كتب صلاح تقي الدين في صحيفة “المستقبل”:
كان لافتاً الزخم الذي رافق مواكبة الصحافة الأجنبية للانتخابات البلدية والاخيتارية التي بدأت أولى فصولها في محافظتي بيروت والبقاع الأحد 8 أيار، بعدما كان لبنان شبه غائب عن الأخبار العالمية “انتخابياً” رغم مرور عامين إلا بضعة أيام على الفراغ الرئاسي وتمديد ولاية مجلس النواب أربع سنوات، حيث لم يشكّل هذان الحدثان سوى “مادة عادية” على كبريات الصحف العالمية ووكالات الأنباء الدولية.
وكانت التحضيرات لهذه الانتخابات مادة “دسمة” لتقارير وسائل الاعلام العالمية مثل محطة “سي أن أن” التي “رابط” مندوبوها في لبنان منذ مطلع الأسبوع الماضي، كما في التحليلات التي نشرتها كبرى وكالات الأنباء الدولية مثل “وكالة الصحافة الفرنسية” و”رويترز” و”أسوشيتد برس”، والتحقيقات التي نشرتها صحف عريقة مثل “نيويروك تايمز” و”واشنطن بوست” و”لوموند”.
وفي حين أن لبنان الذي يعاني أزمة مؤسساتية تتمثّل بتعطيل شبه كامل للحياة الديموقراطية فيه، و”يحتفل” بالذكرى الثانية لشغور موقع الرئاسة الاولى بعد بضعة أيام، لم يحظ هذا الفراغ سوى بتغطية إخبارية “عادية” خلال الأسابيع الأولى فقط منه، إذ أن وكالات الأنباء دأبت بعد عدم اكتمال النصاب الدستوري المطلوب لعقد جلسات الانتخاب الرئاسية، على “أداء الواجب” من حيث الاشارة إلى عدم انعقاد الجلسة والتاريخ المحدد للجلسة المقبلة.
وحتى الانتخابات النيابية التي كانت مقررة في حزيران من العام 2013 وتم تأجيلها للمرة الأولى إلى تشرين الثاني من العام 2014، قبل أن يمدّد المجلس النيابي لنفسه مرة ثانية ويؤجل الانتخابات حتى حزيران من العام 2017 ليصبح ممدداً له لولاية نيابية كاملة من أربع سنوات، فهي لم تحظ بالتغطية الاعلامية الأجنبية المناسبة مع “فداحة” تعطيل اللعبة الديموقراطية، لا بل أنها مرّت مرور الكرام وتناولتها وسائل الاعلام كـ“خبر عادي”.
غير أن المتابع لحركة السفراء الأجانب المعتمدين في لبنان منذ أكثر من شهرين والاجتماعات المتلاحقة التي عقدوها مع وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، والتصريحات التي كانوا يدلون بها عقب هذه الاجتماعات من حيث تمسّك الدول التي يمثّلونها بلبنان وبعمل مؤسساته الدستورية، يستخلص اهتماماً دولياً بالغاً باستمرار المظهر الأخير من مظاهر “الديموقراطية اللبنانية” من حيث تنظيم الانتخابات البلدية، ما انعكس على اهتمام الصحافة الأجنبية وإفرادها حيزّا مهماً من صفحات جرائدها وتوالي وكالات الأنباء العالمية على إبراز أخبار التحضيرات المواكبة للانتخابات وإجراء المقابلات الدورية مع المعنيين بها.
وزاد من اهتمام الصحافة الأجنبية بهذه الانتخابات، إشادة الديبلوماسيين الغربيين بعمل الوزير المشنوق الذي ظلّ يصر حتى اللحظة الأخيرة على بإجراء هذه الانتخابات في موعدها، و”أطاح” بذلك بكل الشكوك التي كانت تعتري نفوس اللبنانيين من إمكانية تأجيل الانتخابات، وهي أطاحت حتماً بـ“لا مبالاة” الصحافة الأجنبية بلبنان وتقديمها كأولوية في تغطيتها الاخبارية.
وكان لافتاً نشر صحيفة “نيويورك تايمز” خبراً يتناول هذه الانتخابات في عددها أمس، إذ اعتبرت أن لبنان “ينظّم الانتخابات البلدية والاختيارية للمرة الاولى منذ العام 2010، رغم أن الحكومة اللبنانية أعلنت تأجيل الانتخابات النيابية بسبب المخاوف الأمنية المرتبطة بالنزاع القائم في سوريا”، مضيفة أن “اهالي بيروت يتوجهون إلى صناديق الاقتراع بعد أن غرقت مدينتهم في أزمة نفايات استمرت ثمانية أشهر، وأثارت موجة اعتراضات شعبية عارمة”.
وبإشارتها إلى أزمة النفايات، أرادت الصحيفة إظهار تعلّق اللبنانيين عموماً وأهالي بيروت خصوصاً بأهمية ممارسة حقهم الدستوري والديموقراطي بانتخاب مجلس بلدي يحقق لهم طموحاتهم، ويزيل عن كاهلهم عبء أزمة النفايات، وهو الشعار الذي رفعه الرئيس سعد الحريري أثناء مهرجان انتخابي دعماً للائحة “البيارتة” حين قال “لن أسمح بأن تغرق بيروت بالزبالة بعد اليوم”.
غير أن صحيفة “لوموند” بالمقابل اعتبرت في تحقيق نشرته على موقعها الالكتروني أمس، أن أهالي بيروت “يرون في الانتخابات البلدية نسمة هواء عليل في اللعبة السياسية وهزّة بسيطة للمؤسسة اللبنانية”، معتبرة أن اللائحة التي تنافس اللائحة “التقليدية للأحزاب في بيروت هي لائحة تضم ناشطين في المجتمع المدني يرغبون في الحصول على فرصة للتغيير”.
وأجمعت الصحافة الأجنبية على اعتبار الانتخابات البلدية “مناسبة لإسقاط كل الذرائع والحجج التي كانت وراء قرارات الحكومة اللبنانية في تأجيل الاستحقاق النيابي”، وان “نجاح وزارة الداخلية في إجراء هذه الانتخابات مؤشر هام وجدّي على قدرتها في تنظيم الاستحقاقات الدستورية التي تسمح بعودة اللعبة الديموقراطية، وعلى عودة لبنان إلى واجهة الدول الديموقراطية في الشرق الأوسط”.