Site icon IMLebanon

بيروت الأولى.. مياه أرقام الصناديق تُكذِّب “الانتصار النظيف”

 

 

 

كتبت كلير شكر في صحيفة “السفير”:

لن يكون بمقدور الشمبانيا ولا المفرقعات الاحتفالية، أن تغطي «عورة» النتائج التي أخرجتها صناديق الاقتراع في بيروت، وتحديداً في الدائرة الأولى (الأشرفية، الرميل، والصيفي) ولا أن تحجب العِبر المفترض قراءتها بين سطور الأرقام.

ومهما حاول تحالف الأحزاب تقديم انتصاره على طبق إنجاز يقول إنه حققه في الأحياء البيروتية، بعد انتخاب لائحتَيه البلدية والاختيارية، سيكون على هذه القوى مجتمعة، وتحديداً المسيحية منها، اعادة درس الأرقام التي سجلتها صناديق الاقتراع، لفهم إشارات الإنذار التي سبق ووجها البيروتيون، وفي أكثر من مناسبة حراكية، وآخرها استحقاق يوم الأحد.

وبعدما راحت «سكرة» الفوز سيكون وقت «الفكرة»، على أن تكون بدايتها من جدول أرقام التصويت في الدائرة الأولى الذي يحمل الكثير من الرسائل، خصوصاً بعدما تبيّن أنّ لائحة «بيروت مدينتي» حصدت ما يوازي 60 % من مجموع أصوات المقترعين المسيحيين في هذه البقعة المسيحية، ما يعتبر مؤشراً بارزاً يفترض بأصحاب العلاقة أخذه بالاعتبار.

هكذا، يقول أحد المعنيين إنّ الغوص في توجهات الناخبين البيروتيين، وتحديداً في الأشرفية ومحيطها، يعيد التذكير بأنّ المناخ العام للبيروتيين لا سيما المسيحيين منهم، لم يعد «في الجيب»، كما تعتقد القيادات المسيحية، التي عجزت مجتمعة عن تحقيق الـ40%. وللإِشارة هنا، فإنّ الصوت الأرمني في هذه الدائرة، وتحديداً «الطاشناق»، هو الذي حقق كل الفرق ولعب دور الرافعة للائحة.

وهذا يدل على أن النبض العام في الشارع المسيحي صار في مكان آخر تعجز الأحزاب المسيحية عن اللحاق به، حيث كان ينتظر من هذه القوى أن تشكل بتفاهمها موجة تأييد عارمة تأكل أخضر الأصوات ويابسها، لا أن تتكل على أصوات الدائرتين الثانية والثالثة كي تحتفل بالفوز.

عملياً، لم تأتِ صناديق الاقتراع بما هو مناقض لإشارت الشارع الذي سبق له أن وجّه أكثر من إنذار من خلال الحراك المدني، ليقول إنّ البضاعة التي تقدم له في السوق السياسي لم تعد جذابة، ولا بدّ من مشروع جديد أو فكرة جديدة تعبّر عن تطلعاته.

ولهذا يقول أحد قيادي «التيار الوطني الحر» في العاصمة إنّ هيئة بيروت الاولى في الحزب حاولت اقناع قيادتها، وتحديداً نائب الرئيس نقولا صحناوي بأنّ الانضمام الى قافلة التفاهم البيروتي على قاعدة المحاصصة، ليس صحياً لأنه غير مبرر وغير مقنع، لا سياسياً ولا بلدياً اذا ما انتهى الى تخصيص العونيين بمقعد أو مقعدين.

واذا ما حصل، كما يروي القيادي، فيفترض أن يحصل على أساس برنامج انتخابي (للإشارة فإنّ التيار لم يكبد نفسه عناء وضع برنامج بلدي كما فعل في العامين 2010 و2004) مبني على جردة نقدية مشتركة مع «تيار المستقبل» للخروج بخلاصات تُقنع الجمهور بهذا الخيار، أو على أساس حصة وازنة تعطى للبرتقاليين يكون بمقدورها التعويض عن هذا البرنامج.

وقد يكون هذا السقف هو الذي صعّب المفاوضات عشية فتح صناديق الاقتراع لدرجة أن بعض القوى البيروتية راحت تعد للمعركة على أساس أن «التيار العوني» خارج التفاهم، خصوصاً أن الصحناوي وعد هيئة بيروت الأولى بأنه لن يقبل بأقل من نصف الأعضاء المسيحيين.. الى أن انتهت المفاوضات بدخول حزبي عوني واحد الى اللائحة، وألحق بمرشح آخر بعدما رتبت له البطاقة الحزبية على عجل.

هكذا عبّرت صناديق الاقتراع عما رفضت القيادات السياسية سماعه، خصوصاً أنه بدا جلياً أن عونيي العاصمة لم يقوموا بجهد استثنائي، كان مطلوباً منهم، لإقناع الناخبين بعكس الخيارات الانتخابية التي أتوا بها الى خلف ستارات أقلام الاقتراع، وتُركوا على سجيتهم يصوتون إمّا لشربل نحاس او لـ «مدينتي».

وقد تكون هذه النتائج أيضاً، مدخلاً لإعادة فتح النقاش حول قانون الانتخابات، وتحديداً في بيروت التي تقسّم نيابيا الى ثلاث دوائر فيما تحصر ببلدية واحدة، يؤدي فيها الخلل الديموغرافي الى رمي 65% من أصوات المقترعين المسيحيين في واحدة من كبريات مناطقها، في سلّة المهملات حتى لو تزيّن مجلسها البلدي بـ12 عضواً مختارين من القوى المسيحية.

ومع ذلك، فإنّ أبرز تجليات المعركة الانتخابية في العاصمة، كانت في استحقاق المخاتير في الأشرفية، الصيفي والرميل المخصصين بـ28 مختاراً. اذ بينما كان يُنتظر من طبّاخي اللائحة التوافقية أن ينسجوا مقاربة مختلفة لتسمية مرشحي المخترة ويرتقوا بهم لتقديم نماذج بمستوى العاصمة ليكونوا بمثابة ضابطة عدلية كما ينصّ القانون، راحوا باتجاه تسمية مرشحين «موظفين» بعدما وضعوا أيديهم بماء بارد يقيهم شرّ مفاتيح العاصمة ومخاتيرها التقليديين، نتيجة القوة الفائضة التي يؤمنها التحالف الواسع… فوقعت الأحزاب في مستنقع الصراعات داخل البيت الواحد وأصابت الشظايا كل من شارك في الطبخة.

عونياً، تفيد الرواية إنّه مع بدء المفاوضات قيل للهيئة إنّ «التيار» سيخرج مع حليفه الأرمني بحصة النصف، أي 14 مختاراً في الأشرفية والرميل والصيفي، خصوصاً أنه تمكن في العام 2010 من تأمين 7 مخاتير في الرميل وخسر في الأشرفية بفارق 300 صوت فقط، ما يعطيه هامشاً كبيراً للمناورة.

هكذا، ارتفع سقف التوقعات وتكدّست ترشيحات العونيين وأصدقائهم لتتخطى الـ15 ترشيحاً، فما كان من الصحناوي الا التأكيد أمام هيئة التيار أنه سيعود اليها كونها صاحبة الصلاحية وفق النظام الداخلي لـ «التيار» (للإشارة فإن الرابية تتحجج بخيار الهيئات المحلية انتخابياً لتخالف خيار النواب في بعض البلدات)، والاتفاق على الاسماء بعد التفاهم مع القوى الحزبية الأخرى على حصة «التيار». ولكن قبل ساعات من فتح صناديق الاقتراع، تفاجأت الهيئة بتبليغها بلائحة الأسماء (2 في الأشرفية، 2 في الرميل، وواحد في الصيفي)، ما وضعها في موقف محرج مع بقية المرشحين العونيين والأصدقاء.. ما دفعها الى اتخاذ قرار جريء، كما يصفه أحد قياديي العاصمة العونيين، بعدم الإخلال بالتحالف السياسي دعماً لـ «القوات» و «الطاشناق»، ولكن مع ترك الحرية لمناصريهم باختيار مرشحيهم العونيين شرط أن لا يتخطوا حصة «التيار» المحددة في التفاهم.

ومع ذلك، فقد اتخذت معركة المخترة في الرميل طابعاً خاصاً بالنسبة للعونيين بعدما اختار الصحناوي فادي ناكوزي، الذي خاض سابقاً معركة منسقية الرميل في «التيار» وخسر، فأصرت هيئة القضاء على خوض معركة ايلي نصار الذي استبعد من الائتلاف، بوجه ناكوزي، وعلى عينك يا تاجر.. ما أدى الى وقوع الإشكالات بين عونيي العاصمة وهؤلاء الذين استقدمهم الصحناوي، كما يقول عونيو هيئة بيروت، من خارج العاصمة ليشكلوا الماكينة الانتخابية.

ولهذا يفاخر عونيو بيروت بـ «السكور» الذي حققه نصار في الرميل حاصداً نحو 1100 صوت مسيحي بينما حصل آخر الفائزين على 2400 صوت وأول الرابحين 3400 صوت بينهم أكثر من 600 صوت أرمني.

هكذا، يبدو أن قيادة «التيار» بصدد احالة زياد عبس وبعض قياديي العاصمة الى مجلس التحكيم في الحزب، مع العلم أنّ أياً منهم لم يبلغ حتى الأمس بأي قرار رسمي. خطوة لا بدّ منها بالنسبة لجبران باسيل لأنه ليس بمقدوره أن يسمح بحالة تمرد من هذا النوع وان كانت مغطاة بالنظام الداخلي، لأنها في ما لو لم تُلجم، ستتكرر في مناطق أخرى وسيكبر حجرها مع الوقت.

بالنتيجة، أولى الخلاصات الممكن تسجيلها على هامش استحقاق العاصمة، هي تغيّر الستاتيكو السياسي في بيروت، فالمخاتير الذين كانوا يتخاصمون بسبب السياسة صاروا رفاقاً جمعتهم مصيبة الإبعاد، وبعدما كان ميشال فرعون بمثابة ضابط ايقاع في الدائرة الأولى، صار بفعل التركيبة الجديدة «مغضوبا عليه» من عدد كبير من مفاتيح المنطقة ومخاتيرها السابقين.. وباتت الساحة مفتوحة على حراك سياسي مختلف.