قال محللون مصريون إن معركة الجنيه مع الدولار في أسواق الصرف ستتواصل، ما دامت سياسات الحكومة تحاول معالجة الأعراض الجانبية، بدل مواجهة الأمراض المزمنة.
وأكدوا أن تراجع الجنيه المستمر أمر طبيعي، ما دام متوسط فاتورة الواردات يصل إلى 5 مليارات دولار شهريا، مقابل صادرات بنحو 1.4 مليار دولار.
ويبدو أن الجنيه سيواصل البحث عن نقطة التعادل الصعبة، في ظل عدم وجود سياسات لضبط إيقاع السوق.
وقد انعكس ذلك في اتساع الفجوة بين السعر الرسمي للدولار البالغ 8.88 جنيهات، وسعره في السوق السوداء البالغ أكثر من 11 جنيها، بفرق 25 بالمئة، وهي فجوة كبيرة تعكس مشكلة كبيرة في تقييم العملة المصرية، وتؤكد الخلل الفاضح في الأداء الاقتصادي العام.
ويرى الخبراء أن واقع الأزمة يؤكد أن الجنيه لايزال مقيما بأعلى من قيمته، وهو ما يفاقم فاتورة الالتزامات التي تدفعها الحكومة، لتلبية الطلب على الدولار، في ظل شحة موارده وخاصة من قطاع السياحة.
ويبلغ حجم الالتزامات الخارجية خلال شهر يوليو المقبل نحو 1.8 مليار دولار، منها مليار دولار لدولة قطر ونحو 800 مليون دولار لصالح نادي باريس.
وتتوقع القاهرة وصول الوديعة الإماراتية البالغة نحو ملياري دولار لدعم الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي قبيل نهاية الشهر الحالي.
وقال عمرو الألفي رئيس قسم البحوث في شركة مباشر – مصر للاستثمارات المالية، إن ارتفاع أسعار السلع حاليا يؤكد أن قيمة الجنيه الحالية أعلى من قيمته المتداولة في البنوك.
وأضاف لـ“العرب” إن التقييمات العالمية للجنيه في سوق العقود الآجلة تؤكد أن الدولار يعادل في أجل عام من الآن نحو 10.60 جنيهات، ما يؤكد أن انخفاض الجنيه حتمي على المدى الطويل.
وتؤكد تلك التقييمات أن ذلك السعر هو ما ينبغي أن يكون عليه السعر الرسمي للجنيه، ويعزز التكهنات بأنه سينخفض خلال عام بنسبة 19.4 بالمئة.
وأضاف الألفي أن النظريات الاقتصادية تشير إلى أنه كلما ارتفع معدل التضخم في مصر، مقارنة بمستوياته في الدولة التي يرتبط الجنيه بعملتها، أي الدولار، من الطبيعي أن تضعف العملة المصرية مع مرور الوقت.
وبلغ معدل التضخم في مصر نحو 8.4 بالمئة بنهاية مارس الماضي، فيما يصل في الولايات المتحدة إلى حوالي 1.5 بالمئة فقط، ولذلك فإن ضعف العملة المصرية “منطقي” على المدى الطويل.
وأشار الألفي إلى أن العطاءات الدولارية التي يطرحها البنك المركزي للمصارف لتوفير العملة الصعبة للمستوردين، تحكمها كمية الدولارات المتاحة لديه، وتقتصر حاليا على عطاء أسبوعي واحد بقيمة 120 مليون دولار، لعدم توافر الدولار في البلاد.
وأوضح أن البنك المركزي قد يضطر إلى اللجوء للوديعة الإماراتية لسداد تلك الالتزامات، لتوفير حل مؤقت لمشكلة سعر الصرف المزمنة.
وذكر أن إجراء خفض جديد لقيمة الجنيه لن يقدم حلا نهائيا للأزمة الحالية، وأنه ينبغي على السياسة المالية أن تبحث عن حلول تشريعية تساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية، بدلا من الاعتماد على القروض والودائع التي تذهب ضمن مصروفات الدولة، ولا تضيف شيئا للاقتصاد.
وقال الخبير الاقتصادي هشام توفيق لـ“العرب” إن نظرية “فيشر” الاقتصادية تؤكد أن سعر الصرف بين عملتين على المدى الطويل لابد أن يعكس فارق التضخم في الدولتين.
وأضاف “إذا افترضنا أن فارق معدل التضخم بين مصر والولايات المتحدة يبلغ نحو 8 بالمئة في المتوسط خلال السنوات العشر الماضية، ثم أخذنا سعر صرف الجنيه أمام الدولار خلال عام 2006 عند 5.5 جنيهات، فإن السعر الطبيعي للدولار اليوم يفترض أن يكون عند 11.87 جنيها للدولار.
وأشار إلى أن هذه المعدلات قد تكون صادمة، لكنها حقيقة علمية، وهذا هو المتوقع بعد سنوات طويلة من التضخم المرتفع والعجز الهيكلي في الموازنة وتجاوز الدين العام حاجز 100 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وقدرت وكالة موديز للتصنيف الائتماني إجمالي الدين العام منالناتج المحلي عند مستوى 107 بالمئة، فى حين أن التقديرات الحكومية تشير إلى أن نسبة الدين العام المحلي والخارجي من الناتج المحلي الإجمالي عند 96.5 بالمئة.
وقال محمود القيسي رئيس غرفة التجارة المصرية الفرنسية إن مصر تحتاج إلى خطة محددة المعالم لزيادة مواردها الدولارية لحل مشكلة العملة، التي تعاني من خلل كبير يتمثل في زيادة الطلب مقابل نقص العرض.
وأضاف لـ“العرب” أنه “رغم تقديرنا للجهود المبذولة لحل المشكلة، فإن هذه الجهود تبقى جهودا فردية، وما نحتاجه عمليا هو جهود دولة بالكامل”.
وأشار إلى أن “الأزمة مستمرة طالما أن مصر غير قادرة على إنتاج الغذاء، وتشجيع الصناعات المغذية بدلا من استيراد مكونات الإنتاج”.