تستيقظ البرازيل، اليوم الجمعة، على حكومة برئاسة ميشال تامر، الذي يتسلم الحكم لمدة ستة أشهر، يواجه خلالها تحديات عدة، أبرزها النهوض بالبلاد الغارقة في أزمة اقتصادية عميقة وتجنب فضيحة فساد مدوية ورد اسمه فيها.
وفي مراسم تسلم مهامه، أمس الخميس، في قصر بلانالتو الرئاسي، قال تامر، المنتمي إلى حزب الحركة البرازيلية الديموقراطية الكبير: “أمامنا القليل من الوقت… لكننا سنجتهد لإرساء إصلاحات تحتاج إليها البرازيل”.
وأنهى تصويت تاريخي في مجلس الشيوخ البرازيلي، أمس، مهام الرئيسة، ديلما روسيف، وبات نائبها، ميشال تامر، رئيساً، في زلزال سياسي أنهى 13 عاما من حكم اليسار، في أكبر دولة في أميركا اللاتينية.
وصوّت أعضاء مجلس الشيوخ بأغلبية 55 نائبا من أصل 81 لصالح بدء إجراء إقالة روسيف، المتهمة بالتلاعب بأموال الدولة.
واستبعدت روسيف (68 عاما) تلقائيا من السلطة لمدة أقصاها 180 يوما، في انتظار صدور الحكم النهائي لمجلس الشيوخ، الذي يفترض أن يصوت بغالبية الثلثين (54 صوتا من أصل 81) من أجل إقالة نهائية.
صعوبات اقتصادية
ووجه تامر خطابا إلى الأمة، ألقاه محاطا بحكومته للإصلاح الاقتصادي، ذات التوجه الليبرالي، أكد فيه أنه “من المُلِحّ استعادة مصداقية البرازيل على الساحة الوطنية والدولية”.
وشكل تامر (75 عاما)، المحامي المتخصص في الدستور والسياسي المحنك والمتكتم، حكومته منذ ظهر أمس مع خطة للنهوض الاقتصادي تشمل اقتطاعات في الميزانية وتحفيز الاستثمارات لكبح التضخم المرتفع وتزايد البطالة.
وعيّن تامر الحاكم السابق للمصرف المركزي، إنريكي ميرييس، وزيرا للمالية، والحاكم السابق لولاية ساو باولو، خوسيه سيرا، وزيرا للخارجية.
لكن لم تكد تـُعلَن تشكيلة الحكومة حتى انهالت عليها الانتقادات، لا سيما أن الصيغة المؤلفة من 24 وزيرا لا تتضمن سيدة أو شخصا من إثنية غير البيض.
غير أن الأسواق رحبت بتعيين ميرييس، الذي نجح على رأس البنك المركزي في أثناء حكم لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (2003-2010) في احتواء التضخم وتقويم الاقتصاد البرازيلي.
وسيعلن وزير المالية الجديد، اليوم الجمعة، عن إجراءات قاسية من أجل إخراج البلاد من أسوأ كساد اقتصادي تشهده منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
لكن بالنسبة إلى تامر، تبدو الصعوبات جمة. فعليه التعامل مع معارضة يسارية شرسة، ناهيك عن المشاكل، التي أضرت بروسيف، ومنها التدهور الاقتصادي (تراجع إجمالي الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.8% في 2015).
بالإضافة إلى ذلك، يخضع عدد من وزرائه وحلفائه لمراقبة القضاء في قضايا فساد، مما يضعف مصداقية الرئيس الجديد.
وسيكون تحت المجهر بسبب طريقة وصوله إلى سدة الرئاسة بعيدا عن صناديق الاقتراع، لا سيما أنه لا يتمتع بشعبية واسعة. وأشار استطلاع للرأي أخيرا إلى حصوله في حال تنظيم الانتخابات على أصوات 1% إلى 2% من الناخبين.
ودعت روسيف، أمس الخميس، شعب بلادها إلى “التعبئة ضد الانقلاب”، وذلك في أول كلمة لها بعد التصويت على بدء إجراءات إقالتها.
وقالت: “أدعو كل البرازيليين المعارضين للانقلاب، من أي حزب كانوا، إلى البقاء في تعبئة وموحدين ومسالمين”، مضيفة أن “الخطر لا يحدق فقط بولايتي، بل أيضا باحترام أصوات الناخبين وسيادة الشعب البرازيلي والدستور”. وكررت روسيف القول إنها ضحية “انقلاب” و”مهزلة قضائية وسياسية”. وتتهم المعارضة اليمينية روسيف بارتكاب “جريمة مسؤولية” من خلال التلاعب عمدا بمالية الدولة لإخفاء حجم العجز في 2014، عندما أعيد انتخابها في اقتراع مثير للجدل. وتقول روسيف، المناضلة السابقة التي تعرضت للتعذيب في أثناء الحكم الديكتاتوري (1964 – 1985)، إن جميع أسلافها لجأوا إلى هذه الأساليب من دون أن يتعرض أحد لهم. كما ترى أنها ضحية “انقلاب دستوري” أعده “الخائن” ميشال تامر، الذي سرع سقوطها من خلال سحب حزبه في أواخر آذار/مارس من الأغلبية الحكومية. وعلقت مهام روسيف، التي لا تتجاوز شعبيتها 10%، في خضم فضيحة فساد متعلقة بمجموعة “بتروبراس” النفطية الحكومية. وتطاول الفضيحة جزءا لا بأس به من النخبة السياسية البرازيلية. وقد ورد اسم تامر فيها أيضاً. وكشف تحقيق عن شبكة ضخمة من الرشى دفعتها مجموعات بناء إلى “بتروبراس” وسياسيين، لانتزاع استدراجات عروض. وأجيز لروسيف المكوث في مقر إقامتها الرسمي في الفورادا مع والدتها، خلال فترة محاكمتها، وستحتفظ براتبها وبحراسها الشخصيين. وقالت روسيف: “أشعر بألم الظلم”، وذلك قبيل الاعتكاف في منزلها، حيث تبدأ إعداد دفاعها.