كتب ايلي الفرزلي في صحيفة “الجمهورية”:
للسنة الرابعة على التوالي، ينكبّ مجلس النواب على مناقشة قانون الانتخاب، بكل جهد وجدّية. الوقت لا يزال مبكراً للوصول إلى النتيجة المرجوّة. فالأمر ليس سهلاً، وعلى حد قول نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري، أمس، فإن «قانون الانتخاب بأهمية انتخاب رئيس الجمهورية، وإذا استمر الفراغ الرئاسي عامين ولم يُحلّ، فلا بأس أن يعطى مهلة كافية لدرس قانون الانتخابات المتعلق بتكوين السلطة».
منذ العام 2012، يوم شكلّت لجنة قانون الانتخاب للمرة الأولى، والتقدم مستمر. ثلاث لجان فرعية أو أكثر، مدعومة بعشرات الاجتماعات للجان المشتركة التي لم توفر، بدورها، جهداً إلا وقامت به في سبيل إقرار قانون الانتخاب العادل.
لا أحد يكترث لما يجري في المنطقة. الكل يعمل للبننة الاستحقاق الانتخابي تماماً كالاستحقاق الرئاسي. وكل ما يقال عن شراء الوقت أو تضييعه يسقط على أبواب المجلس النيابي. الرؤية واضحة عند النواب الحائزين على ثقة الشعب اللبناني، انتخاباً. لذلك، كل الكتل تسعى إلى إبعاد مصالحها الشخصية والتنافس على تقديم اقتراحات قوانين تعبّر عن قناعتها بأهمية صحة التمثيل.
عاد النواب إلى المجلس أمس، محملين بـ17 اقتراح ومشروع قانون، بعضها تخطى عمره العشر سنوات. غربلوها قدر الإمكان، وللإيحاء بالجدية، بقي منها أربعة، تمثل الأنظمة الانتخابية الثلاثة، أي الأكثري والنسبي والمختلط: المشروع المقدم من الحكومة (تقسيم لبنان إلى 13 لائحة على أساس النسبية)، اقتراح جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النسبية، اقتراح «الكتائب» (الدائرة الفردية)، الاقتراح المختلط بشقيه، أي الاقتراح المقدم من الرئيس نبيه بري (مناصفة بين الأكثري والنسبي) والاقتراح المقدم من أحزاب «الاشتراكي» و «المستقبل» و «القوات» (60 في المئة أكثري و40 في المئة نسبي).
وفيما كان النائب جورج عدوان مصراً على اختصار النقاش وحصره بالاقتراحين المختلطين، اعترض النائب سامي الجميل، مؤكداً على حق النواب في مناقشة الاقتراحات المطروحة. وأيده في ذلك النائبان سيرج طورسركيسيان وزياد القادري، وهو أمر ساهم في توتر الاجواء بين عدوان وبينهم، قبل أن يقترح النائب أنور الخليل العودة إلى المادة 78 من النظام الداخلي، ويوافق الجميع على السير به.
وعليه، عند طرح كل اقتراح، سيعطى الكلام لمقدمه، ثم إلى نائبين مؤيدين ونائبين معارضين، قبل أن يقفل النقاش، ويطرح الاقتراح على التصويت، تمهيداً لإقصائه أو تثبيته. وإذا حاز على الأكثرية يتم الدخول في نقاش مضمونه وتفاصيله، لاسيما المتعلقة بحجم الدوائر الانتخابية.
وعليه، من المفترض أن تشهد جلسة الاثنين المقبل التصويت بداية على مشروع الحكومة، علماً أن من أصر على اعتماد التصويت بدا مدركاً أن النظام الوحيد الذي سيصمد في السباق، هو النظام المختلط. لكن هذا لا يعني أن الوصول إلى توافق بشأنه سهل المنال، فالنقاش في الخيارات المطروحة يمكنه أن يفشل كل المحاولة، تماماً كما حصل في لجنة الانتخابات، التي كانت مكلفة درس الاقتراحين المتعلقين بالنظام المختلط، وانتهت بعد 12 جلسة إلى لاشيء.
أما «التيار الوطني الحر»، وخوفاً من إلغاء وجهة نظره بالتصويت، عمد إلى تثبيت «قانون اللقاء الأرثوذوكسي»، كمحطة انطلاق في أي جلسة عامة تعقد لمناقشة قانون الانتخاب، انطلاقاً من أنه سبق وصوتت عليه اللجان المشتركة وأحالته على الهيئة العامة. وبذلك، يكون «التيار» قد حمل بيده ورقة «الارثوذوكسي» لمواجهة أي مشروع لا يوافق عليه، خاصة أنه يعارض الاقتراحين المقدمين على أساس النظام المختلط. لكن ذلك، لا يلغي إمكانية سيره بمبدأ المختلط إذا تم التوصل إلى «صيغة يقتنع بها الجميع، ولا تحصر الموضوع بإرادة فريق وتلغي إرادة فريق آخر بموضوع التصويت تحت حجج ميثاقية او غيرها»، كما قال النائب ألان عون عقب الجلسة. وإذا تحقق ذلك التوافق، فإن «التيار» لن يتردد في سحب «الاقتراح الأرثوذوكسي»، تمهيداً للسير بالمشروع التوافقي، اما في حال عدم حصول ذلك «فكل الخيارات مفتوحة أمامنا».
كثر من النواب كان متفائلاً بنتيجة الجلسة، مقتنعاً أن الطريق نحو إقرار قانون الانتخاب صارت سالكة، لكن هؤلاء أنفسهم لا يزالون يدركون جيداً أن أي طرف متضرر قادر على نسف أي اتفاق، وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء وتحديداً إلى «قانون الستين». لذلك، رفض النائب جورج عدوان وضع من يريد قانونا ومن يريد الاقتراب من المساحة المشتركة مع من يطرح طروحات لا تقرب من احد، مبدياً ثقته في أن تساهم المنهجية التي وضعت في كشف المعرقلين.
بالنسبة لكثر، صار قانون الستين مطلباً عونياً ـ قواتياً، بعدما صارت تجمعهم علاقة تفاهم. إلا أن هؤلاء «لا يرتاحون للستين»، فهو حسابياً، لن يعطي الطرفين أي حصة إضافية. فعلى سبيل المثال، قد يربح التحالف في الأشرفية وزحلة، بما يعطي مجالاً لتمثيل عوني فيهما، إلا أنه في المقابل، سيكون على العونيين أن يعطوا من حصتهم في جبل لبنان لـ «القوات». بما يؤدي عملياً إلى الإبقاء على الحصة نفسها. ويبقى الأهم أن المناطق المختلطة ستبقى خارج سيطرتهما، كعكار على سبيل المثال.
وعليه، فإن «التيار» و «القوات»، لم ينضما إلى الآملين بإبقاء الستين، خاصة «الاشتراكي» و»المستقبل»، لكن الاتفاق على البديل دونه عقبات لا تحصى، فالاتفاق على النظام المختلط، سيعني التقدم إلى الأمام خطوة إضافية نحو الوصول أخيراً إلى قانون انتخابي، لكنه سيعني أيضاً الدخول في حقل ألغام يصعب الرهان على تخطيه، لاسيما فيما يتعلق بتقسيم الدوائر وتوزيع المقاعد بين الأكثري والنسبي.
وتقرر، بحسب مكاري، أن يُدرس، عند انتهاء النقاش بالمشاريع الأربعة، «الاقتراح المقدم من النائب نعمة الله ابي نصر المتعلق بزيادة عدد النواب 12 نائبا يمثلون الاغتراب، ومشروع القانون المقدم من الوزير النائب نبيل دو فريج بإضافة 6 نواب الى عدد النواب الحاليين: 3 أقليات و3 مسلمين»، على أن ينضما الى المشروع الاساسي الذي سيتم التوافق والتصويت عليه في اللجان المشتركة قبل ان يحال على الهيئة العامة.