كتبت رلى إبراهيم في صحيفة “الأخبار”:
لا حدود لسخاء التيار الوطني الحر في المتن الشمالي. في عام 2010، خاض التيار معركة النائب ميشال المر في بلدات الساحل وقَبِلَ بما تركه «ريّاس» المر في المجالس البلدية، قبل أن يهدوه رئاسة الاتحاد. واليوم، يجود البرتقاليون مجدداً على «أبو الياس»، ويعيدون تنصيبه زعيماً على بلدات المتن… مع حبّة مسك
أنهى النائب ميشال المر انتخابات بلديات المتن الشمالي باكراً حتى قبل أن تبدأ، والقضاء الذي كان يفترض أن يكون ساحة المعركة الرئيسية للتيار الوطني الحر عاد الى جيب أبو الياس.
يمكن تخيله اليوم جالساً على أريكته في بتغرين، منتشياً بالفوز مجدداً برئاسة اتحاد بلديات المتن، من دون أن يتكلّف عناء تعيين مندوبين وتشغيل ماكينة أو الدخول في دهاليز البلدات ومشكلاتها. أخيرا، فازت 15 بلدية توالي زعيم العمارة بالتزكية: الدكوانة، المنصورية، الجديدة ــ البوشرية ــ السدّ، برج حمود، الرابية، ديك المحدي، بتغرين، زرعون، الغابة، مار شعيا ــ المزكة، برمانا وبياقوت.
ويوم الأحد المقبل، ستفوز بلدايتان يديرها «ريّاس» المر بطريقة تشبه التزكية (الزلقا وقرنة شهوان)، لعدم قدرة المرشحين المنافسين على ترشيح لوائح مكتملة معهم. 17 بلدية في جيب المر بسهولة تامة، في قضاء فاز فيه النائب ميشال عون بكل المقاعد النيابية حيث اقترع الناخبون للأول على اللائحة البرتقالية بأكثر من 40 ألف صوت! هكذا أمّن أبو الياس 17 صوتاً للاتحاد، وهو كل ما يحتاج إليه للفوز، إذ يتألف اتحاد البلديات من 33 بلدية ومن يحصل على النصف زائداً واحداً من عدد الأصوات يفوز تلقائياً.
لا يختلف اثنان على أن المر يعرف من أين تؤكل كتف العائلات المتنية، يساعده في ذلك أن خصمه العوني المفترض ليس سوى شريك سخيّ. وللمرة الثانية على التوالي، لم ير التيار بنوابه وقياداته نفعاً من منافسة المر على المراكز الرئيسية في المتن، ففضلوا الانشغال بما تركه أبو الياس لهم في بعض البلدات الثانوية ليمارسوا هوايتهم المفضلة بمنافسة بعضهم بعضاً. وهو ما أدى الى مزيد من الهدايا البرتقالية في بصاليم وقنابة برمانا والعيون والدوار ومزرعة يشوع، حيث معارك رابحة للمر بصرف النظر عن نتيجة الفائز، لأن اللائحتين المتنافستين في كل بلدة (وبضمان العونيين بالطبع) تختلفان على كل شيء إلا على حبهما لأبو الياس. لم يكتف المر بما سبق وبما سيحصل عليه عشية انتهاء الانتخابات، بعد ضمانه مسبقاً تهافت رؤساء البلديات إليه مهما كان انتماؤهم من أجل تقديم فروض الطاعة: فتمويل المشاريع الكبيرة والحصول على الرخص وكل ما تحتاج إليه البلدية لتصرّف أعمالها الملحة لا يمرّ إلا عبر الاتحاد. لذلك من يرأس هذا الاتحاد لا يحتاج الى الفوز بالبلدية طالما أن «الجزرة» في حوزته. آثر التمسك ببلديات الساحل الأساسية، حيث الثقل المالي والشعبي والخدماتي، ليحافظ على شبكة ريّاسه من الدكوانة حتى ضبية. وهناك يخوض معارك، إما بمساعدة التيار أو في مواجهته، علماً بأن أيّاً من مرشحي العونيين لا يحمل بطاقة حزبية أو هو ملتزم في التيار.
«متاريس» سنّ الفيل
البداية من سن الفيل، حيث شكّل التيار الوطني الحر لائحة برئاسة رئيس ديوان نقابة المحامين جوزف شاوول (من أصول شمعونية) في وجه رئيس البلدية الحالي الكتائبي نبيل كحالة. سريعاً، اكتسبت المعركة طابعاً سياسياً بعدما بلغت الحماسة بالنائب ابراهيم كنعان حدّ عقد مؤتمر إعلان اللائحة، علماً بأنه في مسقط رأسه، بلدة الجديدة، فازت البلدية بالتزكية لحساب أنطوان جبارة الموالي للمر. رغم ذلك، اصطف بعض المنتسبين الى التيار وبعض العائلات العونية وراء كحالة وترشحوا على لائحته. وتقول الشائعات في هذا السياق إن متاريس العونيين في ما بينهم في بيروت، بروفة مصغرة لما سيحصل يوم الأحد المقبل في سن الفيل. يدعم شاوول قسمٌ من عائلته وكل من النائب كنعان وهيئة التيار المحلية وحزب القوات اللبنانية والطاشناق وحزب الله وحركة أمل، فيما يحوز كحالة دعم الكتائب وجزء من التيار والعائلات الكبيرة والقسم الثاني من عائلة شاوول بعدما أعلن مرشح التيار السابق الى البلدية عبدو شاوول تأييده العلني لكحالة. ومجدداً، «أبو الياس» يضحك في عبّه بانتظار انتهاء المعركة الطاحنة، فحصته في الريّسين مضمونة كيفما مالت الكفة.
«بتحبّ جسر جل الديب، انتخبنا»
ومن سنّ الفيل الى جل الديب، حيث ينقسم التيار الى تيارين، وبالتالي لائحتين: لائحة يدعمها النائب نبيل نقولا برئاسة أحد أعضاء البلدية الحاليين ريمون عطية، ولائحة أخرى برئاسة أندريه زرد أبو جودة ويدعمها جزء من هيئة التيار المحلية ورئيس هيئة القضاء هشام كنج. عنوان المعركة الرئيسي هنا ليس سوى جسر جلّ الديب، وعليه تشتعل صفحات التواصل الاجتماعي منذ ما يقارب الشهر بالشتائم والاتهامات المتبادلة تحت عنوان: «اللي بيحب جسر جل الديب ينتخبنا». الانقسام العوني أعقبه انقسام قواتي، إذ يقف مسؤول القوات في البلدة توفيق الحجل الى جانب عطية، فيما يؤيد قواتيو البلدة بمن فيهم أمين سرّ القوات لائحة زرد أبو جودة. بيضة قبان جلّ الديب هم مناصرو الحزب السوري القومي الاجتماعي. وحتى يوم أمس، لم يكن هؤلاء قد حسموا أمرهم. أما عضو المجلس البلدي الحالي جوزيف الملاح الذي يشكّل حالة فردية كونه أهم رجال الأعمال في البلدة والمدير العام لشركة ملاح غروب هولدينغ التي تدير أكثر من ثلاثين شركة (تضم عدداً لا يستهان به من أبناء جل الديب)، فيؤيد ريمون عطية. وسط ذلك، يقف رئيس البلدية الحالي إدوار زرد أبو جودة الى جانب عطية أيضاً، والريّس إدوار هو كبير جب آل عطية ويشدّ عصب العائلة من هذه الناحية. فيما يميل رئيس رابطة آل أبو جودة، وليم، الى جانب أحد أقرباء الريّس، أي أندريه أبو جودة. أما الرابح الأكبر، فالمر طبعاً. وعد اللائحتين بدعمهما، كلّاً على حدة، في ظل غياب أي منافس حزبّي وضع نصب عينيه تحجيم المر في جل الديب.
أنطلياس تستغيث
في أنطلياس، قرر التيار الوطني الحر أخيراً تأليف لائحة برئاسة عوني يدعى إيلي الصافي (غير منتسب الى الحزب) لمنافسة رجل المرّ الريّس إيلي أبو جودة. ويفترض بهذه المعركة أن تكون حادة نظراً الى أن صندوق البلدية فائض بما يزيد على 40 مليون دولار راكمها أبو جودة خلال سنوات رئاسته من دون اهتمام بإنفاقها إنمائياً في البلدة التي ليست على ما يرام من كل النواحي: المبنى البلدي قيد الإنشاء أوقف العمل فيه منذ مدة طويلة لأنه «غير مطابق لكل القواعد الهندسية». لكن القرار اتخذ بعد تبديد نحو 6 مليارات ليرة لبنانية؛ مشروع إنهاء توسيع طريق أنطلياس الداخلية معلّق هو الآخر، ما يسبب زحمة سير خانقة من دون مبرر. الشركة التي أعدت مخططاً لخفض نسبة الازدحام الداخلي في شارع البلدة الرئيسي لم تتمكن من تنفيذه بسبب فيتو الريّس على تحويل الطريق الى وجهة واحدة، وما يسببه ذلك من إزعاج لأصحاب المحال التجارية!
لا همّ، يخوض أبو جودة الانتخابات بحماسة، مدعوماً من القوميين وبعض العائلات العونية وحزب الطاشناق الذي يشكل قوة كبيرة في البلدة. فيما يخوض الصافي ونائب الرئيس القواتي شادي بو بحيبي معركتهما بدعم من منسق التيار أسعد يونس وحزب القوات اللبنانية. أما الكتائب فـ»إجر عند بو جودة وإجر عند الصافي».
عميد «الريّاس» في ضبية
لضبية رمزيتها الخاصة في المتن الشمالي، إذ يرأس بلديتها عميد «الريّاس» قبلان الأشقر منذ أكثر من 50 عاماً. والأشقر عابر للأحزاب وصديق الجميع وخصوصاً المر… ثم القوات والتيار والقوميين والكتائب والطاشناق. لذلك من الصعب جداً منافسته على مقعده، إلا أن ذلك لم يمنع ظهور لائحتين في مواجهته: الأولى برئاسة جوزيف الأشقر ويدعمه القوميون وجزء من الكتائب (تضم لائحته مرشحاً كتائبياً) ومجموعة «عونيون» التي تعتبر الثقل الأكبر للعونيين في ضبية.
معركة جلّ الديب افتراضية عنوانها «لي بيحب جسر جل الديب ينتخبنا»
فيما اللائحة الأخرى يرأسها زياد ضومط الذي يميل الى حزب الكتائب بدعم من منسق هيئة التيار عادل يمين ومنسقَي التيار السابقين عبدو لطيف وحبيب صقر ومسؤول الأحرار غابي عبود. أما الريّس قبلان الأشقر فيحظى بدعم الكتائب والقوات والطاشناق والمرشح عن المقعد الكاثوليكي في التيار جورج عبود (ضبية مسقط رأسه). وعبود يقفز منذ شهرين من بلدة الى أخرى مشاركاً في تأليف اللوائح ويمكن رصده في الصور الرسمية لعدد منها، إن كان في ضبية أو بصاليم أو بولونيا أو شويا أو الخنشارة. وبالمناسبة، تشتعل الخنشارة بمعركة حامية رغم سعي رئيس دير مار يوحنا الصايغ للرهبانية الباسيلية الشويرية (المركز العام للرهبنة الكاثوليكية) إرساء التوافق فيها. أخيراً، بات للبلدة لوائحها الثلاث، الأولى مدعومة من عبود، لما تمثله من ثقل كاثوليكي، برئاسة رئيس البلدية الحالي أنيس سماحة. اصطفاف التيار بغالبيته وراء لائحة سماحة يكاد يحسم نتائج الانتخابات، كونه صاحب الأصوات الأكبر في البلدة بما يعادل 500 صوت. يرأس اللائحة الثانية رئيس قسم الكتائب السابق كمال سماحة بدعم من الكتائب والحزب القومي، فيما تقف القوات اللبنانية الى جانب رئيس اللائحة الثالثة أسعد رياشي، علماً بأن لائحتي التيار والقوات غير مكتملتين وذلك لترك مجال لتبادل الأصوات. أما النائب ميشال المر، فله حيثية مؤثرة داخل البلدة، غير أنه حتى الساعة لم يحسم أمر أصواته ربما في انتظار اتضاح الصورة النهائية للوقوف الى جانب الريّس الرابح. وفي بصاليم، أبو الياس فائز في الحالتين، أكان الربح من نصيب جورج سمعان الكتائبي المدعوم من الطاشناق، أم رجله نسيم بو حبيب والعوني جورج مزهر اللذين يتقاسمان الولاية البلدية بمساندة من القوات والتيار وحزب الله.
حرب بيانات بين العونيين
في ما يخص الانتخابات البلدية، النظام الداخلي للتيار الوطني الحر واضح من حيث ضرورة عقد هيئة البلدة المحلية لجمعية عمومية يجري فيها رفع اسماء المرشحين الى هيئة القضاء عن طريق مسؤول الخدمات والبلديات. والأخير يعرضها على هيئة القضاء التي تبدي رأيها بالأسماء وترفع تقريرها إلى مجلس القضاء الذي يدلي بدلوه أيضاً قبل أن يحيل الأسماء على أمانة السر المركزية. ويفترض بالأمانة أن ترفع المعطيات التي تلقّتها الى المجلس السياسي ورئيس الحزب لاتخاذ القرار النهائي. ما سبق لم يحصل في أي بلدة متنية، وان حصل كما في حالة بيت شباب وبسكنتا، بقي في أدراج هيئة القضاء التي لم تجتمع منذ 12 نيسان 2016. ازاء ذلك، فتح بعض مسؤولي التيار «على حسابهم» وخصوصا في البلدات التي تشهد معارك عونية ــــ عونية، وبدأت حرب الرسائل النصية تصل الواحدة تلو الأخرى: هيئة القضاء تدّعي «مباركة» النائب ميشال عون والرئيس جبران باسيل للائحة على أخرى في ضبيه وجل الديب، وعضو المكتب السياسي الجبيلي ناجي حايك يسرح ويمرح على محطات التلفزة داعما هذا في الخنشارة وذاك في سنّ الفيل، محاولا الايحاء بأنه يمثل صوت «الجنرال». فيما يجول بعض العونيين في بلدات لحثها على الوقوف مع مرشح معين تحت عنوان: «الجنرال يريده». وهو ما دفع منسق لجنة الاعلام المركزية في التيار الوطني الحر ادغار طرابلسي الى الاعلان في حديث اذاعي أن «أي بيان لا يخرج عن لجنة الاعلام المركزية في التيار ليس له اي قيمة».