بروز اسم رجل الاعمال عمر الحلاب كمرشح لرئاسة المجلس البلدي في طرابلس، لا يتصل فقط بتوافق القوى المسيطرة في عاصمة الشمال عليه، بل أيضا لارتباطه بمشاريع ردم البحر التي جرى تسويقها في السنوات الاخيرة… ففي ذروة الانشغال بالانتخابات البلدية، قفز مشروع الواجهة البحرية لمدن الفيحاء الى الواجهة مجدداً، وأصبح مقياساً لرضى القوى المسيطرة، أو عدم رضاها، عن الأسماء المرشحة
ناريمان الشمعة
منذ مدّة قصيرة، اعلن وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس المضي في تنفيذ مشروع على الواجهة البحرية، يمتد على سبعة كيلومترات، من دون ان يقدّم أي تفاصيل.
في الواقع، تطور هذا المشروع مع الوقت، وبات يتضمن كل المطامع بالاستيلاء على الأملاك العامة البحرية وتحويلها الى مصدر للريوع والثروات غير المشروعة.
فيما يلي أبرز المشاريع المطروحة لردم البحر التي يتوقع أن يبتّها مجلسا بلديتي طرابلس والميناء الجديدان:
استراحة طرابلس البحرية
في خضم الانشغال بالانتخابات المقبلة، وفي غفلة من أعين المراقبين، تجري على قدم وساق اعمال الردم على طول الشاطئ الممتد من أمام حدود طرابلس العقارية مع الميناء إلى حدود طرابلس العقارية مع وادي هاب، في المنطقة المواجهة للملعب الأولمبي. وبحسب المعلومات، فإن شركة “الجهاد للتجارة والتعهدات JCC ” هي التي تنفذ هذه الاعمال، وقد تقدمت الشركة اخيرا بكتاب لبلدية طرابلس تلتمس فيه السماح لها بوضع الردم الناتج من أعمال تنفيذ البنية التحتية في طرابلس في الموقع المخصص لاقامة حديقة عامة بالقرب من الملعب الأولمبي، متعهدة فلش الردم وتسويته على نفقتها، وقد أشارت بكتابها إلى وجود مرسوم بإنشاء حديقة بلدية في الموقع!
بناء على ذلك، تقدم رئيس لجنة البيئة في المجلس البلدي، جلال حلواني، باقتراح يتضمن ردم المنطقة المذكورة على أن تكون حديقة عامة مفتوحة للعموم من دون أي بدل مالي، يطلق عليها “استراحة طرابلس البحرية”. واتخذ المجلس البلدي القرار الرقم 242 بتاريخ 14/3/2016، وهو يؤكد على القرارين الرقم 345/2010 و 167/2000 القاضيين بردم “قسم” من المنطقة المشار إليها، بمساحة تبلغ 45 ألف م2، وإشغال مساحة تقارب الـ 130 ألف م2، وإحالة الطلب إلى وزارة الأشغال العامة والنقل، علماً أن البلدية سبق أن استحصلت على موافقة المجلس الأعلى للتنظيم المدني لتعديل التخطيط وإشغال الأملاك العامة البحرية، كبدل عن المساحة المقتطعة من الأملاك البلدية العامة التي أُنشئ عليها الملعب الأولمبي سابقا، مع اشتراط بقاء المساحة المردومة غير قابلة للاستثمار، ومفتوحة للعموم، دون أي بدل، وحرة من أي انشاءات، الا ان هذه الموافقة سقطت بعد مرور 3 سنوات على صدورها من دون إصدار مرسوم يجيز ردم البحر.
وكانت الشركة المذكورة قد باشرت بالفعل تنفيذ عملية الردم قبل التقدم بطلب للبلدية، وهي التي اختارت الموقع، فيما استجابت البلدية لطلبها، وحركت في آخر ولايتها مشروع الحديقة القابع بالأدراج منذ عام 2000… ولكن هل أعطى المجلس البلدي موافقة صريحة للشركة لوضع الردم في الموقع؟ وهل يحق له اتخاذ هذا الإجراء قبل الحصول على موافقة المجلس الأعلى للتنظيم المدني ووزارة الأشغال مجدداً؟ القرار الصادر عن المجلس لا يتضمن اي من هذه الاجوبة، وهو، على اي حال، يخالف القانون لاستباقه الموافقات المطلوبة.
Tripoli Sea Land
الموقع المزمع إنشاء الحديقة عليه، هو نفسه الموقع الذي جرى اختياره لاقامة مشروع “تريبولي سي لاند”، اي في المنطقة الارتفاقيةP10 التابعة لبلدية طرابلس، والمجاورة للملعب الأولمبي، ويشير التصميم المبدئي المقدم للبلدية للاستحصال على التراخيص لهذا المشروع، الى أنه يسعى لبناء 24 مبنى سكنياً بارتفاع يفوق الـ 50 متراً (14 طابقاً)، وبرجين بارتفاع 80 متراً لكل منها (24 طابقاً)، بمجموع 856 شقة، إضافة إلى فندق 4 نجوم مكون من 4 طبقات و70 غرفة و81 شاليه، اضافة الى مركز تجاري، محطة وقود، مسابح وملاعب تنس… وذلك على مساحة 140 ألف م2، 53 ألف م2 منها يمتلكها اصحاب المشروع، أما باقي المساحة، فسيستولي عليها من الأملاك العامة البحرية والبرية بامتداد 350 م² في البحر.
يصنف هذا المشروع بنسبة 70 بالمئة منه سكني والباقي سياحي – تجاري، ويفترض به تشغيل حوالى 253 عامل في أوقات الذروة – أي عمالة مؤقتة – بحسب الكتاب المقدم من مؤسسة إيدال (مؤسسة حكومية لتشجيع الاستثمار) الداعمة للمشروع، وذلك بخلاف ما أشيع عن إتاحة آلاف فرص العمل. وبالاستناد الى التقارير المرفوعة الى المجلس البلدي، ينطوي هذا المشروع على 40 مخالفة هندسية، بيئية وقانونية، وهو ما أشارت إليه تقارير دائرة الدروس في البلدية وكل من لجنتي الهندسة والبيئة في المجلس البلدي، أبرزها: الاعتداء على الأملاك العامة البحرية، وزيادة عامل الاستثمار من 1.2 إلى 3.2، ومما جاء في تقرير البلدية حول الأثر الإقتصادي للمشروع فإن زيادة عامل الاستثمار ستفيد أصحاب المشروع بأكثر من 133 مليون دولار دون أي مقابل أو استفادة للبلدية، كما ستؤثر سلباً في أصحاب العقارات في المنطقة، إضافة إلى ملاحظات أخرى حول احتياجات المشروع للمياه والكهرباء والسير وتراخيص خاصة لمحطة الوقود.
تجاهل الرأي الهندسي والإصرار على تمرير هذا خلال السنوات الماضية، كان أحد أهم أسباب استقالة رئيس اللجنة الهندسية في المجلس البلدي المهندس عبد الله الشهال، وقد تحركت ضد المشروع حملة “بحرنا برنا” وعدد من الهيئات المدنية ونجحت هذه الحملة بتعطيل التصويت عليه 16 مرة في عام واحد إلى أن جُمِّد وتوقف طرحه بانتظار المجلس البلدي الجديد.
مدينة الواجهة البحرية
في الواقع، يعدّ مشروع “تريبولي سي لاند” أحد مشاريع شركة “Summer Sand” المملوكة ليوسف فتال، وهو أحد مؤسسي شركة “طرابلس القابضة للتنمية TDH”، التي تضم كلا من النائب روبير فاضل، توفيق دبوسي، إلياس أيوب، أنس مالك الشعار، زياد منلا، طلال عنكليس، وليد الحجة، أسامة قبيطر، سعيد حلاب، سامر حلاب وعمر حلاب، إضافة إلى شراكة بعض السياسيين في الظل. هذه الشركة القابضة أنشأت خصيصاً في عام 2012 لتنفيذ مشروع ضخم تحت اسم “مدينة الواجهة البحرية”، يسعى لردم مليون متر مربع من شواطئ طرابلس والميناء من اجل الاستيلاء على الاملاك العمومية البحرية وتشييد مباني سكنية وتجارية ومنشآت سياحية ومرفأ يخوت وحاضنات أعمال.
وقد طرحت الشركة القابضة تصاميم تسويقية لمجمع تشبه بنيته الأسواق القديمة (بدلاً عن ترميم أسواق المدينة القديمة المتداعية)، وطرحت استخدام نحو 300 ألف متر مربع من الأراضي والطرق والحدائق والأماكن العامة والمرافق والخدمات مثل المساجد، والصيدليات، ومحلات البقالة ومحطات الغاز. ولأجل ذلك أيضاً تأسست “شركة طرابلس الواجهة البحرية القابضة للبناء” وبشكل خاص لإدارة هذا المشروع، وهي شركة تابعة للشركة الأولى ومملوكة بالكامل لطرابلس القابضة للتنمية (TDH)، المملوكة من قبل المجموعة نفسها.
يقدر رأسمال الشركة بـ 200 مليون دولار، أما حجم الاستثمار في المشروع، فيصل إلى مليار ونصف مليار دولار، على أن يتلقى القطاع العام نسبة 60% من عائداته، 20% للمستثمرين و20 % ستوضع بصندوق إعادة استثمار سينشأ لهذا الغرض. وقد وَضعت شركة طالب للهندسة الخطة الرئيسية للمشروع بتكلفة تراوح بين 500 ألف دولار إلى 800 ألف دولار في عام 2012، وكان من المتوقع البدء بتنفيذه في أعقاب الانتخابات البرلمانية عام 2013، على أن تستغرق عمليات البناء حوالى 15 عاماً.
تحركت حركة “مشاع” وعدد من الهيئات المدنية لاحباط هذا المشروع، ولاقى معارضة شديدة تتجدد حالياً على نطاق أوسع مع طرح اسم عمر حلاب لرئاسة البلدية في طرابلس وهو أحد المستثمرين الرئيسين في المشروع.
معمل معالجة النفايات الصلبة
بهدف تبرير ردم البحر، طرح رئيس لجنة البيئة في المجلس البلدي جلال حلواني مشروع معالجة النفايات الصلبة المطروح، وبحسب تصريحه لوسائل الإعلام، “لاقى المشروع استحسان اتحاد بلديات الفيحاء ومجلس الإنماء والإعمار وهو في طور دراسة الأثر البيئي، قبل أن يحصل على الموافقات النهائية لبدء الأعمال، ويسعى لإنشاء منظومة متكاملة لمعالجة وفرز 600 طن يومياً بنظام الهضم اللاهوائي، وسيستغرق أربع سنوات لإنشائه ليخدم المدينة 25 عاماً قابل للتجديد بـ 25 سنة أخرى، وسيعتمد على التمويل الخاص والهبات التي ستدار بواسطة مجلس الإنماء والإعمار، وسيقام في المنطقة المقابلة لمحطة تكرير المياه المبتذلة ويخطط لردم 210 آلاف م2 من البحر بردميات من جبل النفايات الحالي، كما سيُطمر الناتج من عمليات الفرز والمعالجة في المكان نفسه بنسبة 15%”، ما يطرح تساؤلات عدة عن الأثر البيئي الطويل الأمد في المنطقة وعن البدائل المتاحة.
بيئة Bay
مشروع “بيئة “Bay طرحه عضو المجلس السابق لبلدية الميناء المهندس عامر حداد بهدف إقامة منتزه بحري ومحطة تسفير بحرية تصل طرابلس ببيروت وعدد من المناطق الساحلية على جزء من الواجهة البحرية للميناء ضمن الأملاك العامة للدولة، وتقع ما بين المسمكة والمسبح الشعبي وهو مواجه لجزيرة البيئة مع ربطه بشبكة خدمات متنوعة كالمطاعم والتاكسيات. تبلغ كلفته 10 ملايين دولار. يتوقع حداد تأمينها من المئة مليون دولار، حصة طرابلس من السلفة التي قررها مجلس الوزراء، هذا بالإضافة إلى فكرة أخرى لمشروع غواصة تنقل الزائرين إلى جزيرة الأرانب، ويبدو أن حلّ بلدية الميناء عطل تنفيذ المشروع إلى حين.
حق المواطنين بأملاكهم العامة
التحركات التي نُظمت ضدّ مشاريع ردم البحر لم تكن يوماً ضد المشاريع الإنمائية كما يحلو للمستفيدين من تلك المشاريع الترويج، بل على العكس تشجعها وتثني عليها شريطة عدم مخالفتها للقوانين وعدم اعتدائها على حقوق المواطنين ببيئة صحية وتمتعهم بأملاكهم العامة المكفول في القوانين الوطنية والدولية، ومنها المرسوم 4810 لسنة 1966 وتعديلاته، الذي ينص على “أن تبقى الأملاك العامة البحرية لاستعمال العموم ولا يُكتسب عليها لمنفعة أحد أي حق يُخوِّل إقفالها لمصلحة خاصة”، وكذلك المرسوم الخاص بالمخطط التوجيهي لمدينة الميناء الرقم 16/353 لعام 2006 الصادر عن المجلس الأعلى للتنظيم المدني، وخاصة أنه لم يتبق من شواطئ مدن الفيحاء الأربع سوى جزء من شواطئ الميناء وطرابلس وهما المتنفس الوحيد لقرابة مليون نسمة بعدما قضت المشاريع الملوثة على جزء كبير منها والمشاريع الإستثمارية على شاطئ القلمون، لذا تعدّ السنوات الست المقبلة مصيرية وذلك يعتمد على الدور الذي ستؤديه المجالس البلدية المقبلة، وهل ستعمد لاعتماد خطط استراتيجية تنموية مستدامة تتوافق مع المعايير الدولية أم ستعتمد المشاريع عشوائياً وترضخ لنفوذ المال والسلطة، هذا ما ستحدده الانتخابات البلدية، والكرة في ملعب المواطن الآن.
برامج «باسيم» المهملة: حيث لا منفعة خاصة
تتدفق مشاريع الواجهة البحرية، ويجري الترويج لها في السرّ والعلن، في الوقت الذي يتجاهل الكثيرين المشروع الأهم للواجهة البحرية، وهو مشروع PACEM الذي مُوِلَ دراسته الاتحاد الأوروبي ونُفذت بالتعاون مع بلدية مرسيليا وجامعة تولوز الفرنسية، واعتمدته “استراتيجية الفيحاء 2020” كأحد المشاريع الأربع والعشرين التي تمكن مدن الفيحاء من أن تكون ذات دور محوري إقليمي وتضعها على مسارات السياحة الإقليمية والعالمية، ويسعى مشروع PACEM للاستفادة من وجود الإرث الثقافي والواجهة البحرية والجزر والمرافئ لأداء دور إنمائي فاعل من خلال ترتيب شواطئ مدن الفيحاء وإعادة التواصل بين الحيز المبني والبحر بعد انقطاعه عند تنفيذ الكورنيش البحري، ووضع مخطط توجيهي للمنطقة الساحلية مع اقتراح إعادة ترتيب الحيز العام وإعطاء الأولوية للمشاة والدراجات الهوائية وبناء عدد من التجهيزات السياحية المختلفة كالمسابح العامة، نواد للغطس والسياحة تحت الماء، أكواريوم وغيرها.
وكانت دراسة مشروع الـ PACEM مع خطتها التنفيذية أنجزت في عام 2010، ونامت في الأدراج كبقية المشاريع المعتمدة في الدراسة الاستراتيجية بحجة عدم وجود تمويل لتنفيذ المشروع برغم أن تكلفه لا تتجاوز الـ 35 مليون دولار!
ويعمل حالياً برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع اتحاد بلديات الفيحاء على وضع إطار تنسيقي لتطوير مشاريع مستقبلية على قاعدة مشتركة بالشراكة مع عدد من المدن المتوسطية بناء على مؤشرات ومخرجات مشروع PACEM بحسب ما أفاد مدير البرنامج في الشمال إيلان الشاطر.
إضافة إلى برنامج أطلقه الاتحاد الأوروبي في آذار الماضي للمساهمة في الحماية والاستخدام المستدام للموارد البحرية في لبنان للحفاظ على التنوع البيولوجي واستعادة النظم الإيكولوجية البحرية في المناطق الساحلية وتعزيز الأنشطة التي تولد إيرادات مستدامة والمساهمة بوضع المعايير البيئية لتخفيض مصادر التلوث البرية والبحرية على الشواطئ مثل النفايات الصلبة، مياه الصرف الصحي والملوثات الصناعية، إضافة إلى التسرب النفطي. ومن المتوقع أن تعود هذه البرامج بفائدة كبيرة على مدن الفيحاء لو أُحسن الإستفادة منها وخاصة في ظل وجود العديد من الملوثات على طول الشريط الساحلي كالمصفاة، محطة تكرير المياه المبتذلة، مكب النفايات، المسلخ، وملوثات السفن وميناء الصيادين إضافة إلى المجارير التي تصب على طول الشاطئ، بما فيها نهر أبو علي الذي تحول لمجرور كبير.