كتبت باسكال صوما في صحيفة “السفير”:
يأتون بكثرة، معهم أغراضٌ قليلة، وملابس سباحة أو ما يُشبهها، ذلك أنّ الفقراء قد لا يملكون ثمن ثياب السباحة. يتركون أشياءهم ويهرعون إلى البحر، لا بل المساحة الضيقة منه التي تسمّى مسبحاً شعبياً. وهي مساحة مجانية، أو في شكلٍ أصحّ “متروكة”، منسيّة، فارّة من الحسابات العقارية. ولأنّها منسيّة ومجانيّة، فإنّها تفتقد أبسط أنواع التجهيزات ومعايير السلامة، مع العلم أنّ المسابح الشعبية في معظم البلدان، هي من الأفضل والأرقى. أمّا المسبح الشعبي في الرملة البيضاء، فهو واحدٌ من الفقراء المهمَلين من قبل الدولة، الذين يلجأون إليه، هو مثلهم ومنهم ويشبههم. وبرغم الفوضى التي يعجّ بها، ومعاناة مياهه من التلوّث وقلّة النظافة، إلاّ أنه المتنفس الوحيد للفقراء، وما زال سبباً من أسباب فرحتهم ومرحهم في الأيام الحارة والمملّة.
في الضفة الأخرى، فتحت المسابح الخاصة أبوابها، حضّرت نفسها و“صيّفت”. وكما في كلّ عام بدأ الناس من كلّ الفئات والأعمار يتهافتون إلى البحر والمنتجعات حيث المسابح والمقاهي والتسلية. وفي جولةٍ سريعة على بعض المسابح الكثيرة يتبيّن أنّ تعرفة الدخول للشخص الواحد تتراوح بين الـ10 دولارات إلى ما شاء الله. سنحتسب في ما يلي كلفة قضاء يوم لطيف في أحد المسابح المتوسطة من ناحية التعرفة وسعر المأكولات وغير ذلك.
جزء كبير من المسابح تتراوح تعرفتها بين 10 و50 دولاراً، فلنحسب أنّ التعرفة المتوسطة هي 30 دولاراً. وبذلك التعرفة لعائلة من خمسة أشخاص هي 150 دولاراً. تُضاف إليها كلفة الغداء التي لن تقل عن 10 دولارات للشخص الواحد، أي 50 دولاراً للعائلة. هذا مع العلم أنّ سعر زجاجة الماء في المسابح والمنتجعات يصبح أضعاف ما هو عليه ويمكن أن يتخطّى الـ10 آلاف ليرة! هذا إلى جانب النرجيلة التي يصل سعرها إلى 25 و30 ألف ليرة. في المحصلة، تصل تكلفة يوم في المسبح لعائلة من خمسة أشخاص إلى ما يقارب 350 ألف ليرة! هذا طبعاً من دون أن ننسى أن الحد الأدنى للأجور هو 675 ألف ليرة، ونسبة البطالة تتخطّى الـ25 في المئة.
كما أنّ معظم المسابح الخاصة تمنع إدخال المأكولات والمشروبات، وبالتالي يضطر المواطنون إلى شراء المأكولات من مطاعم المسابح، ذات الأسعار الحارقة، تماماً كحرارة الصيف.
وزارة السياحة تطلب سنوياً من جميع أصحاب المسابح والحمامات البحرية ومرافئ الاستجمام التقدم من وزارة السياحة بلوائح أسعار الدخول إلى المسابح، ولوائح أسعار المأكولات والمشروبات داخل المؤسسات.
إلاّ أنّ بيانات كهذه وإن كانت مفيدة معنوياً، إلاّ أنه وفق الاقتصاد اللبناني الحرّ، فليس هناك أية آلية لتحديد الأسعار أو زيادتها.
يوضح أحد أصحاب المسابح في منطقة جونيه لـ“السفير” أنّ “هذه الأسعار الغالية يمكن تبريرها بأنّ تكاليف المسابح ليست بقليلة، لناحية الاهتمام بالمياه والنظافة، إضافةً إلى الموظفين والكهرباء وغير ذلك”، مشيرًا إلى أنّ “المسابح تفتح خلال الصيف فقط، أي خلال أشهر قليلة من السنة، فيما تقفل أبوابها في الأشهر الباقية، وبالتالي، عليها أن تحافظ على استمراريتها”.
إلاّ أنّ الحقيقة، أنّ أرقى شواطئ العالم لا يصل سعر الدخول إليها إلى ما هي الحال في لبنان. هذا مع العلم أنّ الشكوى مستمرّة من تردّي الأوضاع السياحية، نظراً لغياب السياح لا سيما الخليجيين منهم في السنوات الأخيرة. وبالتالي ما كان هؤلاء يستطيعون دفعه في عطلتهم السنوية في لبنان، لا يستطيع اللبناني المسكين وملك الهموم تحمّله.
وتوضح تاتيانا خوري وهي من رواد المسابح أنّ “الذهاب إلى المسابح الرخيصة ممكن، لكنّ جزءاً كبيراً منها لا يلتزم معايير السلامة والنظافة، لذلك أفضّل وأصدقائي التردد إلى مسابح وشواطئ غالية نوعاً ما، إنّما نظيفة ومرتبة”.
ويلفت سمير وهو رب عائلة من أربعة أولاد إلى أنه “يخصص ميزانية شهرية في الصيف من أجل أخذ عائلته إلى الشاطئ، لأنّ الأمر ليس سهلاً”، مؤكداً أنّ أكثر من 30 في المئة من مدخوله يذهب لقضاء ثلاثة أو أربعة أيام على الشاطئ شهرياً مع عائلته.