كتب فادي عبود في صحيفة “الجمهورية”:
في نظرة سريعة إلى نتائج انتخابات بيروت يبدو واضحاً جلياً، أنّ هناك حاجة ملحة وطارئة لقانون انتخاب عصري ومتطوّر يعالج المشكلات الكثيرة في عمليات الانتخاب، أو حتى بعض الاصلاحات التي ربما لا تحتاج الى قوانين بل الى قرارات من وزارة الداخلية مثل اعتماد اللوائح الرسمية الموحّدة المعدّة سلفاً.أكثر ما يؤلم هو النسبة المتدنّية للمشاركة في الانتخابات، خصوصاً في بيروت التي أتت نسبة المشاركة فيها صادمة، وكأنّ الاكثرية الصامتة لا يعنيها أن تُحدث أيّ تغيير، أو هي مؤمنة أنّ من المستحيل إحداث أيّ تغيير، علماً أنّ الانتخاب هو واجبٌ مقدس على كلّ مواطن أن يمارسه بغض النظر عن الظروف، وقد يكون الحلّ هو اعتماد التصويت الإجباري وهو نظام يتمّ فيه إلزام الناخبين بالتصويت في الانتخابات أو الحضور لمكان الاقتراع في يوم التصويت.
وإذا لم يحضر الناخب المؤهّل لمكان الاقتراع، فربما يجب أن يتعرّض لعقوبات تأديبية مثل الغرامات أو خدمة المجتمع.
ومن الدول التي تطبّق نظام التصويت الاجباري هي الارجنتين، أوستراليا وسنغافورة، والبرازيل، وفي ظلّ هذا النظام يستطيع القادة السياسيون الذين يفوزون في الانتخابات إدّعاءَ قدر أكبر من الشرعية السياسية من نظرائهم الذين يفوزون في انتخابات لا تطبّق التصويت الإجباري والتي يقلّ فيها إقبال الناخبين على التصويت.
المشكلة الأخرى التي يجب على القانون الجديد إيلاؤها الأهمية اللازمة هو المال الانتخابي وشراء الأصوات، ومن الضروري في هذه الحال اعتماد لائحة رسمية صادرة عن وزارة الداخلية تضمّ جميع المرشحين من كلّ دائرة، يستطيع الناخب أن يضع إشارة على الأسماء التي يودّ انتخابها، وهذه الطريقة تساعد في زيادة الوعي لدى الناخب عبر تشجيعه على معرفة المرشحين واسمائهم، لا أن يتحوّل الى قطيع تُوزّع عليه لائحات جاهزة وما عليه إلّا اسقاطها في الصندوق، كما أنه يصبح من المستحيل تعليم اللوائح للتأكد إذا كان الناخب قد أدلى بصوته كما هو متوقع منه بعدما تمّ الدفع له، أما الطريقة المعتمدة اليوم فيستطيع المرشح أن يطبع تشكيلة أو تشكيلات من اللوائح بحسب تراتبية الأسماء ليتمكن المندوبون من متابعتها.
وتظهر اليوم جدلية أخرى متعلقة بالانتخابات البلدية وهي التصويت بحسب قيد النفوس وليس بحسب عنوان الإقامة، فمَن سيستفيد من خدمات البلدية هو الساكن فعلياً في المنطقة، وهذا يساهم عملياً بزيادة قلة الاهتمام بالانتخابات البلدية كما أنه يشجّع غيابَ المحاسبة، فمَن غير المعقول أن يُحاسَب المواطن الذي لا يسكن فعلياً في المنطقة رئيس بلديّته، او أن يهتمّ ببرنامجه وخططه الإنمائية، وبالتالي تتحوّل عملية التصويت الى استجابة لمالٍ انتخابي، أو لعرف عائلي تُساق فيه العائلات سوقاً للتصويت لهذا المرشح أو ذاك، وهذا منافٍ للديموقراطية الحقيقية التي تحتّم على الناخب أن يدقّق في كلّ تفاصيل المرشح وبرنامجه الانتخابي وتحاسبه على هذا الأساس.
أما اليوم وبعدما تمت العملية الانتخابية، يبقى السؤال، ماذا سيتغيّر؟ ما هي الخطط؟ وما هي مسؤولية المجالس البلدية التي احتفلت بالأمس بانتصارها. بالنسبة الى بيروت، اللائحة تطول، وتطول، انطلاقاً من جمهورية السوليدير التي تعتبر نفسها خارج النطاق البلدي لبلدة بيروت، والتي تمارس سلطة مستقلة، فهل سيستمرّ هذا الواقع باستهتارٍ كلّي لهيبة بلدية بيروت؟
أم أنّ تغييراً ما سيحصل بالنسبة الى الأبنية الأثرية والمساحات المهدّدة في بيروت من شاطئ الرملة البيضاء الى الدالية، والتي يقضمها الجشع العقاري. هل هناك خطة ليستعيد وسط بيروت نبضَه وروحَه بحيث تصبح بيروت مجدّداً عاصمة لكلّ الناس من دون الخوف من أبو رخوصة.
هل سيتم التركيز على اعتماد الشفافية المطلقة، كالتحقيق بقضية الكاميرات، أو اعتماد الشفافية بالنسبة الى الموازنات وإطلاع المواطن على صرف هذه المبالغ والتي يُحكى أنها طائلة.
هل سيتمّ التحقيق بالنسبة الى أرض الشويفات التي تمّ شراؤها بأكثر من ضعف قيمتها الحقيقية أو استملاك الرملة البيضاء الخ؟ أيّ تغيير سيحمله هذا المجلس البلدي؟ سؤال ستجيب عنه الأيام المقبلة.
أما بالنسبة الى المجالس البلدية في البقاع والهرمل، فتنتظرها مشكلات مزمنة تراوح مكانها منذ سنوات، تُضاف اليها مشكلة طارئة وهي مشكلة النفايات وطرق معالجتها، وهذا ما يجب على المجالس البلدية المباشرة بتفيذه قبل أن ينفجر الوضع البيئي مجدّداً، بالإضافة الى الكثير من الموضوعات الإنمائية التي لا تزال المناطق تفتقدها، وتنتظرها بأمل عند انتخاب مجلس بلدي جديد لتعود الآمال وتبدّد في انتظار جولة مقبلة.
والحق يُقال إنني أعتبر أنّ كلّ انتخاباتٍ بلدية غير مرتبطة بالهاجس الانمائي هي باطلة، فهذه ليست معركة سياسية وليست عرفاً عائلياً او تسجيل مواقف، المجلس البلدي هو تذكرة لأيّ منطقة نحو الإنماء والخدمات الأفضل.
ويبقى أنّ أيّ كلام عن الإنماء يظلّ ناقصاً في ظلّ غياب إقرار قانون اللامركزية الإدارية تطبيقاً للدستور و»الطائف» وفق القانون حيث تعتمد الدولة اللبنانية نظاماً لامركزياً موسّعاً على مستوى مجالس محلّية منتخبة تتمتّع بالشخصية المعنوية وبالإستقلالين الإداري والمالي، وتمارس صلاحيات واسعة وتشمل المجالس البلدية ومجالس الأقضية ومجلس مدينة بيروت، وهو المدخل الأساس أمام الإنماء المتوازن.
أما المدخل الأساس للشفافية، فنعود ونكرّر أهمية قانون حرّية الحصول على المعلومات والذي طلب الرئيس تمام سلام درسه مجدّداً وأعطي من رئيس مجلس النواب شهراً وتحوّل الشهر الى سنتين وما زلنا ننتظر نتيجة الدرس.
أخيراً أسقطت الانتخابات البلدية ورقة التوت التي تتلطى وراءها السلطة لتبرير الاستمرار في مجلس نيابي ممدَّد له، وهي سابقة في تاريخ الدول، لقد سقطت الحجج الأمنية والسياسية والإقليمية لتغطية هذا الخلل الدستوري الفاضح، المطلوب اليوم الانطلاق بالانتخابات النيابية وفق قانون عادل وعصري ينقل شبه الوطن الى وطن متكامل.