IMLebanon

الصين: المضاربون على السلع الاساسية يزعجون المستثمرين الغربيين

China-Stock
يانج يوان من زينجهو ولوسي هورنبي من بكين ونيل هيوم من لندن

في لندن ونيويورك، قلة من الأفراد هم الذين يمكن أن يفكروا في تداول المعادن الصناعية أو السلع الأساسية السائبة بشكل مباشر. هذا الأمر متروك إلى حد كبير لصناديق التحوط وكبار التجار في المواد الفعلية. في الصين يفعلون ذلك بطريقة مختلفة. من خلال بضع نقرات فقط على الماوس، أو الهاتف الذكي، يمكن لمستثمر التجزئة شراء وبيع خام الحديد والصلب والقطن وحتى البيض.

خلال الشهرين الماضيين ارتفعت تجارة السلع الأساسية في الصين عندما تجمع كل من مستثمري التجزئة والأفراد ذوي الثروات العالية ومديري الثروات المتعطشين للعوائد في ذلك القطاع، مستخدمين وسيلة سهلة للدخول في رهانات بالرفع المالي اعتمادا على آفاق الاقتصاد المحلي.

وأدى هذا الارتفاع في المضاربة إلى انزعاج شديد في أسواق السلع الأساسية العالمية، ما تسبب في ارتفاع سريع حاد لأسعار العقود الآجلة للصلب وخام الحديد على نحو أدهش المستثمرين الغربيين، الذين كانوا معتادين على تحركات تتبع المبادئ الأساسية للعرض والطلب.

أحد التفسيرات الرئيسة يكمن في السيولة المحاصرة في الصين، الناجمة عن عقود من النمو المزدهر، جنبا إلى جنب مع ضوابط رأس المال وخيارات الاستثمار المحدودة. ويغلب على المال التأرجح بين أسواق الأسهم وأسواق العقارات والعودة مرة أخرى – وأحيانا يسلك طرقا التفافية في الحركة السريعة الغاضبة لعقود السلع الآجلة.

وما عمل على تأجيج هيجان السلع الأساسية الحالي قرار اتخذه المنظمون الصينيون يتمثل في تضييق الخناق على أسواق الأسهم عقب فقاعة في الربيع الماضي. وبحسب هو يانبينج، المحلل لدى موقع الصلب الصيني الإلكتروني “يو ميتال”: “ليس أمام رأس المال ذي النطاق الواسع أي مكان آخر يذهب إليه”.

وفي ذروة حمى السلع الأساسية الصينية في الشهر الماضي، تجاوز عدد عقود فولاذ التسليح المتداولة في شنغهاي أحجام اثنين من خامات النفط القياسية في العالم؛ خام برنت وغرب تكساس الوسيط.

ووفقا لـ “مورجان ستانلي”، البنك الاستثماري الأمريكي الذي يقدر أن 18 من أصل أعلى 25 من العقود الآجلة الأكثر تداولا للسلع الأساسية موجودة الآن في البورصات الصينية: “تجار التجزئة هم الآن المسيطرون بشكل متزايد في مجال التداول”.

الأفراد الذين يتداولون العقود الآجلة الصينية ليسوا عموما هم “جدات شنغهاي” اللواتي يتجمعن في شركات وساطة الأسهم. المتداولون الأفراد الأقوياء، والصناديق التي لديها قدم في الأسواق المادية وقدم أخرى في العقود الآجلة، هم من حدد الاتجاه، بينما يعوم المتداولون الصغار ضمن تعاملاتهم الأكبر حجما بكثير. وغالبا ما يكون هؤلاء المتداولون الصغار هم الشبان الذين يأملون في تحقيق ثروة في سوق مثيرة، لكنها غير مستقرة، وحيث لا تكون العلاقات مع السياسيين أمرا ضروريا.

ويقر أحد التجار بأن “سوق العقود الآجلة للسلع الأساسية تعد السوق الأكثر عدلا في الصين”.

ويعد تداول السلع الأساسية في الصين أمرا بسيطا ومباشرا نسبيا: لإنشاء حساب وساطة لتداول عقود السلع الأساسية الآجلة في الصين يحتاج الشخص إلى تقديم هويته، وفي بعض الحالات تقديم فيديو للتحقق منها، والبيانات المصرفية أيضا. ولبدء التداول يجب إيداع المال. والتداول عبر الإنترنت ممكن أيضا، من خلال منصة أطلقت من قبل مركز مراقبة أسواق العقود الآجلة في الصين في العام الماضي. ويقدر “مورجان ستانلي” أن 160 ألف حساب جديد تم فتحها عبر الإنترنت في الفترة بين تموز (يوليو) 2015 وشباط (فبراير) 2016.

وعملت عودة مستثمري التجزئة على جعل السلع الأساسية هي السوق الأكثر نشاطا في الصين هذا الربيع، ما دق ناقوس الخطر لدى المنظمين الذين يخشون تكرار انهيار حدث في سوق الأسهم في العام الماضي. واستثارت الأحجام الكبيرة زيادة في رسوم المعاملات والمتطلبات الهامشية على العقود الآجلة من أجل تهدئة بعض الحماس. والمستثمرون المؤسسيون الكبار الذين قادوا السباق في وقت مبكر هم الآن في مأزق. وحققت هذه التدابير بعض النجاح. فقد عانت عقود الصلب الصينية الآجلة أسوأ أسبوع لها منذ عام 2009 بسبب تراجع النشاط التجاري. وبلغ حجم التداول في أكثر عقود فولاذ التسليح نشاطا عشرة ملايين عقد تقريبا يوم الجمعة، منخفضا من نحو 22 مليونا في ذروة نشاط التداول قبل أسبوعين.

والخوف الآن هو أن يتحول التراجع في الأسعار إلى انهيار، ما يستثير موجة من الطلبات الهامشية والبيع الإلزامي. وتعني تقلبات الأسعار السريعة ومشاركة المتداولين الأفراد أن أسواق العقود الآجلة الصينية وأسواق الأسهم غالبا ما يطلق عليها وصف “كازينوهات”. وتزايد الاهتمام من قبل المؤسسات الاستثمارية المحلية يمنح الأسواق الصينية نفوذا دوليا أكبر، دون فقدان منطقها الخاص بها. ويقول محللون إن الشرارة التي أطلقت الارتفاع السريع في الأسعار يمكن أن تعزى إلى طفرة ائتمان من إعداد صناع السياسة الصينيين للمساعدة في دعم الاقتصاد. وأدى هذا إلى حدوث ارتفاع في أسواق العقارات والبناء، وإقبال من المستثمرين على المراهنة على خام الحديد والصلب وسط انتعاش في الطلب. لكن أحجام التداول في العقود الآجلة لم تندفع إلى أعلى بشكل كبير إلا عندما بدأ مستثمرو التجزئة بالتكدس فعليا، ما أدى إلى دق ناقوس الخطر بالنسبة للمنظمين. وبالنسبة للمستثمرين والمحللين الغربيين كان هذا بمثابة تذكرة بأن قوة التسعير تتجه شرقا.

يقول تشين كيكسين، محلل العقود الآجلة في شركة استشارات الصلب الصينية “لينج”: “سيأتي يوم، وهو ليس ببعيد، تكون فيه أسعار السلع الأساسية العالمية معتمدة على الحالة المزاجية لبورصات العقود الآجلة الصينية”.