بنديكت ماندر وساماتثا بيرسون وجون بول راثبون
بعد نجاح إصدار سندات بقيمة 16.5 مليار دولار، الذي يعتبر الأكبر على الإطلاق من قبل أحد بلدان الأسواق الناشئة، الأرجنتين هي البلد المفضل الجديد بين المستثمرين. في المقابل، البرازيل المجاورة، محبوبة الأمس، واقعة في قبضة الركود، وأزمة سياسية وفضيحة فساد شاملة أدت إلى دخول بعض الأشخاص الأكثر نفوذا في البلاد إلى السجن.
أكبر اقتصادين في أمريكا الجنوبية لديهما تاريخ طويل من الغيرة المتبادلة، لكن في الوقت الذي يعترك فيه كل منهما مع مشكلات الفساد والركود الاقتصادي الذي أعقب سقوط أسعار السلع الأساسية، قام التنافس بتطوير ميزة جديدة.
البرازيل، على نحو أثار انزعاج بعض الأرجنتينيين، لديها سلطة قضائية مستقلة بشدة تتابع بإصرار التحقيق في الفساد في شركة بتروبراس، شركة النفط المملوكة للدولة – وهي عملية يمكن أن تؤدي إلى إقالة الرئيسة ديلما روسيف.
في الوقت نفسه الأرجنتين لديها ما يحتاج إليه كثير من البرازيليين بشدة: حكومة إصلاحية. بدأت إدارة الرئيس موريسيو ماكري، التي انتخبت قبل أربعة أشهر، بعكس اتجاه الإرث الاقتصادي للرئيسة الشعبوية السابقة كريستينا فرنانديز، بما في ذلك بذل الجهود من خلال إصدار السندات الذي سجل رقما قياسيا.
وكما يقول وزير العدل البرازيلي السابق ميجيل ريال جونيار “آمل أن نتمكن من تحرير أنفسنا من أولئك المدمنين على السلطة لتلبية المشاريع السياسية الخاصة بهم”. ويضيف “أرجو أن تصبح البرازيل مثل الأرجنتين”.
قبل بضعة أشهر لم يكن من الممكن أن نتصور صدور هذا البيان من سياسي برازيلي، ولكن تم تشجيعه على أساس أن الممكن أن ميشيل تيمر، نائب الرئيسة، الذي سيحل محل روسيف في حال واجهت عملية إقالة رسمية، سيقود جهودا مماثلة في الإصلاح.
نشأ البرازيليون على الاعتقاد أن بلدهم متفوق على الأرجنتين في كل شيء من كرة القدم إلى الاقتصاد والشؤون الخارجية. وفي حين كانت بوينس آيرس تتحدث منذ فترة طويلة عن استعادة جزر فوكلاند – أو مالفيناس – من المملكة المتحدة، كان هدف البرازيل هو الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي.
الآن التصورات التي من هذا القبيل تنقلب رأسا على عقب.
في الوقت الذي تعاني فيه البرازيل أسوأ ركود منذ قرن من الزمان، انتقل ماكري إلى التخلي عن التدخل الاقتصادي وتفكيك القيود على العملة، وتحرير التجارة وإعادة انخراط الأرجنتين في الاقتصاد العالمي. يتوقع صندوق النقد الدولي أن اقتصاد البرازيل الذي تبلغ قيمته 1.5 تريليون دولار سيتخذ مسارا ثابتا في العام المقبل، في حين ينمو اقتصاد الأرجنتين البالغ 438 مليار دولار بنسبة 3 في المائة. يقول أوتو نوجامي، أستاذ الاقتصاد في كلية إنسبر للأعمال في ساو باولو “البرازيل بدأت تشبه ما كانت عليه الأرجنتين في السابق”.
خلال المسيرات الأخيرة ضد روسيف وحزب العمال الحاكم الذي تتبع له، لوح بعض المتظاهرين بلافتات تطالب “بفنزويلا أقل، ومزيد من الأرجنتين”.
ويقول رافائيل ألكاديباني، وهو أكاديمي في مؤسسة جيتوليو فارجاس في ساو باولو “إنه عرض من أعراض اليأس لدى البرازيليين. إن الكراهية التي يشعر بها كثيرون نحو حزب العمال، تعتبر أكبر من كراهيتهم الأرجنتين”.
وفي حين يتوقع كثيرون أن يقوم تيمر بتطبيق إصلاحات على غرار الأرجنتين، في حال تولى منصب الرئيس بالوكالة، إلا أنه سيواجه تحديات كبيرة. لا يزال من الممكن أن التحقيق في فساد “بتروبراس” سيؤذي حزبه المعارض، حزب الحركة الديمقراطية البرازيلي، في حين إن خفض الإنفاق لن يحظى بشعبية.
في مجالات أخرى لا يزال الأرجنتينيون ينظرون بحسد نحو البرازيل. يضع كثير منهم عينه على الشمال إعجابا بقوة المؤسسات في البرازيل، خاصة جهازها القضائي.
تستمر البرازيل أيضا في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر المهم، الذي ارتفع إلى 17 مليار دولار في الربع الأول من عام 2016 مقارنة بـ 13.1 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، وفقا لاليخاندرو فيرنر، رئيس قسم نصف الكرة الغربي في صندوق النقد الدولي. في جزء منه، هذا يرجع إلى متانة المؤسسات البرازيلية. يقول جيليرمو جورج، وهو محام جنائي في بوينس آيرس “إن القضاء الأرجنتيني، على النقيض من ذلك، يعاني “أزمة شرعية خطيرة “. ويضيف جورج، وهو شريك في جافرنانس لاتام، وهي جماعة لمكافحة الفساد، أنه “في حين قام القضاة البرازيليون باعتقال الرؤساء السابقين وبعض من أغنى الرجال في البلاد، إلا أن القضاة الأرجنتينيين لا يتمتعون بشجاعة عالية”.
وكما يضيف “إنهم يعرفون أنهم إذا لاحقوا شخصا ما أقوى منهم، فإنه يمكنه تدميرهم خلال 15 دقيقة”. مسألة الفساد أطلت برأسها مرة أخرى في الأرجنتين في أعقاب عدد من القضايا المرفوعة ضد كبار المسؤولين في إدارة فرنانديز. لازارو بايز، وهو رجل أعمال من باتاجونيا، اعتقل هذا الشهر بعد اتهامه بالاختلاس وغسل أموال تعودلفرنانديز وزوجها المتوفى وسلفها، نستور كيرشنر. وهو ينفي هذه الاتهامات. كما يجري التحقيق أيضا مع شخصيات قوية أخرى من قبل النيابة العامة الاتحادية، بمن في ذلك خوليو دي فيدو، وزير التخطيط السابق، ووزيرة الحكومة آنيبال فرنانديز. هم ينكرون أيضا ارتكاب مخالفات.
قلة من الأرجنتينيين يتوقعون أن هذه التحقيقات ستكون ناجحة. كارلوس جيرمانو، المحلل السياسي في بوينس آيرس، يشير إلى أنه يتم التعامل مع تلك الحالات من قبل “نفس القضاة الذين كانوا منذ عام واحد فقط يتغاضون عنها”.
وهناك أيضا شعور بوجود حملة ضد المعارضين، بالنظر إلى أن القضاة الأرجنتينيين يلاحقون الذين تركوا مناصبهم في حين إن أقرانهم في البرازيل يلاحقون الذين ما يزالون في السلطة.
يقول جيرمانو، مرددا رأيا شائعا في المنطقة، حيث لم يعد من الممكن السكوت على الحصانة كما كان من قبل في ظل الانهيار الاقتصادي “حتى مع ذلك، تم فتح الباب وسيكون من الصعب إغلاقه. مطالب المجتمع في رؤية العدالة وهي تأخذ مجراها هي الآن قوية جدا”.