حنان حمدان
تعلن وزارة الزراعة، المكلفة إعطاء تأشيرة دخول لشحنات الغذاء على المرافىء الحدودية، بين حين وآخر، أنها منعت إدخال شحنة غذاء مستوردة من الخارج، بسبب عدم مطابقتها للمواصفات المطلوبة، أو بانتظار إجراء الفحوص اللازمة. وتعتبر شحنة القمح المستوردة على متن باخرة “رمزي”، والتي كانت تحمل 2990 طناً من القمح، واحدة من الشحنات التي تم إيقافها في 6 نيسان الفائت، بعدما تبين للوزارة وفق النتائج الأولية لفحوص المواصفات بأنها تحتوي على تكتلات رطبة بسبب نسبة الرطوبة المرتفعة.
وبالرغم من أن توقيف الشحنة نفسه، يعد إجراءً مطلوباً في حال تبين وجود أي خلل في المواصفات والمعايير الصحية المطلوبة، ولكن سببين أساسيين أثارا الجدل حول هذه الشحنة بالذات هما: أنه تمت الموافقة على إدخال 660 طناً من أصل 2990 طناً من القمح الى إهراءات بيروت أولاً، وهو أمر مستغرب، إذ كيف تكون شحنة مطابقة في جزء منها وغير مطابقة في الجزء الآخر. أما السبب الثاني فهو التأخر في تحديد مصير القمح المتبقي من الشحنة وهي 2330 طناً، والتي لم يتخذ قرار في إعادتها الى مصدرها كما نص بيان وزارة الزراعة آنذاك، ولم يتبين أيضاً أن نتائج فحوصها المخبرية، التي يفترض أنها أجريت في وقت قريب، أتت مطابقة للمواصفات المطلوبة. ما يثير التساؤلات حول مصير هذه الشحنة، لاسيما أن مصدراً مطلعاً في هذا الشأن أشار لـ”المدن” أن “الكمية المتبقية من القمح قد جرى نقلها إلى إهراءات طرابلس بهدف تصريفها هناك”. نقل القمح الى البقاع، لم تنفه مديرة الإنتاج الزراعي في وزارة الزراعة رانيا حايك في إتصال مع “المدن”، الا انها بررت ذلك بالقول ان القمح سيتحول الى “أعلاف للحيوانات. لأنه تبين في نتائج الفحوص التي ظهرت قبل أيام أنها مطابقة لمواصفات العلف وليس لمواصفات الطحين. ووفق مواصفات الأولى، فإن معدل الرطوبة يمكن أن يصل الى 14%، كما نسبة الأوكراتوكسين التي قد تصل الى 20%”، ولكن هذا الأمر أيضاً يبقى قابلاً للجدل، إذ إن السموم تنتقل الى جسم الإنسان بمجرد أن يتناول لحوم حيوانات تناولت بدورها نسبة من السموم التي تحتويها الأعلاف. وأشارت حايك الى ان منح موافقة إدخال جزء من الشحنة، تقرر بناء على “نتائج الفحوص التي أجريت، واظهرت خلو الكمية الأولى من أية مواد سامة، وسجلت نسبة رطوبة مقبولة بلغت 12%، وهو ما يعد ضمن الحد المقبول”، وذلك، بعكس ما أظهرته نتائج فحوص الكمية المتبقية والتي تخطت فيها الرطوبة نسبة 12%”.
الموافقة التي اعتبرت ان نسبة الرطوبة “مقبولة”، تؤشر الى ان “القمح غير آمن، ويمكن أن يكون عاملاً اساسياً في ظهور العفن والسموم” وفق ما يراه الخبير البيئي ناجي قديح، قائلاً لـ”المدن” أن الموافقة على إدخال الكمية المطابقة “هو أمر طبيعي لكنه يحتاج إلى إجراءات رقابة مستمرة كي يبقى آمناً وصحياً، وهنا يأتي دور الإدارات الرقابية”.
وجهة نظر مسؤولة حملة سلامة الغذاء في وزارة الصحة جويس حداد مختلفة نسبياً، إذ اعتبرت في حديث مع “المدن” أن “وجود عينات غير مطابقة داخل الشحنة، لاسيما لناحية وجود أي نوع من السموم يرفع من إمكانية إنتشار السموم في كامل الشحنة حتى لو غابت عن نتائج الفحوص”.
من ناحيتها تستغرب مسؤولة سلامة الغذاء في جمعية المستهلك ندى نعمة، التذرع بإنتظار نتائج الفحوص المخبرية، والتي لا يحتاج صدورها لأكثر من يومين، حتى تتخذ الوزارة قرارها في الإبقاء على الشحنة أو إرجاعها الى مصدرها. إذ إن قانون حماية المستهلك نص في تعديلاته الجديدة، على أنه لا يمكن توقيف او احتجاز شحنة لأكثر من 45 يوماً من دون البت في مصيرها، ولكن ذلك لا يعني أن تبقى الشحنة ومن دون أي وجه حق فترة زمنية طويلة داخل الإهراءات، لما قد يسببه ذلك من ضرر على صحة الإنسان وغذائه.
وللغاية، تؤكد نعمة على ضرورة إعتماد إجراءات محاسبة فاعلة بحق التجار كونهم “لا يلتزمون بمعايير ومواصفات السلامة الغذائية المطلوبة، ويتحملون جزءاً أساسياً من مسؤولية عدم مطابقة الشحنة”، وذلك “إسوة بالدول الأوروبية والتي يعد فيها إستيراد شحنة غذائية فاسدة، فعلاً مخلاً يحاسب عليه القانون”.