مارسيل محمد
تعتبر السياحة العلاجية، أو الإستشفائية، عنصراً مؤثراً في القطاع السياحي لأي بلد في العالم، وتختلف تصنيفات البلد في مجال السياحة العلاجية، بحسب قدرة القطاع الصحي لديه على تلبية حاجات المرضى الأجانب القادمين للإستفادة من التقديمات الصحية التي تأخذ طابع “الرفاهية” لناحية نوعية الخدمة الطبية ونوعية المكان أو المؤسسة الصحية التي يقصدها المريض – السائح.
وتُعد منطقة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقياً ثاني أسرع أسواق العالم نمواً في مجال المنتجعات الصحية، وفق ما تقوله دراسة صادرة عن معهد الصحة العالمي GWI للعام 2016، وجاء في الدراسة ان “دولة الإمارات حققت نمواً متسارعاً في مجال سياحة الاستشفاء والتي زادت نسبتها بأكثر من الضعفين خلال الفترة الممتدة بين عامي 2012 و2017، ليصل عدد الرحلات الإضافية إلى 993352 رحلة، بنسبة نمو سنوية قدرها 17.9%”.
ولا يبتعد لبنان كثيراً عن الدول المصنفة كدول لديها سياحة إستشفائية، إذ ان القطاع الطبي في لبنان متطور بشكل يمكن تنظيمه والإستفادة منه لتطوير الإقتصاد وإنعاشه، وبالرغم من أنّ الإحصاءات حول عدد السياح غير دقيقة، لأنها لا تصدر عن جهات رسمية بل عن المستشفيات، إلا أنّ 20% من مدخول المستشفيات يعتمد على الأجانب الذين يجرون عملياتهم الإستشفائية في البلاد، بحسب ما يقوله لـ”المدن” وزير السياحة السابق فادي عبود.
غير “حجم السياحة العلاجية في لبنان بلغ 7 مليار دولار، في العام 2015″، وفق ما صدر عن وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور في العام نفسه. حيث طالب أبو فاعور “بوضع خطة منظمة من قبل الوزارات المعنية لإنخراط لبنان في هذه السياحة، خصوصاً أن لبنان كان يوصف بمستشفى العرب، ولكنه تخلف نتيجة سنوات الحرب، فيما تطور عدد كبير من الدول العربية بشكل قياسي”.
الأمر الذي أكدّه عبود، لافتاً النظر الى ان الحكومة اللبنانية “لم تأخذ هذا القطاع على محمل الجدّ، ففي الأردن مثلاً اعتمدت الحكومة خطة متكاملة وأنشأت “مدينة الحسين الطبية”، التي تحتوي على فنادق داخل المدينة وغرف للعائلات تسمح لأقارب المريض بالإقامة معه، إضافة إلى أن المريض يعرف تسعيرة العملية قبل سفره إلى الأردن، ولكن في لبنان التسعيرة ليست واضحة وحين يأتي المريض إلى المستشفى تضاف الى فاتورته، ضرائب وغيرها من التكاليف التي لا يعلم بها المريض مسبقاً”. كما ان الحكومة الأردنية تبرم إتفاقات مع دول أخرى في هذا المجال، إذ يسافر الى الأردن سنوياً 20 ألف سوداني للمعالجة، إستناداً الى الإتفاقية بين البلدين، إلا أنّ الحكومة اللبنانية لم توقع أي عقود مع دول أخرى لتطوير هذا القطاع. وأكد عبود على ان غالبية السياح الذين يأتون إلى لبنان للإستشفاء هم من الجنسية العراقية.
وتعليقاً على إمكانيات لبنان الطبية، يقول بهيج عربيد مستشار وزير الصحة وائل أبو فاعور لـ”المدن”، أنّ “لبنان بلد التكنولوجيا، إذ لدينا أجهزة تقنية وجسم طبي ومستشفيات متطورة وذات خبرة عالية وتاريخ طويل في العمل الطبي، فالجامعة الأميركية في بيروت، مثلاً، عمرها 160 سنة، ومستشفى “أوتيل ديو” Hotel Dieu عمرها 140 سنة، ومستشفى المقاصد عمرها 110 سنوات، الأمر الذي يؤكد على الخبرة العالية لدى مستشفياتنا وجهوزيتها لاستقبال السياح الذين يأتون إلى لبنان بهدف الإستشفاء”. ويشير عربيد إلى أنّ وزارة الصحة تسمح للمستشفيات بإمتلاك “أجنحة خاصة”. إلا أنه رفض فكرة أنّ هذه الأجنحة فقط للسياح، معتبراً أنّ الأجنحة هي “للمواطنين والسياح على حدّ سواء، لكنّ إدارة المستشفيات تقدمها للأشخاص القادرين على دفع المبلغ المطلوب وهو بالمجمل أغلى من الغرف العادية، وبالتالي يوجد فاتورتين للمستشفيات التي تمتلك أجنحة، لكنّ هذه الفاتورة هي بحسب الجناح وليس بحسب الجنسية”.
وفي حديث لـ “المدن” أكد نقيب أصحاب المستشفيات في لبنان سليمان هارون، أن المستشفيات والمراكز الطبية “مجهزة بشكل كامل لاستقبال جميع الحالات والأمراض والعمليات”، موضحاً أنه “من الطبيعي أن يكون لبعض المراكز أجنحة خاصة وهي لمرضى الدرجة الأولى وليس فقط للسياح، إلا أن من واجب المستشفيات أن تقوم بفتح هذه الأجنحة للمواطنين إذا لم تتوفر أماكن شاغرة في الغرف الطبية العادية، وكانت حالاتهم خطرة”. أما عن تكلفة العلاج الطبي للأجانب في لبنان، لفت هارون إلى أن النقابة “تلقّت شكاوى عدّة من مرضى أجانب، تتعلق بالفاتورة، وعندها يتم التدقيق بالفاتورة، لكن هذه الحالات تعتبر قليلة نسبياً”. مؤكداً على ضرورة أن يكون هناك عقود بين المستشفيات اللبنانية والجهات الخارجية التي ترسل مرضاها إلى لبنان، بهدف التنسيق لتطوير هذا القطاع وتقديم أفضل الخدمات الطبية.
مما تقدم، يمكن الإستنتاج بان السياحة الإستشفائية غير منظمة بخطط واضحة تضعها الحكومة أو وزارتي الصحة والسياحة. وتستفيد المستشفيات الخاصة من عدم تنظيم هذا القطاع، نظراً لأنها تستطيع تحديد الأسعار وفق ما يناسبها، ووفق جنسية المريض – السائح. والأهم، هو ان أغلب المستشفيات تقوم بحجز عدد من الغرف للسياح، ولا تستقبل المرضى اللبنانيين إلاً إذا كانت أموالهم “سياحية”، فيُعامل اللبناني كسائح، وليس كمريض. وبرغم ذلك، فإن عدم تنظيم هذا القطاع، يضيّع على الإقتصاد فرصة الإستفادة من قطاع رابح، تستفيد منه المستشفيات والمراكز الطبية الخاصة.