موسى مهدي
ربما يجعل مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، مستقبل الاستثمار في السندات الأميركية، محفوفاً بالمخاطر لأول مرة، حيث ربط بين انتعاش الاقتصاد وضرورة تخلي دائني أميركا عن جزء من ديونهم.
ووصف ترامب نفسه بأنه “ملك الديون” في تعاملاته المالية في لقاء تلفزيوني في أميركا، كما حذر المرشح الجمهوري، الذي فاجأ الجميع بفوزه الساحق على منافسيه، من مخاطر الديون السيادية الأميركية التي فاق حجمها 18 ترليون دولار.
وقال الملياردير ترامب في لقاء أمس مع تلفزيون”سي إن بي سي” الأميركي ” نحن الآن ندفع فوائد منخفضة جداً على الديون، ولكن ماذا لو ارتفعت نسبة الفائدة إلى 2 أو 3 أو إلى 4 نقاط … لن تكون لنا دولة”. وأضاف أن على الولايات المتحدة أن تعيد التفاوض مع الدائنين حول خفض الديون طويلة الأجل”.
وأشار إلى أن الأسواق المالية أصبحت الآن قلقة من احتمال عدم قدرة أميركا على سداد ديونها.
وقال إن ارتفاع الفائدة الأميركية بنقطة واحدة سيكون مدمراً للاقتصاد الأميركي. ومن هذا المنطلق دعا ترامب في لقائه مع التلفزيون الأميركي إلى التفاوض مع الدائنين بشأن منح أميركا خصماً على الديون، أي ضرورة التفاوض معهم حول التخلي عن جزء من ديونهم. وهو أسلوب سبق أن أستخدمه الملياردير عدة مرات في التعامل مع دائنيه.
وقال في هذا الصدد” أنا استدنت وأعرف أنه يمكن أن تسدد الديون بخصم من قيمتها”. وأشار إلى أن معادلة الانتعاش الاقتصادي في أميركا، ربما تتطلب أن ندفع للدائنين مبالغ أقل من ديونهم.
وهذه التصريحات تمثل تطوراً خطيراً في توجهات مرشح الحزب الجمهوري الذي من المحتمل أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني.
وحسب تعليقات خبراء مال ومصرفيين، فإن تصريحات ترامب تنهي الفرضية القائمة في عالم المال أن سندات الخزانة الأميركية تعد أفضل الملاذات الآمنة في لحظات الاضطراب المالي، وأن الاستثمار في شراء هذه السندات، هو استثمار خال من المخاطر.
ولا يستبعد محللون أن تكون لتصريحات دونالد ترامب، انعاكاسات خطيرة في سوق “وول ستريت” الذي تلعب فيه تجارة السندات الحكومية دوراً رئيسياً.
وتعتمد إستراتيجية ترامب في إدارة أعماله التجارية على استخدام التهديد والوعود والتفاوض في إقناع دائنيه بالتخلي عن جزء من ديونهم، في سبيل الحصول على أموالهم التي أقرضوها لشركاته.
وحول إستراتجيته للنمو الاقتصادي، قال دونالد ترامب إن إستراتيجيته الاقتصادية ستقوم على إنفاق مبالغ ضخمة في الطرق والكباري والمطارات ومجمل مشاريع البنية التحتية في أميركا. وقال إنه سيعمل على تغيير نظام الرعاية الصحية الذي وضعه الرئيس الحالي باراك أوباما. ولكنه لم يتحدث بتفصيل أكثر حول النظام البديل أو كيفية توفير تمويل.
وحسب محللين فإن هذا سيعني أنه في حال فوز ترامب بانتخابات الرئاسة، فإن العجز في الميزانية سيرتفع بمعدلات كبيرة، وهو ما سيرفع تلقائياً حجم الدين الأميركي.
وتعد سياسة زيادة العجز في الميزانية من السياسات التي يرفضها أعضاء الحزب الجمهوري في الكونغرس.
وقال ترامب إن الاقتصاد الأميركي بات يعتمد بدرجة كبيرة على نسبة الفائدة المنخفضة، وأن رفع نسبة الفائدة بنقطة واحدة ستكون خطراً على النمو الاقتصادي.
وكان المرشح الجمهوري قد اختار أمس أحد المدراء السابقين في مصرف “غولدمان ساكس” الميركي الذي انتقده بشده أثناء هجومه على منافسه تيد كروز.
وحسب البيان الذي أصدره أمس، فإن المصرفي ستيفن مينشينا الذي عمل لمدة 17 عاماً في غولدمان ساكس سيدير حملة تبرعاته وشؤونه المالية.
وتثار مخاوف عديدة في أسواق المال من خطط ترامب، وحتى أن بعض المستثمرين بدأوا منذ الآن تفادي شراء أسهم الشركات التي تنتج في الخارج، لأن ترامب قال إنه سيرفع عليها الضرائب.
وحسب قراءة أولية أجرتها معاهد متخصصة في المال والاقتصاد بأميركا، فإن الخطط التي يطرحها دونالد ترامب ستهدد موقع الدولار كـ”عملة احتياط” دولية، وستقود خطط الإنفاق إلى رفع الدين العام في أميركا إلى معدلات خرافية تنهي جاذبية سندات الخزانة الأميركية التي تعتمد عليها أميركا في تمويل العجز في الميزانيات.
كما أن خطط ترامب ستخفض الدخل الفيدرالي من الضرائب بحوالى 9.5 ترليونات دولار، وتخفض كذلك الضرائب على الأثرياء بحوالى 1.3 مليون دولار في العام 2017.
ويسعى ترامب، وفقاً لخططه المالية والاقتصادية التي أعلن عنها حتى الآن، إلى خفض الضرائب على الشركات إلى 15% وتبسيط قانون الضرائب.
وتبدو هذه الخطط الضرائبية جذابة للوهلة الأولى للمواطن الأميركي، ولكن عند فحصها جيداً، فإن معظم التخفيضات تخص الأثرياء وليس الطبقات الوسطى أو الفقيرة.
كما أنه يعد بزيادة الإنفاق على الدفاع، وفي الوقت ذاته يقول إنه سيعيد التوازن إلى الميزانية الأميركية، التي تواصل مراكمة العجز منذ مجيء الرئيس بوش الابن للحكم وطيلة فترة الرئيس الحالي باراك أوباما. ولكن خبراء المال يرون أن وعود ترامب بزيادة حجم الإنفاق يتناقض تماماً مع إعادة التوازن إلى الميزانية الأميركية.
وحسب المحلل البريطاني رسيل لينش، الأستاذ في كلية “كاس” التابعة لجامعة لندن، “فإن خطط ترامب تدق جرس الإنذار حول المستقبل الاقتصادي لأميركا”.
وتشير تقديرات المكتب في دراسة نشرها في 26 يناير/ كانون الثاني الماضي، إلى أن العجز الأميركي من الميزانيات سيواصل التراكم ليصل الدين العام الأميركي إلى 30 ترليون دولار بعد عشر سنوات من الآن. ويعود السبب في هذا الحجم الضخم من ارتفاع الدين العام إلى تواصل الفارق بين الدخل المتحصل للخزانة من الضرائب وبين الإنفاق على البنود الحكومية.
وحسب مكتب الميزانية بالكونغرس، فإن حجم دخل الخزانة الأميركية المتوقع في العام 2026، يقدر أن يرتفع بنسبة 49.5% ليبلغ حوالى 5.035 ترليونات دولار، مقارنة بدخل الخزانة المقدر في ميزانية العام الجاري والمقدر بحوالى 3.376 ترليونات دولار.
ولكن على الرغم من ارتفاع الدخل، فإن الإنفاق في ميزانية العام 2026 ربما يرتفع إلى 6.401 ترليونات دولار مقارنة بالإنفاق الحالي في الميزانية الجارية والبالغ 3.919 ترليونات دولار.
وما يزيد العجز في الميزانيات الأميركية بند الرعاية الصحية الجديد الذي يعادل حجم إنفاقه نسبة 4.5% من إجمالي الناتج المحلي الأميركي، وكذلك الإنفاق على بنود الضمان الاجتماعي.
كما يلاحظ أن أميركا تواصل زيادة الإنفاق على وزارة الدفاع التي رفعت حجم إنفاقها في ميزانية الدفاع لعام 2017 إلى أكثر من نصف ترليون دولار.
ولكن هنالك شبه إجماع بين العديد من خبراء المال، أن فوز الملياردير دونالد ترامب، ربما يضع أميركا أمام محنة
حقيقية في خدمة هذه الديون مستقبلاً، خصوصاً إذا رفعت معدل الفائدة خلال السنوات المقبلة أو أصر ترامب على التفاوض مع الدائنين للتخلي عن جزء من ديونهم. ويرى خبراء أن مثل هكذا إجراء ربما يقود مؤسسات التصنيف العالمية إلى خفض التصنيف الممتاز للدين السيادي الأميركي.