جون أوثرز
غالبا ما ينظر إلى السنوات الـ 30 الماضية باعتبارها وقتا عصيبا بالنسبة للمستثمرين. شهدت هذه الفترة حالتين من الانهيارات الحادة الملحمية في أسعار السوق الأمريكية، مع انفجار فقاعة الدوتكوم في عام 2000، وفقاعة الائتمان بعدها بسبع سنوات، وانهيار سوق الأسهم اليابانية في عام 1990 ـ الذي لم تتعاف منه حتى الآن ـ وركودا حادا في أعقاب أزمة الائتمان.
لذلك، من المقلق أن يحذرنا معهد ماكينزي العالمي من أن الـ 30 عاما الماضية كانت نعمة للأسواق لا يمكن أن تتكرر. فقد بلغ متوسط نمو الأسهم الأمريكية 7.9 في المائة خلال تلك الفترة، وهو أعلى من متوسط 6.5 في المائة للسنوات الـ 100 الماضية. ويشير “ماكينزي” إلى أن النمو مجرد 4.0 في المائة على مدى السنوات الـ 20 المقبلة أمر ممكن.
ارتفع سعر الأسهم الأوروبية بنسبة 7.9 في المائة سنويا لمدة 30 عاما، مقارنة بمتوسط القرن الماضي البالغ 4.5 في المائة. والسندات، بطبيعة الحال، كانت في سوق صاعدة على مدى العقود الثلاثة الماضية، الأمر الذي لا يمكن أن تستمر فيه لفترة أطول من ذلك بكثير.
هناك عدد من العوامل جعلت العقود الثلاثة الماضية جيدة إلى هذه الدرجة. انتهت الحرب الباردة، وبرزت الصين، وتمتع العالم بوضع ديموغرافي جيد في الوقت الذي عمل فيه مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية على كسب المال وإنفاقه. من خلال تحويل هذه العوامل إلى محركات لأداء سوق الأسهم، يعطينا ريتشارد دوبس، من معهد ماكينزي العالمي، قائمة بأربعة عوامل على الأقل لا يمكن أن تتكرر.
أولا، ترويض التضخم: في عام 1985، كان بول فولكر يدير الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ولم يكن معدل التضخم في خانة الآحاد أمرا مفروغا منه. الآن وقد تم ترويض التضخم، بالتالي لا يمكن ترويضه مرة أخرى – ما لم يعد التضخم الخطير، الأمر الذي سيكون كارثيا بالنسبة لأسعار الأصول على المدى القصير.
ثانيا، تراجع أسعار الفائدة: التعديل لمرة واحدة لا يمكن أن يستمر في دعم أسعار الأصول. اعتبارا من الآن، إما أن أسعار الفائدة ستبقى ثابتة، وهذا ما يعني عالما منخفض العوائد، وإما أنها سترتفع، ما يلحق خسائر برأس المال على المدى القصير. الاستجابة السلبية لقرار بنك اليابان الأسبوع الماضي بعدم خفض أسعار الفائدة، عندما كان هناك حديث عن مزيد من خفض أسعار الفائدة إلى المنطقة السلبية، يظهر أن الناس مستمرون في الإحساس بأن الأمل بأن أسعار الفائدة المتدنية باستمرار يمكن أن تحرك أسعار الأسهم إلى الأعلى باستمرار. ومن الصعب تبرير ذلك.
ثالثا، توسع الاقتصاد: بفضل ارتفاع معدل التوظيف، مدفوعا بالتركيبة السكانية، وزيادة الإنتاجية، بلغ متوسط النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية 3.5 في المائة سنويا على مدى العقود الثلاثة الماضية. الآن، مع انخفاض الخصوبة، توقعات النمو مقيدة إلى حد بعيد. في اليابان التي ارتفع فيها الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد، لكن تراجُع عدد السكان، لم يكن النمو كافيا لرفع أسعار الأصول.
رابعا، ارتفاع ربحية الشركات: حدوث زيادة ضخمة في “الطبقة المستهلكة” العالمية، من نحو مليار إلى 2.5 مليار شخص خلال تلك الفترة، اقترن مع وصول الإنترنت للحفاظ على السيطرة على التكاليف. وانخفضت معدلات الضرائب وأسعار الفائدة، ما ترك مزيدا من المال لأرباح الشركات.
الآن، يمكن لهذه العوامل أن تتحول إلى سلبية. شبكة الإنترنت، من خلال “التعطيل” تشكل خطرا على الأرباح – لنفكر في الشركات التي تضررت من أمازون وجوجل. والأسواق الناشئة قد تتحول إلى مصدر للمنافسة. قائمة “ماكينزي” توضح لماذا كانت السنوات الـ 30 الماضية رائعة إلى هذه الدرجة – حتى مع أن الإثارة أدت إلى أن تتحسن الأسواق بشكل مفاجئ، وأن يزداد التقلب في أسعار العملات – ولماذا ينبغي لنا أن نكون مستعدين لعوائد أقل. استنادا إلى افتراضات معقولة، فإنها تشير إلى “أفضل حالة” من عوائد الأسهم البالغة 6.5 في المائة بالنسبة للولايات المتحدة على مدى السنوات الـ 20 المقبلة، أو فقط 4.0 في المائة إذا كان النمو بطيئا كما يخشى المحللون. وبالنسبة لأوروبا، توقعاتها 5-6 في المائة.
المعاشات تتعرض لضغط كاف كما هي حالها دائما. فقد تراجع الخطر إلى الأفراد، من خلال خطط التقاعد 401 (ك) والمعاشات الشخصية وما شابه ذلك، في حين أن تلك الهيئات العامة والشركات الكبرى التي لا تزال تضمن الدخل لأعضائها تواجه حالات عجز متصاعدة. إلا أن كثيرا من الناس يرون أن عوائد الأسهم ستصل نسبة 7 في المائة.
ماذا يعني ذلك بالنسبة للعوائد التي قصرت ثلاث نقاط مئوية في الأسواق الأمريكية؟ بالنسبة للشخص البالغ من العمر 30 عاما في جيل الألفية حين يبدأ في وضع المال في برنامج تقاعدي، فإن النقاط المئوية الثلاث تعني وجوب العمل لسبع سنوات إضافية للحصول على المعاش نفسه – أو الاضطرار إلى دفع اشتراكات أكثر من الضعف في برامجهم التقاعدية. وبالنسبة لخطط الموظفين الحكوميين الأمريكيين، فإن ثلاث نقاط مئوية يمكن أن تزيد العجز بأكثر من الضعف؛ من تريليون دولار إلى 2.51 تريليون دولار.
الحلول قد تشمل الاستثمار في شيء آخر غير الأسهم العامة. لكن ما الشيء الذي سيقدم العوائد؟ من الصعب إقناع المؤسسات بالانخراط في البنية التحتية، في حين أن استراتيجيات صناديق التحوط، التي لا يرتبط بعضها بالأسهم، تأتي برسوم تتمرد ضدها بعض صناديق التقاعد في الوقت الحاضر. على العموم، بالنسبة للأفراد لا توجد وسيلة تذكر، أو لا توجد أي وسيلة، للوصول إلى فئات أصول من هذا القبيل.
بالتالي، المخاطر التي ينتهي إليها كثير من الناس بأن يصبحوا غير قادرين على إعالة أنفسهم في سن الشيخوخة تعتبر حقيقية ومتزايدة. وليس فقط “ماكينزي” هي من توصل إلى هذه النتائج. القلق حول المستقبل المالي استثار الكثير من الاهتمام الحالي في الشعبوية السياسية. ذلك القلق قائم على أسس سليمة.