جاسم عجاقة
أظهرت أرقام الوظائف الأميركية غير الزراعية، خلق 160 ألف وظيفة خلال شهر نيسان 2016، وهو رقم أقل بكثير مما كان مُتوقعاً، أي 202 ألف وظيفة. هذا الأمر يعكس تردد الاقتصاد الأميركي في إستعادة عافيته على الرغم من مئات مليارات الدولارات التي يتم دعمه بها. هذا الأمر سيكون له تأثير على رفع الفائدة التي كان الإحتياطي الفيدرالي يُخطط لها في شهر حزيران القادم.
مؤشر الوظائف غير الزراعية أو ما يُسمّى بالـ Nonfar payrolls هو عبارة عن مؤشر يُعطي عدد الوظائف التي خلقها الاقتصاد الأميركي في كل القطاعات بإستثناء العمل المنزلي، العمل الزراعي والجمعيات. هذا المؤشر يصدر شهرياً عن وزارة العمل وله تأثير كبير على الأسواق المالية خصوصاً الدولار الأميركي، الأسهم الأميركية، سوق السندات والذهب.
وتتعاطى الأسواق مع هذا المؤشر بشكل سريع جداً إذ خلال لحظات على إصدار هذا المُؤشر، تتحرك الأصول المالية من عملات وذهب وأسهم بشكل كبير. وتُظهر الإحصاءات على البيانات التاريخية أن مؤشر الدولار الأميركي يتحرك بشكل عكسي خفيف مع أرقام مؤشر الوظائف غير الزراعية.
إرتفاع مؤشر الوظائف الأميركية يُشير إلى أن هناك خلقاً لوظائف في الماكينة الاقتصادية، ما يعني أن هذه الماكينة تنمو وبالتالي فإن أصحاب الوظائف التي تمّ خلقها، أصبح لديهم مدخول سيتمّ إستهلاكه في السلع والخدمات ما يعني مزيدا من النمو. وعلى العكس، فإن إنخفاض هذا المؤشر يدل على تراجع الاقتصاد وخسارة وظائف وبالتالي قلة الإستهلاك مع تراجع النمو.
من هنا نرى أهمية هذا المؤشر في الأسواق المالية من ناحية أن السياسة النقدية الأميركية تستخدم هذا المؤشر لتحديد الخطوات التي ستتبعها. وهذا ما دفع الإحتياطي الفديرالي الأميركي إلى إعتماد التسييل الكمّي، وذلك منذ أزمة العام 2008 المالية والتي لا تزال تداعياتها على الاقتصاد العالمي ملموسة حتى الساعة.
نهار الجمعة الماضي، أصدرت وزارة العمل الأميركية بيانات مؤشر الوظائف غير الزراعية الأميركية. وأظهرت هذه البيانات ضعف الوظائف التي خلقها الإقتصاد الأمريكي. والمُلاحظ من البيانات التاريخية أن مؤشر الوظائف غير الزراعية يتراجع منذ أيلول 2015 من ٢٩٥ ألف وظيفة في أيلول 2015 إلى ١٦٠ ألف في نيسان الماضي. والجدير بالذكر أن مجموع الوظائف غير الزراعية التي تمّ خلقها في العام 2015 بلغ 2.682.000 وظيفة، ما دفع الإحتياطي الفديرالي إلى رفع سعر الفائدة وألمح إلى مزيد من رفع الفائدة في العام 2016. وواكب رفع الفائدة التخفيف من شراء سندات الخزينة الأميركية. لكن ومنذ رفع الفائدة، نرى أن وتيرة خلق الوظائف تراجعت وبالتالي فإن البنك الإحتياطي الفديرالي الأميركي سيعمد إلى إعادة النظر في سياسة رفع الفائدة لهذا العام والتي كانت مُقرّرة في حزيران هذا العام. هذا الأمر أصبح له تداعيات على الإستثمارات التي وبحكم تراجع التوظيف، سيكون له تداعيات سلبية على الإستهلاك ما دفع الأسواق إلى التراجع عند الإعلان قبل أن تعود وترتفع على الإقفال نهار الجمعة.
وفي التفاصيل، وعلى إثر إعلان أرقام الوظائف غير الزراعية، تراجعت العقود الآجلة على الأسهم قبل أن ترتفع لاحقاً، مما يُرجح إحتمال 50% أن يعمد المصرف الإحتياطي الفديرالي الى رفع الفوائد قبل نهاية العام. هذا الأمر مدعوم بنقطتين، تراجع خلق الوظائف (يدفع بإتجاه عدم رفع الفوائد) والعقود الآجلة على الفوائد على الأمد القصير التي تُقلّل من إحتمال رفع الفائدة.
أما الذهب فقد إرتفع كنتيجة طبيعية للمخاوف من الاقتصاد، وبالتالي فهو الملاذ الآمن للإستثمارات. وعلى صعيد النفط، فقد أدى الحريق الذي شبّ في كندا الى توقف عمل 4 منصات لإستخراج للنفط في الولايات المُتحدة الأميركية. ويبقى فقدان التوازن بين سوق العرض والطلب والذي يُقدّر بمليوني برميل سنوياً، هو المانع الرئيسي لأي ارتفاع كبير في أسعار النفط، مما يصب بمصلحة الاقتصاد الأميركي من ناحية تخفيض الكلفة على الاقتصاد.
لذا ومما تقدّم، تبقى المُشكلة في قلة الإستهلاك التي تمنع الشركات من الإستثمار، وبالتالي زيادة التوظيف. من هنا كانت السياسة النقدية الأميركية تذهب بإتجاه تسهيل القروض بهدف الإستثمار الذي يؤدي إلى التوظيف وبالتالي زيادة الإستهلاك.
وخلال السنين التي تلت الأزمة المالية العالمية، نجح الإحتياطي الفديرالي في إستيعاب الصدمات الاقتصادية التي نتجت عن الأزمة ودعم الاقتصاد والمؤسسات المالية بشكل هائل مع ضخ كبير للسيولة (أكثر 16 تريليون دولار أميركي). لكنه فشل في دفع الإستهلاك إلى مستوى يدفع الشركات إلى الإستثمار، وبالتالي دخل الاقتصاد الأميركي في حالة تأرجح إقتصادي مع نمو لا يزيد عن 0.5% على الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام. وهنا يُمكن القول أن هذا النمو هو نتيجة لتدخل البنك الإحتياطي الفديرالي والذي – أي النمو – قد يتراجع في حال تمّ رفع الفائدة في حزيران القادم.
وبإعتقادنا، فإن هذا الأمر سيظل على هذا النحو حتى يتحقق أمر من إثنين: (1) خرق تكنولوجي يسمح بخلق طلب على البضائع المُنتجة بواسطة هذه التكنولوجيا. ويبقى نجاح هذا الأمر مرهوناً بحجم وطبيعة الموارد التي تدخل في الإنتاج، أو(2) تغيير جذري في الوضع الجيوسياسي القائم في منطقة الشرق الأوسط، وما له من تأثير على سوق النفط كما والإستهلاك العالمي.
وإذا كانت النقطة الأولى رهينة الإكتشافات العلمية، يظهر الخيار الثاني كخيار عملي أكثر وبالتالي سنشهد تداعيات سياسية وعسكرية كبيرة في المرحلة المقبلة في منطقة الشرق الأوسط.