كتبت هيام القصيفي في صحيفة “الأخبار”:
في موازاة الانتخابات البلدية، لا تزال ثمة ملفات عالقة لا يمكن التيار الوطني الحر تركها: خوض معركة قانون الانتخاب، ورفض التمديد للمجلس النيابي، والمعركة الدائمة لتعيين قائد جديد للجيش
ليست الانتخابات البلدية والاختيارية وحدها تشكل حجة قانونية ودستورية للتيار الوطني الحر للطعن في التمديد للمجلس النيابي مرتين. فجعبة التيار قد تكون مليئة، بعد الانتهاء من الاستحقاق البلدي، ومن ثم النيابي الفرعي في جزين، بأكثر من ملف سياسي وأمني يشغل به الوضع الداخلي.
تشكل الظروف الاستثنائية التي اعتمدها ردّ المجلس الدستوري على الطعن الذي قدمه التيار لبّ المشكلة والدافع إلى الطعن في الانتخابات البلدية، التي يشارك فيها التيار بقوة، من غير أن تعتبر مشاركته فيها عقبة أمام الطعن، لأن تعاطيه مع الاستحقاق بجدية وبمشاركة كثيفة، ترشيحاً واقتراعاً، يؤكد «الظروف الطبيعية وليس الاستثنائية التي بررت التمديد». وهذه الظروف هي نفسها قد تكون حجة موضوعية للتيار كي يعارض أي تمديد جديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي.
في الأشهر القليلة الماضية، بدا أن ثمة هدنة غير معلنة بين التيار وقيادة الجيش، عززها أمران: استكمال التعيينات في المجلس العسكري بثلاثة أعضاء، اثنان منهم مقربان من رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، وتعيين مدير المخابرات العميد كميل ضاهر.
علاقة ضاهر بعون قديمة، وكذلك علاقته وصداقته مع العميد المتقاعد شامل روكز، لكن العلاقتين وزيارة ضاهر للرابية لا تؤثر في أي قرار يكون مدار بحث بعد انتهاء الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. والاستحقاق المقبل المتعلق بتعيين رئيس جديد للأركان بدلاً من اللواء الركن وليد سلمان قبل نهاية تموز المقبل، هو الذي يشير فعلياً إلى توجه التيار الوطني الحر إلى استخدام كافة الأوراق التي يملكها في مواجهة محاولة التمديد مجدداً لقهوجي، الذي لم يمدد له في آب الفائت سوى سنة واحدة تنتهي في أيلول المقبل.
حتى الآن تتردد معلومات عن بقاء التيار على موقفه من الرغبة في تعيين قائد جديد للجيش ومواجهة أي قرار يحاول وزير الدفاع سمير مقبل التفرد به وحده مجدداً والتمسك بصلاحياته. لأن تعيين رئيس الأركان في عهدة مجلس الوزراء مجتمعاً هذه المرة، ولن يكون في عهدة وزير الدفاع، الذي يملك فقط حق تأجيل التسريح أو الاستدعاء من الاحتياط، وهذان الأمران لم يعودا جائزين. وفيما يربط منتقدو الهجوم الذي يشنه النائب وليد جنبلاط على قائد الجيش، في ظل مساعٍ سياسية أُجريت معه لتخفيف حدة الهجوم وعدم كشف كل الوقائع والأسماء التي في حوزته في ملفات عدة، وهي باتت معروفة، بموضوع تعيين رئيس الأركان وحقه في تسميته، فإن الحجة التي يردّ بها المعنيون في الجيش، هي أن هذا الموضوع برسم مجلس الوزراء، وليس برسم قيادة الجيش وحدها، وعلى مجلس الوزراء اتخاذ القرار المناسب.
هذه الذريعة نفسها قد تكون مفتاحاً في يد معارضي التمديد لقهوجي مرة ثالثة، والطعن بالتمديدين السابقين. فالظروف «غير الاستثنائية» سمحت بتعيين أعضاء المجلس العسكري الجدد ومدير المخابرات، وستسمح بتعيين رئيس الأركان، ولا يمكن وفق ذلك التمديد لقائد الجيش. أما في شأن التذرع بالأوضاع الأمنية وضرورة الحفاظ على الاستقرار، فإن المظلة الدولية باقية فوق الجيش ولبنان بغض النظر عن الأسماء، بدليل أن الاهتمام الغربي والتنسيق الأميركي استمرا سنوات مع مدير المخابرات السابق إدمون فاضل، ومع ذلك ترك فاضل منصبه، ويفترض أن يستمر التعاون الأميركي مع مديرية المخابرات بالنمط ذاته، لأن الحكم استمرارية والدعم الغربي يستمر للجيش وفقاً لهذه المعادلة.
وبقدر اهتمام التيار الوطني الحر بالانتخابات النيابية وقانون الانتخاب وفرض إيقاع جديد على طاولة الحوار ومجلس الوزراء بعدم تجاهل الحقوق المسيحيين، وتمسكه في هذا الإطار بمعالجة ملف جهاز أمن الدولة، فإن التيار وفق المعلومات لا يمكن أن يساوم في ملف تعيين رئيس الأركان ولا تعيين قائد جديد للجيش. ومع انتهاء الانتخابات البلدية والاختيارية، سيكون مجلس الوزراء على موعد مع مشكلة إضافية لا يتوقع أن يساوم عون في حلها. لكن إذا أُعيد فتح هذا الملف، ووُضع جدياً على طاولة البحث، قد يكون أمام عون تحدٍّ أساسي في اختيار الأسماء المرشحة لقيادة الجيش، إذ شهدت الأشهر الماضية خروج عدد من العمداء المشهود لهم والذين كانوا مؤهلين للقيادة، وهناك آخرون أيضاً في طريقهم إلى التقاعد، الأمر الذي يقلص لائحة الأسماء المؤهلة بجدية لتولي قيادة الجيش، ويعيد فتح باب الاقتراحات والترشيحات مجدداً.
بعض الذين يعتبرون أن عون مصرّ دوماً على إزاحة أحد المرشحين الرئاسيين من طريقه، يرون أن معركة قيادة الجيش ستفتح مرة أخرى في وقت مبكر، فعون يمهل الاستحقاقات ولا يهملها