مع ذلك، من المهم اجراء قراءة معمّقة للمواقف التي اعلنها سلامة لئلا تعلق في الأذهان انطباعات غير دقيقة. ويمكن التركيز في هذه القراءة على النقاط التالية:
اولا – في موضوع تطبيق القانون، لم يؤكد سلامة ان لبنان مُلزم وسيطبّق القانون فحسب، بل انه كشف ان البنك المركزي سوف يعاقب اي مصرف لا يلتزم بالقانون، بمعنى ان الانطباع الذي كان سائدا ان المصارف تملك الحرية في هذا الموضوع، لكنها مُلزمة بالتطبيق لأن التخلّف يعني عمليا سقوط البنك لأنه سيتعرض لعزلة مصرفية دولية تجعله غير قادر على الصمود.
هذا الامر يعني ان كل مصرف يعمل في لبنان، بما فيها المصارف الايرانية التي كانت معزولة في السابق عن النظام المصرفي العالمي، ستكون مُلزمة بالخضوع للوائح الاميركية التي تصدر عن وزارة الخزانة، ولن يكون بنك «صادرات ايران» المتواجد في لبنان مُستثنى من هذه الالزامية في التطبيق.
ثانيا – ان قضية توطين رواتب نواب ووزراء حزب الله ليست محسومة بشكل نهائي، رغم ان بعض الاعلام نقل في اليوم التالي للمقابلة ان سلامة اكد ان رواتب هؤلاء لا يشملها القانون. لكن الواقع، ان حاكم مصرف لبنان عندما سئل عن هذا الامر، استخدم عبارة «بتقديري» ان الرواتب غير مشمولة بالقانون.
وهو استند الى عبارة ترِد في القانون الأميركي تتحدث عن ان العقوبات تشمل العمليات الكبيرة، (significant). لكن الموضوع سيبقى مطروحا بانتظار الرد الأميركي النهائي، الذي قد يحمله غليزر معه الى بيروت.
ثالثا – في مسألة مراقبة حُسن تطبيق القانون، وعدم المغالاة والذهاب أبعد مما يطلبه الاميركيون، أوضح سلامة مسألة التعميم الذي ينظّم هذه العملية. وتبيّن ان مصرف لبنان لن يفرض على المصارف عدم إغلاق اي حساب، او الامتناع عن فتح حساب جديد، الا بعد اسئذانه، بل سيفرض على المصارف اعلامه لاحقا، بعد اغلاق اي حساب، ما هي المعلومات او المبررات التي يملكها المصرف للاقدام على هذه الخطوة.
والفارق بين الحالتين شاسع. في الحالة الاولى، اي منع المصارف من اغلاق اي حساب قبل العودة الى مصرف لبنان وأخذ موافقته، يتحوّل معها النظام المصرفي الى نظام شبه موجّه، وهذا الوضع يتعارض مع الاقتصاد الحر الذي يحرص عليه لبنان، خصوصا في قطاعه المصرفي.
في حين ان الابلاغ عن الأمر بعد اغلاق الحساب، يعني ان المصارف ستحتفظ بحريتها الاستنسابية في موضوع فتح او اغلاق الحسابات، وفي اختيار العملاء الذين ترغب في التعامل معهم، والعملاء الذين لا تريد التعامل معهم. لكن في المقابل، فان واجب التبليغ عن الاسباب الموجبة يعني عمليا ان المصارف سوف تتأنّى في التعاطي مع العملاء، وستتحاشى تنفيذ اكثر مما هو مطلوب منها في القانون الاميركي.
مع الاشارة هنا، الى ان مصرف لبنان لم يضع بنودا جزائية، بمعنى انه ليس واضحا ما هي طبيعة التبريرات التي يقبل بها من المصارف، وما هي ردة فعله اذا لم يقتنع بالتبرير؟ هل يفرض على المصرف اعادة فتح الحساب، ام هناك تدابير اخرى؟
في النتيجة، هذا القانون أصبح سلاحا فتاكاً في يد الأميركيين، وهم وحدهم يملكون السلطة الاستنسابية لأنهم غير مُلزمين بتقديم اي تبرير لايراد أي اسم في اللائحة السوداء. وعلى نبض التطورات السياسية، والعلاقات الاميركية الايرانية، ومصالح أميركا واصدقائها في المنطقة سوف يتطور هذا القانون، وتطول لوائحه السوداء أو تقصُر، في المرحلة المقبلة.