Site icon IMLebanon

دروس في القيادة: أسرار فوز ليستر سيتي بالدوري الإنجليزي

LeicesterRanieri
أنجيلا هينشال

حقق نادي ليستر سيتي الإنجليزي لكرة القدم أحد أكبر الانتصارات الرياضية في تاريخه، ويعد الفوز انتصارا لفكرة التوظيف الذكي والأمثل للإمكانيات على فكرة الهوس بتحليل البيانات التي تسود مجال كرة القدم حاليا.
واستطاع فريق ليستر سيتي الإنجليزي لكرة القدم من خلال الفوز الأخير الذي حققه أن يضمن لأعضائه مكسبا يفوق 150 مليون جنيه استرليني (217 مليون دولار)، وفقا لشركة “ربيوكوم” لتحليل البيانات.
لكن كيف تمكن فريق صغير في بريطانيا من أن يقتنص مثل هذا الفوز الذي يمثل أحد أهم الإنجازات الرياضية لذلك الفريق على الإطلاق. ففي هذه الفترة التي يتحكم فيها أصحاب المال والأعمال في أندية كرة القدم، يكون من المستحيل تقريبا أن يهزم يتغلب فريق من الفرق الصغيرة على ذلك النظام القائم.
كانت احتمالات فوز نادي ليستر سيتي بالدوري الإنجليزي الممتاز في شهر أغسطس/آب 2015 أقل بنحو خمسة أضعاف من الاحتمالات التي يحظى بها فريق مثل مانشستر يونايتد بقياده مديره الفني السير أليكس فيرغسون، وفقا لوكالة “لادبروكس”.
وتعد قصة الفوز هذه قصة أسطورية لدرجة ظهرت معها بعض الشائعات التي تقول إن هوليود تخطط لإنتاج فيلم سينمائي عن ذلك الفوز، ليحكي قصة صعود نجم الفريق المهاجم جيمي فاردي، الذي كان قبل ذلك مجرد عامل في أحد المصانع، حتى وصل إلى اللعب في نادي ليستر الإنجليزي.
لكن هل كان الأمر عصيا على الفهم بالفعل؟ نجيب عن ذلك السؤال من خلال تحليل أربعة أسرار وراء ذلك الفوز غير المتوقع.

التوظيف الذكي

لقد أصبح المخططون الماليون يلعبون دورا في غاية الأهمية داخل الأندية الرياضية هذه الأيام. فهؤلاء الأشخاص الذين يعشقون لغة المحاسبة والأرقام، مثل هؤلاء الذين يعملون في نادي مانشستر يونايتد، يساعدون في التوصل إلى التشكيلة “الممتازة” للفرق الرياضية التي يمكنها تحقيق الفوز بأكبر البطولات، والتي غالبا ما تضم لاعبين تقدر أسعارهم بعشرات الملايين.

وعلى سبيل المثال، كانت تكلفة الفريق الأساسي لأبطال نادي تشيلسي تصل إلى 215 مليون جنيه استرليني (310 ملايين دولار). بينما كانت ميزانية نادي ليستر الصغيرة التي تقدر بنحو 57 مليون استرليني (أقل من 35 مليون دولار) تنفق من خلال استخدام طريقة تقليدية قديمة، وهي التجول عبر أندية وبطولات أقل شهرة للبحث عن موهوبين أقل تكلفة.
وقالت جيني أمالفي، مديرة التدريب والتنمية بشركة “إيرسويفت” للتوظيف: “إن القدرة على الوصول إلى الأشخاص المناسبين، في الوقت المناسب، وفي المكان المناسب، وبالتكلفة المناسبة، يمكن أن يعني الفرق بين النجاح والفشل بالنسبة لأي مشروع”.
وتعتقد أمالفي أن نجاح فريق ليستر اعتمد بشكل كبير على التأكد التام من أن كل شخص ضمه النادي إليه وضع في مكانه المناسب.
وأضافت: “إنه فريق منظم جدا، ولكل عضو فيه دور محدد بوضوح، وهو أمر تسعى الكثير من الفرق والمؤسسات جاهدة لتحقيقه”.
كان المهاجم الرئيسي للفريق اللاعب جيمي فاردي أحد أهم اللاعبين الأقل سعرا، والذي تمكن النادي من ضمه إلى صفوف الفريق.
فبعد أن وقع فاردي عقده لصالح ليستر قادما من نادي “فليتوود تاون” الأقل شهرة مقابل مليون جنيه استرليني، أصبح الهداف الأول للفريق، بعد أن سجل 22 هدفا في هذا الموسم.
وكان رياض محرز مثالا آخر، والذي كان يعتبره البعض في وقت من الأوقات ضعيفا جدا لدرجة يصعب معها أن يكون لاعبا مميزا.
ومع أن محرز وقع عقده لنادي ليستر قادما من نادي “لو هافر” الفرنسي الذي يلعب في دوري الدرجة الثانية، كان الفريق الفني لنادي ليستر قد حضر لاختيار لاعب آخر للتعاقد معه في ذلك اليوم، لكن محرز استطاع أن يخطف أنظارهم بمهارته اللافته، فتعاقدوا معه.

استغل ما لديك من نقاط القوة

وقالت أمالفي: “بدلا من الرد على تكتيكات المعارضين وخططهم، اختار فريق ليستر اللعب بكل ما لديه من نقاط القوة، وتجاوز المعارضين، والدفاع بإحكام”.

ويقول خبراء إن ذلك النهج يُظهر فريقا يُسخر بطريقة بارعة ما لديه من “قدرات أساسية”، والتي تعرفها مجلة هارفارد بيزنس ريفيو على أنها المصدر الرئيسي للقدرة التنافسية لأي شركة أو مجموعة.

جلب قائد مخضرم يتمسك بوسائل القوة

كان المدرب كلاوديو رانييري، وهو المدرب السابق لنادي تشيلسي لكرة القدم، ينتظر 30 عاما من أجل أن تأتي اللحظة التي يظهر فيها كنجم لامع تحت الأضواء بعد تحقيق ذلك الفوز الكبير.
كان رانييري يركز جهوده في نادي ليستر على رعاية الموهوبين الموجودين داخل صفوف الفريق.
ويوضح كريس روبرتس، مدير التدريب بشركة “أكسيليريتنغ اكسبيرينس” للاستشارات أن جميع أعضاء فريق رانييري لم يكونوا من الفائزين كلهم، “لكن حركة استكشاف اللاعبين التي يقودها أشخاص مخضرمون، والتأكيد على عنصر الشباب، وجلب لاعبين منخفضي التكلفة يتصفون بالعمل الجاد، قد ساعد الفريق في تحقيق الاستقرار والحفاظ على عناصر القوة لديه”.
لقد نفذ رانييري 27 تغييرا فقط في صفوف الفريق الرئيسي خلال هذا الموسم بأكمله، وهي أقل تغيرات جرت في تاريخ كرة القدم. وكان الفريق ملتزما بتطوير كل لاعب على حدة، وكعضو في الفريق أيضا، مما قدم لكل لاعب فرصة لأن يكون ذا حماسة، واجتهاد، وفي نهاية المطاف أن يكون فائزا كلاعب في التشكيل الرئيسي.

كان تركيز رانييري على الشعور بوجود الهدف قد “ساعد في تقوية أعضاء الفريق ودفعهم إلى الأمام،” كما يقول كريس أندروود، المدير الإداري لشركة “أداستروم كونسلتنغ” للبحوث التفيذية.
وكان أسلوب رانييري في العمل يثير الحماسة وروح الالتزام والتركيز بين أعضاء الفريق على “ترك إرث عظيم – وهو ما فعله رانييري بكل تأكيد”.
فبدلا من عرض أموال كبيرة وسيارات فيراري الفاخرة على اللاعبين، كانت استراتيجية رانييري تدرو حول تقديم حوافز بسيطة تشمل السماح للاعبين بتناول البيتزا (وقد وفى بوعده بمنح الفريق وجبة غداء من البيتزا بعد الفوز).

سياسة النفس الطويل

وقال ستيوارت بودمور، مدير مقترحات الاستثمار بشركة “شرودر” لإدارة الأصول، إن هناك دروسا في الصبر والاستثمار الاستراتيجي يمكن تعلمها من ذلك الفوز الذي حققه نادي ليستر.
فقد تمسك النادي بخطة النجاح “طويلة الأجل” والتي تتمتع بحسن التخطيط، ومن خلال خطة تدوير بسيطة، وغياب للشعور بالخوف.
لم يكن رانييري يجري تغيرات كثيرة، وقد ذكر أنه ليست لديه نيه للسعي وراء الأسماء الكبيرة الآن، وأن النادي يراقب القوائم المتعلقة بالأموال وبأسعار اللاعبين.
لكن أندروود من شركة “أداستروم” قال إن بحوثا في مجال القيادة وريادة الأعمال تفيد بأن الشعور بالهدف يمكن أن يكون له تاثير كبير على الإنجاز، وأن هناك لحظة ستأتي يتحقق فيها الهدف الذي كان يسعى إليه القائد.
وستظل هذه الفكرة تنطبق في المستقبل سواء على رانييري أو غيره من القادة.