Site icon IMLebanon

المرشحون الرئاسيّون الأميركيون يعدون بالعودة إلى الصناعة لكسب أصوات

حسين عبدالحسين

بعد اكتساحه الانتخابات التمهيدية لـ «الحزب الجمهوري» في ولايات بنسلفانيا وميريلاند وديلاوير وكونيكتيكت ورود آيلاند، وقف المرشح للرئاسة الأميركية رجل الأعمال دونالد ترامب مزهواً يتحدث عن جولاته الانتخابية في هذه الولايات الواقعة في شمال شرقي الولايات المتحدة، وليقول أنه زار مصانعها، ورأى أن الصناعة فيها تراجعت بنسب تراوح بين 50 و70 في المئة. ووعد ترامب بأنه في حال بلوغه سدة الرئاسة، سيعيد هذا القطاع إلى سابق عهده عبر الوقوف في وجه الصين، وإغلاق السوق الأميركية الاستهلاكية الضخمة في وجه منتجات الشركات المحلية التي تنقل مصانعها إلى خارج الولايات المتحدة لتحقيق أرباح أكبر، ما يحرم العمّال الأميركيين الوظائف. وترامب ليس وحيداً بين المرشحين الأميركيين الذين يعدون بإعادة الصناعة والمصانع، وتالياً الوظائف، إلى الولايات المتحدة، فالمرشح الديموقراطي بيرني ساندرز لطالما تحدث عن نيته عدم السماح للوظائف الأميركية بالرحيل إلى فيتنام، فيما عبّرت منافسته وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون عن معارضتها «اتفاق الشراكة عبر الهادئ».

والتركيز على أهمية استعادة الصناعة ليس وليد الحملة الانتخابية الحالية، فمنذ منتصف العقد الماضي، يكاد الاقتصاديون الأميركيون يجمعون على أن ارتفاع الدَيْن العام الأميركي وتأرجح نمو الناتج المحلي يرتبطان بفقدان الولايات المتحدة لما يسمونه «قاعدتها الصناعية». وتزامن التراجع الاقتصادي الأميركي في حينه مع الصعود الناري للصين، مدفوعة بصناعاتها، وكذلك ألمانيا، ما دفع الاقتصاديين الأميركيين إلى البحث عن سبل إعادة الولايات المتحدة إلى سابق عهدها في طليعة الدول الصناعية في العالم.

وانضمت إلى بريستويز في حينه أسماء لامعة مثل المعلق المعروف في «نيويورك تايمز» توماس فريدمان، الذي كان يزور الهند والصين وينشر التقارير والكتب حول الموارد البشرية والصناعية في هذين البلدين، معتبراً أن أيام تفوّق الولايات المتحدة اقتصادياً، وتالياً عسكرياً وسياسياً، ولّت. وأصدر فريدمان، بالاشتراك مع الأستاذ في جامعة «جونز هوبكنز» مايكل ماندلباوم كتاباً أشارا فيه إلى حتمية تراجع الاقتصاد الأميركي بسبب شيخوخة السكان وتضخم الإنفاق على رعاية الشيخوخة، الذي من شأنه أن يقضم ما تبقى من الموازنة الأميركية. وتراجع التمسك الأميركي بنظرية حرية السوق، وأطل المسؤولون الصينيون ليتحدثوا عن نجاح نموذج «إجماع بكين»، وهو مزيج من «يد السوق الخفية ويد الدولة الجلية»، في مقابل ما كان يبدو انهياراً تاماً «لإجماع واشنطن» حول ضرورة تبني دول العالم سياسات ليبرالية، خصوصاً إبان الأزمة المالية عام 2008.

الذعر الأميركي من الصين دفع الرئيس باراك أوباما إلى تبني عدد من الخطط، بما في ذلك مضاعفة الصادرات الأميركية، فانخرطت الشركات الأميركية في هذا المشروع، وبدأ رئيس شركة «جنرال الكتريك» جيفري ايميلت يقلب شركته العملاقة من شركة صناعية ذات فروع خدمات مالية إلى شركة صناعية بالكامل، وحققت مبيعات السيارات الأميركية الشهر الماضي رقماً قياسياً. وعلى رغم عودة الولايات المتحدة إلى طليعة الدول المصدرة، بقيت البطالة مرتفعة في صفوف الأميركيين، خصوصاً من أصحاب «الياقات الزرقاء»، أي العاملين في الصناعة، ما دفع ثلاثة من مرشحي الرئاسة إلى تبني خطاب شعبوي يعد بإعادة الصناعة ووظائفها إلى الولايات المتحدة.

واعترض خبراء أميركيون على واقعية طروحات المرشحين الثلاثة الاقتصادية، وقالوا أن التلاعب بالتعرفة الجمركية ولي أذرع الشركات الأميركية من شأنهما أن يشعلا حرباً اقتصادية مع شركاء الولايات المتحدة التجاريين في العالم.

ولكنّ خبراء آخرين اعتبروا أن الولايات المتحدة، حتى لو نجحت في إعادة ١٤ مليون وظيفة، هي عدد الوظائف الصناعية في قمتها منتصف خمسينات القرن العشرين، فلن يفيد ذلك الاقتصاد الأميركي كثيراً، فالوظائف الصناعية أصبحت في غالبيتها ذات مرتبات منخفضة بسبب تزاحمها مع الروبوتات، وبسبب العرض الصناعي الكبير الذي لا يقابله طلب مماثل.

وتشير الأرقام إلى أن نسبة الوظائف الصناعية من إجمالي اليد العاملة، انخفضت من ٢٤ في المئة منتصف الخمسينات إلى 8.5 في المئة اليوم، فيما انخفضت الوظائف الزراعية أيضاً بسبب الروبوتات، من ٤١ في المئة منتصف القرن الماضي إلى ٢ في المئة فقط اليوم.

ويعتقد خبراء أن من غير المجدي خوض حروب اقتصادية من أجل استعادة الصناعة من الصين، في وقت لم تعد الصناعة تجدي الصين نفعاً، وتحاول بكين الانتقال من نموذج الصناعة والتصدير إلى نموذج الخدمات والاستهلاك. ويكرر هؤلاء أن الوظائف في الدول الأكثر صناعية، مثل الهند، لم تعد تؤمن حياة كريمة لموظفيها، ما يعرقل نظرية التطور الاقتصادية للدول من دول زراعية إلى صناعية إلى خدماتية، إذ إن الصناعة في الصين والهند، مثلاً، لم تعد على هاتين الدولتين بالبحبوحة ذاتها التي عادت بها على الدول الغربية يوم كانت صناعية.

والتلويح بإعادة اقتصاد الولايات المتحدة من مرحلة ما بعد الصناعة إلى مرحلة الصناعة هو تراجع، وفقاً لكثيرين، ولا يعيد الولايات المتحدة إلى سابق عهدها، ولكنه لا شك في أنه يفي بالغرض للسياسيين الشعبويين ممن يحاولون الحصول على أصوات الناخبين الذين ما زالوا يحلمون بالعودة للعمل في المصانع.