مرشد النايف
سجل سعر صرف الليرة السورية مستوى قياسياً جديداً لم يسجله طيلة السنوات الخمس الماضية، حين وصل قبل إلى 625 ليرة للدولار الواحد.
الهبوط الحاد لسعر الصرف دفع خبراء ماليين وإقتصاديين إلى التحذير الجدي من هذه الخطوة. واعتبر أستاذ النقد في “جامعة حلب” عبد الله حمادة أن الليرة السورية تفقد عوامل الاستقرار، وخصوصاً تلاشي الاحتياطي النقدي الأجنبي من المصرف المركزي، وتوقف عجلة الإنتاج في سوريا”.
أضاف حمادة في حديثه لـ”المدن” أن التدهور الحاصل في سعر الصرف يؤكد أن نظام الأسد “استهلك احتياطيات النقد الأجنبي التي كانت بحدود 19.5 مليار دولار في نهاية عام 2010، وتناقصت إلى نحو 14 مليار دولار في نهاية عام 2011، لتنخفض إلى 3 مليارات عام 2012، ومن ثم إلى 1.8 مليار دولار خلال عام 2013، لتلامس 600 مليون دولار في 2015 .
وحدد مصرف سوريا المركزي سعر صرف الدولار الشهر الماضي بـ442 ليرة في السوق الرسمية. واضطر إلى رفع السعر يوم الأحد الماضي اإلى 512 ليرة. وعلّق المركزي على التراجعات القاسية لليرة امام الدولار بأنها “تأتي ضمن الحملة الشرسة للضغط على الشعب السوري”. وأعلن المركزي في بيان، أنه “يسعى جاهدا وبكامل كوادره للدفاع عن سعر صرف الليرة السورية، مشيراً إلى أن اعتماد المستهلك على المنتج المحلي والعزوف عن المستورد والحد من عمليات التهريب تسهم بشكل إيجابي في تخفيف الطلب التجاري على القطع الأجنبي”.
وبسبب جفاف الاحتياطي فقد المركزي القدرة على طرح كتل دولارية بشكل يومي في السوق، تُمكّن الليرة من مواجهة ضغوط الطلب.
وسياسة بيع شرائح دولارية، كل أسبوع او كل شهر، هي الأداة النقدية الوحيدة التي يلجأ إليها الحاكم أديب ميالة منذ عام 2011، والعملية تتم عن طريق بيع الدولارات لشركات ومكاتب الصرافة المرخصة حصراً. ويراوح الطرح من بضعة ملايين ويصل أحياناً إلى 150 مليون دولار.
تراجع سعر الليرة أدى إلى ارتفاعات موازية في السلع والمواد الأساسية وبلغت نسبة التضخم في بعض السلع نحو 500% وفق تقديرات دراسة لمركز “ادراك للدراسات والاستشارات” السوري، بعنوان “أسباب ونتائج التضخم الاقتصادي في سوريا.. قبل وبعد”.
وعدم القدرة على الوصول إلى الاحتياجات الأساسية يدفع بالمزيد من السوريين نحو دوائر الفقر. وتشير اللجنة الإقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة “إسكوا” في تقرير لها للعام 2016 بعنوان “سوريا: خمس سنوات في خضم الحرب” إلى أن “أكثر من 80% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، كما يُحرم الملايين من الضروريات الأساسية للحياة”.
ويلحظ “المركز السوري لبحوث السياسات”، وهو مؤسسة بحثية مقرها دمشق، في تقرير بعنوان “مواجهة التشظي” نشر في شباط الماضي، أن التراجع الحاد في سعر صرف الليرة اتخذ منحى تصاعدياً منذ الربع الثالث من العام الماضي، فقد ارتفع بنسبة 10.7 في أيلول مقارنة بحزيران/ يونيو من العام نفسه، وتواصل التراجع في الربع الرابع. وسجلت أسعار المستهلك زيادة سنوية بنسبة 53.4 % العام الماضي مقابل 25.8% في العام 2014 بسبب تراجع قيمة الليرة السورية وتحرير أسعار بعض السلع المدعومة. وبشكل عام شهد العام الماضي ارتفاعاً كبيراً في تكاليف المعيشة الذي انعكس مزيداً من تدهور معيشة الأسر ولاسيما الأسر الأشد فقراً، بحسب المركز.
ويؤكد حمادة على ان جفاف الاحتياطي ليس السبب الرئيس لتدهور سعر الليرة. أي ان المشكلة ليست بجفاف الإحتياطي نفسه، فقط، بل تنتقل الأزمة إلى روافد الإحتياطي، التي تضررت هي الأخرى، فقد تقلصت روافد الاحتياطي التي كانت تؤمن قنوات التمويل للمستوردات مثل تحويلات السوريين العاملين في الخارج، والبالغة نحو 800 مليون دولار سنوياً، وهروب نحو 22 مليار دولار من رؤوس الأموال المحلية للخارج. يضاف إلى ما تقدم جمود الصادرات عند حدود “صفر” تقريباً، وتوقف إيرادات السياحة التي كانت تدر نحو 5 مليارات دولار سنوياً، وكذلك “تراجع” إيرادات النفط المقدرة بنحو 4 مليارات دولار، بحسب تقديرات حمادة.