كتب عبد الكافي الصمد في صحيفة “الأخبار”:
في طرابلس، بدا في اليومين الماضيين أن المشاورات في شأن الانتخابات البلدية عادت إلى المربع الأول، بعد تعقيدات دخلت على الخط جعلت مصير التوافق في مهب الريح. وبرزت هذه التعقيدات في الأيام الأخيرة، نتيجة “الفيتوات” المتبادلة على المرشحين التوافقيين الثلاثة الذين حصر الرئيس نجيب ميقاتي التنافس بينهم.
وعكست “الفيتوات” تشدّداً فُسّر بأنه محاولة من القوى السياسية المعنية لرفع حصتها في اللائحة التوافقية المزمع تأليفها. لكن الجرّة لم تنكسر. فالمعلومات في بيروت أشارت إلى أن الرئيسين ميقاتي وسعد الحريري سيلتقيان اليوم، في “مكان محايد”، هو إما السرايا الحكومية، أو منزل الرئيس تمام سلام. فكل منهما رفض زيارة الآخر في منزله. فاقترح الوسطاء عليهما انعقاده في منزل صديق مشترك. وبعد أخذ وردّ، تدخّل رئيس الحكومة تمام سلام، والسفير السعودي علي عواض العسيري، ليستقر الأمر على أن يستضيف سلام سلفَيه المتخاصمين. هذا في الترتيبات “اللوجستية”. أما سياسياً، فجوهر القضية أن الحريري يريد تجنّب معركة في طرابلس. هذه المعركة لو وقعت، فستكون كلفتها عالية جداً، سواء لناحية التكاليف المالية لخوضها، أو لجهة الآثار السياسية لأي هزيمة يمكن أن يتعرّض لها المستقبل. ونتائج أي انتكاسة حريرية في عاصمة الشمال ستتضاعف ربطاً بما أفرزته انتخابات بيروت، التي أظهرت لرئيس تيار المستقبل “أعطاباً” بنيوية في ماكينته الانتخابية. وإذا كانت قدرته الشخصية على التحشيد قد تراجعت في العاصمة، فكيف الحال في طرابلس وتعقيداتها وكثرة أقطابها السياسيين وصعوبة التحكم بشارعها؟
هذه الوقائع تمنح الحريري أسباباً إضافية لتجنّب المعركة في عاصمة الشمال، فضلاً عن المسعى الذي يقوده السفير السعودي علي عواض العسيري، والرامي إلى “جمع أقطاب الطائفة السنية” قدر الإمكان. أما ميقاتي، فميّال بطبعه إلى التفاهم وعدم خوض المعارك. ورغم ذلك، فإنه طلب من ماكينته بدء التجهيز لمعركة قاسية ستُفرَض عليه مع حليفه الوزير السابق فيصل كرامي، مع احتمال أن يكون حليفه التقليدي النائب محمد الصفدي داعماً للائحة تيار المستقبل. وبعد لقاء ميقاتي ــ الحريري اليوم، يُتوقع استكمال المشاورات بين ممثلين عن كل منهما، يُفترض بحسب مصادرهما أن تُستكمل في غضون 48 ساعة لا أكثر لتحسم وجهة المفاوضات: لائحة توافقية في طرابلس، أو معركة. لكن مقربين من الحريري وميقاتي يعوّلون أيضاً على لقاء ثانٍ سيجمعهما، مع غيرهما من “سياسيي الطائفة”، في منزل العسيري في العشرين من الشهر الجاري، ليشكّل دفعاً إضافياً نحو التوافق.
في طرابلس، كانت المفاوضات قد توقفت عند الفيتو الذي وضعه تيار المستقبل والصفدي على المرشح عبد الرحمن الثمين، وتحفظ ميقاتي والوزير السابق فيصل كرامي عن المرشح عمر الحلاب، بعدما وجدا أن الشارع الطرابلسي الموالي لهما لم يتقبله، نتيجة تسرّعه في الاحتفال بالتوافق المبدئي عليه. ثم عاد تيار المستقبل ليضع “فيتو” على المرشح عثمان عويضة، وأعاد مجدداً ترشيح الحلاب إلى الواجهة. وكان ميقاتي قد سمّى الحلاب وعويضة والثمين لتختار القوى السياسة أحدهم رئيساً للائحة توافقية.
وأفادت المعلومات التي حصلت عليها “الأخبار” من مصادر عدة بأن ميقاتي التقى أول من أمس النائب محمد كبارة ورجل الأعمال طارق فخر الدين، وهما إحدى قنوات التفاوض بينه وبين الحريري، وأبلغاه أن الأخير والرئيس فؤاد السنيورة مصرّان على الحلاب مرشحاً توافقياً، فيما أصرّ ميقاتي على تبني عويضة المقرب منه.
وأضافت المعلومات أن إصرار الحريري والسنيورة على تبني الحلاب يعود إلى أن الأخير مقرب منهما، وكان مشرفاً على وضع دراسات تتعلق بردم البحر جنوبي طرابلس بهدف إقامة رجال أعمال مقربين من تيار المستقبل مشاريع تجارية وسياحية فوق المنطقة المردومة.