرات فقط، وقد بلغت بطالة الشباب نحو 30% كأضعف تقدير وهي من المعدلات الأعلى في المنطقة وتطاول الذين يتقدمون للمرة الأولى الى سوق العمل”. يتحدث عن 4 أنواع من فرص العمل المستحدثة وهي: طلب الدولة الخفي للعمل (المتجلي بشكل بارز في العسكر والتعليم)، طلب المؤسسات القائمة للعمل، طلب المؤسسات الناشئة للعمل، وأخيراً الأشخاص الذين يعملون لحسابهم الخاص. يقدّر حمدان أنه “يوجد نحو 200 ألف مؤسسة قائمة، إضافة الى مؤسسات تنشأ سنوياً. بأفضل التقديرات، هذه المؤسسات لا تخلق أكثر من 10 إلى 12 ألف فرصة عمل بحسب معطيات قديمة، لأنّ 90% من المؤسسات القائمة تضم أقل من 5 عمال”. بالمقابل، واستناداً الى تقديرات أيضاً، يصل سنوياً الى سوق العمل نحو 50 ألف شخص؛ منهم 35 ألف متخرج جامعي. هذه الهوّة بين العرض والطلب تنتج ثلاثة تداعيات هي: هجرة، بطالة وتقصّد في تمديد مدة الدراسة.
البطالة هي نتيجة وليست “ظاهرة طبيعية”، إذ إنها مرتبطة بشكل وثيق بالنمط الريعي الذي يقوم عليه اقتصاد البلد، الذي لا ينتج ولا يخلق فرص عمل إنما يركّز الثروات في يد قلّة من الناس، ما يؤدي إلى إيجاد نموذج اقتصادي لا يملك القابلية لاستيعاب العمالة الوافدة الى سوق العمل، أي فئة الشباب، ويصبح المنقذ الأساسي هو الهجرة وما ينجم عنها من تحويلات خارجية تعزّز النمط الريعي الاستهلاكي. لكن في وقت باتت فيه تيارات الهجرة عالمياً تتدفق بشكل كبير نحو دول الغرب التي بدأت تُظهر توجهاً جدياً للحد من هذه الموجة، يُطرح سؤال جوهري: هل سيبقى خيار الهجرة متاحاً أمام اللبنانيين، أم أن البلد قادم على أزمة جديّة في استيعاب الطلب على العمل تهدّد النظام الاقتصادي القائم؟