كتب غسان سعود في صحيفة “الأخبار”:
لن يصدق من يمر بجونية أنها مجرد انتخابات بلدية تلك التي تشهدها المدينة آخر الأسبوع: اللوحات الإعلانية والفيديوات ومهرجانات إعلان اللوائح ومواكب السيارات اليومية واستنفار الأحزاب لماكيناتها وما يشاع عن مال انتخابيّ يرسم معالم المعركة الأكبر في جبل لبنان
جونية وغسطا مثل زغرتا وإهدن؛ تداخل عائلات وسكن ونفوس إضافة إلى الجغرافيا حيث لا يكاد يُعرف أين تنتهي جونية وأين تبدأ غسطا.
إلا أن القوات اللبنانية تثور ضد الاقطاع فوق الطاولة في غسطا وتتحالف معه تحت الطاولة في جونية. في غسطا التي يعتبرها النائب السابق فريد هيكل الخازن معقله الأساسي، تتحالف القوات مع التيار الوطني الحر لمحاولة إطاحته. وفي جونية التي يعتبرها العماد ميشال عون عاصمته، تنسّق القوات مع خصوم التيار (وفي مقدمتهم الخازن) لمحاولة إطاحته. فالأمر لا يتعلق بمحاربة الإقطاع ولا بوحدة المسيحيين وطي صفحة البيوتات السياسية وغيره من الشعارات؛ الأمر يتعلق بمصلحة القوات أولاً وأخيراً، ومصلحتها تقتضي إضعاف كل الأفرقاء المسيحيين، سواء تطلب الأمر تحالفاً مع البيوتات السياسية أو تحريضاً عليهم، تذمراً من المال الانتخابي أو تحالفاً معه ورفع لواء الثنائية المسيحية أو “ترك الحرية للناخبين”، علماً بأن العونيين قدموا كل التضحيات اللازمة لإنجاح تحالف الأحزاب في زحلة فيما لم تبادلهم القوات بالمثل في جونية، رغم أن جونية بالنسبة للعونيين مثل زحلة بالنسبة للقوات وأكثر. وتخرج القوات بموقفها الملتبس على إجماع حزبي يتمثل في تأييد التيار وحزبي الكتائب والوطنيين الأحرار للائحة “كرامة جونية” التي يرأسها جوان حبيش. مع الأخذ بالاعتبار أن حضور القوات رمزيّ في جونية، وعدد كبير من قواتيي قرى جونية الأربع تجمعه علاقة شخصية وطيدة بحبيش دفعت بعضهم، مثل مسؤول صربا السابق في القوات جورج مهنا، إلى الترشح معه، في ظل تقدير ماكينة حبيش أن تصبّ أصوات القاعدة القواتية لمصلحة لائحة مهنا بعكس توجهات حامل الملف الانتخابات البلدية (القياديّ الكسرواني في القوات) شوقي الدكاش.
بدوره لم يظهر رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون اهتماماً بمعركة بلدية مماثلاً لاهتمامه بجونية، وهو تابع مع حبيش التفاصيل قبل أن يدخل بنفسه على خط الإعلان الانتخابي عبر تقرير تلفزيوني تمنى فيه أن “تختار جونية الأفضل بالنسبة إليها، وهو طبعاً لائحة حبيش”. في ظل شعور عونيّي المدينة أن معركة تحجيم آل افرام والنائبين السابقين منصور البون وفريد هيكل الخازن هي معركتهم أكثر من أي أحد آخر، بعدما بات الخازن رمز تمدد النائب سليمان فرنجية خارج زغرتا ومحاولته “التمريك” على عون في معقله، فيما البون يوهمهم كل مرة بأنه سيتعاون معهم وهو انتقل من محاولة خداع النائب آلان عون إلى التذاكي على العميد المتقاعد شامل روكز، فيما يتهم العونيون افرام بقلة الوفاء من جهة ويرونها فرصة لتوجيه ضربة موجعة لهذا النوع من المرشحين إلى رئاسة الجمهورية من جهة أخرى. ولا شك أن العونيين يختارون هذه المرة بدقة معاركهم ولا يسمحون لأحد بتوريطهم في معركة غير محسوبة، وتبدو انتخابات جونية معركتهم الرئيسية في جبل لبنان.
أما رئيس اللائحة العونيّ (لكن ليس ببطاقة حزبية) فهو رئيس بلدية سابق عانى في ولايته (2004 ــ 2010) من تقييد السياسيين التقليديين لرئيس المجلس بمطالبهم الكثيرة وتربيحهم يومياً رئيس المجلس جميل إيصاله إلى رئاسة البلدية، إضافة إلى تفضيل هؤلاء الاستعاضة عن المشاريع الكبيرة التي تفيد كل أبناء المدينة بخدمات صغيرة جداً تمر عبرهم وتتيح لهم توطيد نفوذهم. وهو صارح العماد عون بهذا كله لعدم الوقوع في فخّ المجلس البلديّ غير المنسجم وركّب ـــ بالتنسيق مع التيار والكتائب والوطنيين الأحرار وعدة فعاليات دينية وتربوية ورياضية ـــ تشكيلة ينسجم بعضها مع بعض. وكان العماد عون قد أعطى نعمة افرام في الانتخابات البلدية السابقة ما يعطيه لحبيش اليوم وأكثر، رغم أن الكيمياء بين عون وحبيش لا تقارَن في إيجابيتها بسلبية الكيمياء بين عون وافرام. إلا أن الأخير لم يستغل التفويض العوني لتشكيل مجلس بلدي متجانس، بل فضّل استرضاء كل من يعرفهم، فشلّ المجلس البلديّ سريعاً وتعددت مرجعياته. واللافت أن افرام لم يتعظ من التجربة السابقة رغم شبه الإجماع على سلبيتها، فوقع مجدداً في فخ جمع من يستحيل جمعهم أكثر من بضعة أسابيع في لائحة واحدة تضم كتلة للقوات اللبنانية وكتلة للنائب السابق فريد هيكل الخازن وكتلة افرام وكتلة النائب السابق منصور البون التي يترأسها رئيس اللائحة فؤاد البواري. وكان الخازن والبون قد نجحا في إبعاد مرشح افرام فادي فياض عن رئاسة اللائحة لاعتقادهما بوجود نقمة في المدينة على آل افرام نتيجة أداء المجلس البلديّ الحالي، إلا أنهما عجزا عن صبغ اللائحة بلون آخر. فهي لا تزال لائحة نعمة افرام والقوات اللبنانية أكثر مما هي لائحتهما. ومن يدقق في إعلانات اللائحة على الطرقات يلاحظ وجود ما يشبه شعاراً إضافياً يبدو كأنه ألصق بالإعلان الرئيسي غداة طبعه يقول “مسيرة عطاء”. في ظل إشاعة آل افرام مناخاً يوحي بأنهم أعطوا الكثير لأهل جونية وآن أوان الحساب، علماً بأن أهل جونية أعطوهم في المقابل مكانة سياسية وتقديراً وفرصة كبيرة للمجلس البلديّ السابق. والخلاصة هنا تفيد بأن لائحة جونية الكرامة متجانسة في تركيبتها التي يتزعمها جوان حبيش، فيما لائحة افرام ـــ البون ـــ القوات ـــ الخازن غير متجانسة بحكم توزعها بين ثلاثة فرقاء غير متفقين، فضلاً عن تقبّل حبيش التقييم السلبي لتجربته السابقة ومراكمته الملاحظة الآيلة إلى تحسين أدائه في حال فوزه، فيما يتعامل افرام مع المجلس البلدي الحالي بوصفه مجلساً عظيماً يمثل نقطة فارقة في “مسيرة عطاء” آل افرام لأهل جونية. أما الأهم بالنسبة للناخبين فهو اعتبار افرام والخازن والبون أن المجلس مجرد أداة في عدة عملهم السياسية يمكن في حال خسروها أن يعوّضوها بأداة أخرى، فيما يعتبر حبيش نجاحه في إدارة المجلس غايته الرئيسية. فهو كان شبه ضامن لترشيحه على لائحة العماد عون في الانتخابات النيابية المقبلة وفوزه تالياً بالنيابة، لكنه فضّل أن يكون رئيساً لبلدية جونية على أن يكون نائباً، وهو يقول اليوم إن البلدية أهم من النيابة لمن يريد أن يترك أثراً إنمائياً.
وتبقى أخيراً نقطتا ضعف وقوة لكل من اللائحتين. ففي ظل حساسية الخازن ـــ القوات والتنافس الدائم بين البون والخازن وتعاون البون والخازن لعدم تعويم افرام وتصديقه نفسه أكثر مما يفعل الآن، يبدو واضحاً حتى اليوم تركيز البون على مرشحه رئيس اللائحة فؤاد بواري، فيما تركز زوجته التي ترشحت إلى الانتخابات النيابية الأخيرة قبيل إعلان تأجيلها على ابن شقيقها سيلفيو شيحا، فيما همّ الخازن أن يتقدم المرشح المحسوب عليه فوزي بارود على سائر المرشحين، وطلب افرام الوحيد هو فادي فياض ولا أحد يسمع بسائر المرشحين. وهي ظاهرة لا تعاني منها اللائحة الأخرى التي يبدو جميع أعضائها سواسية لا توجد مرجعية تبدّي عضواً على آخر. أما نقطة قوة اللائحة الرباعية فهي المال الانتخابي. فمهما بلغت ثروة المرشح العونيّ ومخصصاته للمعركة، فإنها تعتبر متواضعة جداً مع مخصصات افرام ومن يقف خلف البون والخازن، علماً بأن اسم هذه اللائحة التجدد و… العطاء، ويسوق أحد مرجعياتها أن أحد كبار المتمولين الشماليين سيشرّفه مع حقائبه بزيارة يوم الأحد لمتابعة مجريات الانتخابات عن قرب.