ميليسا لوكية
لم يكن المزارعون والصناعيون بحاجة إلى انتهاء مهلة الدعم الذي تقدّمه الدولة عبر المؤسسة الوطنية لدعم الاستثمار “إيدال” لمساعدتهم في تسييل صادراتهم عبر الجسر البحري، ليتذكروا أنَّهم يخوضون منذ فترة معركة مع التراجع. وفي حين لم تفرغ جيوب المؤسسة من الأموال المخصصة للدعم، بما يعني قدرتها على مواصلة مهمتها، عادت الأصوات المطالبة بإيجاد مبادرات شاملة لدعم تكاليف التصدير.
جاء إقفال المعابر البرية، وتحديداً معبر نصيب، ليُحرج القطاعين الزراعي والصناعي ويضعهما أمام واقع يصعب الخروج منه بسهولة، فحاولت الحكومة وضع الإصبع على الجرح عبر إقرار مبلغ 21 مليار ليرة لدعم التصدير عبر الجسر البحري على مدار سبعة أشهر. وقد خصّصت بذلك ثلاثة ملايين و250 ألف ليرة عن كل شاحنة مع سائقها، ومليوناً ونصف المليون ليرة لكل شاحنة من دون سائق لتغطية فارق الأسعار بين النقل البري والبحري.
وبعدما غدا الدعم عبر “إيدال” ساري المفعول بدءاً من 19 أيلول الماضي انتهت المهلة الرسمية في 16 نيسان الفائت، ما دفع المؤسسة وفق رئيسها نبيل عيتاني إلى “الطلب إلى مجلس الوزراء تمديد العمل بهذا المشروع سنة إضافية لأنَّ المعابر البرية لم تفتح بعد والظروف التي واجهتها الصادرات قبل سبعة أشهر لا تزال على حالها”.
ويضيف عيتاني لـ”النهار” أنَّ ذروة التصدير، وخصوصاً الزراعي، تمتد عادة من حزيران حتى تشرين الأول، لكن سريان القرار بدأ بعد خمود طفرة المحاصيل، فلم تتمكن المؤسسة من إنفاق المبلغ كاملاً، فبقي في حوزتها 14 مليار و70 مليون ليرة.
وإذ شدّد على ضرورة تسريع مجلس الوزراء في اتخاذ القرار المناسب، أشار إلى “أنَّ الصادرات الصناعية لم تستحوذ إلاّ على 9% فقط من مجموع الصادرات التي سلكت الجسر البحري نحو الأسواق الخارجية، وذلك نتيجة للجوء الصناعيين إلى التصدير عبر الحاويات نظراً إلى أنَّ تكلفتها أقل من تكلفة النقل عبر الشاحنات التي تدعمها الخطة، خصوصاً أنَّ المنتجات الصناعية لا تحتاج إلى التبريد أو الوصول إلى الوجهة المحددة ضمن فترة معينة، على غرار المنتجات الزراعية”.
ويختم عيتاني بأنَّ “إيدال” تُجري حالياً دراسة الهدف منها إيجاد طريقة لدعم الحاويات وليس الشاحنات فقط، بما يعود بالمنفعة على الصناعيين والمزارعين على السواء.
ومن يتابع وضع القطاع الزراعي منذ إقفال المعابر حتى اليوم يلاحظ الصعاب الذي واجهها والتي أردته، متسبّبة بتراجع صادراته بنحو 37% مقارنة بالعام الماضي. ولكن ما الذي سيحلّ بالقطاع بعد توقف الدعم وهل سيستعيد أنفاسه إذا ما جرى الإتفاق على مواصلته؟
لا يأتي الجواب إيجابياً من رئيس جمعية المزارعين أنطوان الحويك الذي يؤكّد لـ”النهار” أنَّ “الدعم لم يعد بالنفع أصلاً على المزارعين في ظلّ الاحتكار الذي تمارسه شركتين في مجال شحن البضائع عبر هذا الخط”، معتبراً أنَّه حتى في حال معاودة الدعم، فإنَّ ذلك لن يدعم القطاع الذي وصل إلى كارثة غير مسبوقة في ظلّ وفرة المواسم واستمرار الاستيراد من سوريا وغياب التصدير”.
والحل؟ يرى الحويك أنَّه يتمثل في لجوء الدولة إلى شراء عبّارات تسلّم إدارتها إلى إحدى شركات الشحن، على أن تتولى نقل المنتجات مجاناً إلى سوريا والسعودية، وتالياً تمويل الخط من تكاليف الإستيفاء على الواردات، إذ أنَّ البضائع التي ستعود إلى لبنان ستكون محمّلة ببضائع معدّة لدخول السوق المحلية. أما من الجانب الصناعي، فقد دعا رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل الحكومة إلى تمديد فترة العمل بسلفة الـ21 مليار ليرة، مطالباً بمبادرة أوسع وأشمل لدعم التكاليف التصديرية بالمطلق، “لتطاول كل البلدان التي نصدّر اليها وعدم حصرها بالدول التي توقف التصدير البري إليها، لاسيما دول الخليج والعراق والأردن”.
وأوضح الجميل أنَّ طلبه هذا يأتي “بعد التراجع المستمر الذي تشهده الصادرات الصناعية نتيجة الأوضاع المتردية، خصوصاً بعد إقفال المعابر البرية عبر سوريا، ومع تراكم التكاليف التشغيلية على الصناعيين وامتداد فترة الأزمة التي دخلت عامها الخامس، وذلك للمحافظة على طاقات القطاع الصناعي اللبناني وقدراته”.
وإذ كشف أنَّ القطاع الصناعي خسر تراكمياً من العام 2012 حتى اليوم 30% من حجم صادراته، أكد أنَّ الصناعة الوطنية، ومن خلال توفير الدعم وبتكلفة قليلة، بإمكانها استرداد خسارتها نتيجة انخفاض التصدير والبالغة مليار دولار، معتبراً أنَّ “هذه المبادرة كفيلة بتحريك عجلة الاقتصاد وإعادة الحياة إلى مصانعنا وكذلك توفير فرص عمل جديدة للشباب”.