فاتن الحاج
في 20 آذار 2012، تجرأ موظفو التفتيش المركزي، للمرة الأولى، على الاعتصام لمدة نصف ساعة فقط، للمطالبة بحقوق مهدورة. يومها، رفع المعتصمون مطالب كثيرة؛ منها إقرار قانون تنظيم التفتيش، إصدار مرسوم الترفيعات النائم في الأدراج منذ عام 2003، بذريعة عدم التوازن الطائفي بين الناجحين، إعادة النظر في قانون سلسلة الرتب والرواتب، بما يتناسب مع المهمات الموكلة إلى المفتشين، وإعادة تعويض الانقطاع المنصوص عليه في قوانين إنشاء وتنظيم التفتيش المركزي.
بعد 4 سنوات، لا شيء تغيّر. بقيت الحقوق عالقة مع فارق أنّ الجهاز الرقابي خسر نصف كادره، إذ انخفض من نحو 100 مفتش إلى 55. اليوم، لم يعد المفتشون يطمحون إلى أكثر من إنقاذ كراماتهم «المسحوقة»، بحسب تعبير مفتش إداري، في هيئة معطّلة منذ أكثر من 15 شهراً، تكدّست خلالها الملفات، وضاعت فيها جهودهم وخلاصات أعمالهم. ليس أمامنا، كما يقول، سوى الضغط على المسؤولين في السلطة السياسية لإدخال التفتيش المركزي إلى العناية الفائقة، اليوم قبل الغد، أو إطلاق رصاصة الرحمة عليه.
نهاية الأسبوع الماضي، اجتمع ممثلون عن كل المفتشيات داخل مبنى التفتيش المركزي، وقرروا الانتفاضة ضد التعطيل لجهاز شكل على مدى سنوات ضمانة لانتظام عمل الإدارة ولمحاسبة المخالفين فيها. البعض آثر استمهال المنتفضين أسبوعاً واحداً، مقترحاً استخدام «خرطوشة» الحوار مع رئيس الحكومة تمام سلام قبل اتخاذ خيار التصعيد. آخرون أصروا على الشروع فوراً بوضع خطة تحرك تصاعدية، لكن ضمن القوانين والأنظمة المرعية الإجراء، «إذ لم يعد هناك شيء نخسره بعد اليوم، وخصوصاً أن الشاشات باتت مسرحاً، ينسب فيه كل من رئيس هيئة التفتيش المركزي جورج عواد والمفتش العام المالي صلاح الدنف، إلى الآخر، ما يسيء إلى سمعة الجهاز».
هذا التقاذف الإعلامي بين المسؤولين ترك في صفوف المفتشين أسئلة كثيرة، أولها: هل كان اللجوء إلى الإعلام لنشر الغسيل حاجة ملحة إلى هذه الدرجة؟ لماذا لم يحرّك عواد، وهو «الوزير غير السياسي»، المحصّن بالقانون، ساكناً عندما اعتدى أحد الوزراء، من خلال الإعلام، على المفتشين المعنيين بوزارته، واتخذ صفة تفسير القوانين التي ترعى عملهم، معلّماً إياهم حدود مهماتهم؟ لماذا لم نسمع منه في الإعلام الموقف القانوني، المنسجم مع الدور الذي يرسمه له المنصب الذي يشغله، لإشعار المفتشين بالحماية والرعاية؟ كيف تلصق صفات الغش والفساد والرشوة بكل المفتشين من دون تمييز بين الصالح والطالح؟
بتململ شديد، يصف مفتش مالي ما آلت إليه ظروف عمله: «بت أخجل من الحضور إلى مركز التفتيش. أشعر بأنني أعيش في كوما. لا فائدة من وجودي هنا. فليسرحوني إلى مكان آخر. أجد نفسي عالقاً بين موظف مخالف وعارف بأزمة التفتيش وبعدم جدوى ما أقوم به فلا يخاف من مساءلتي، وبين رؤساء مباشرين تخلّوا عني».
لا يعرف المفتش ماذا حصل منذ وصل الخلاف إلى أوجه بين الرجلين حتى اليوم. يومها، لم تتجاوز المعالجة، كما يقول، ممارسة السلطة السياسية نفوذها على أجهزة الرقابة. فقد منع رئيس الحكومة عواد من الاستقالة وكلف وزير الصحة وائل أبو فاعور لإجراء مصالحة «شكلية» بينه وبين الدنف، سقطت على أثرها الدعاوى المقامة من الطرفين.