كتبت هيام القصيفي في صحيفة “الأخبار”:
قراءة نتائج انتخابات زحلة وبيروت وارتداداتها نيابياً، يمكن أن تصبّ في مصلحة القوى السياسية المسيحية، وتفتح أمامها باباً جديداً في صياغة اللوائح في الانتخابات النيابية المقبلة، حتى لو على أساس قانون 1960
لا يزال صدى الجولة الاولى من الانتخابات البلدية في زحلة وبيروت يتردد في الاوساط السياسية، التي عكفت على درس النتائج والارقام بروية وهدوء، بعيداً عن انفعالات لحظات الربح والخسارة، وعن الاستخدام السياسي والاعلامي للأرقام عشوائياً.
لا يمكن التعويل على نتائج انتخابات جبل لبنان، ولا سيما في البلدات المسيحية الصرف، حتى لو كان اسمها جونيه أو دير القمر، لقراءة انعكاسات نتائج الانتخابات البلدية على الانتخابات النيابية المقبلة، لأن نتائجهما ليست مؤشراً سياسياً عاماً. فبعيداً عن الاصطفاف والتفاهمات الثنائية المسيحية، تشكل انتخابات زحلة وبيروت المعيار الأكثر دقة لترجمة ما يمكن أن تحدثه نتائج الانتخابات النيابية المقبلة، لأن ناخبي الدائرتين يمثلون تنوعاً طائفياً ومذهبياً، هو في حدّ ذاته عامل أساسي في الانتخابات النيابية ومدى تأثر التحالفات السياسية بالتصويت الطائفي المتنوع.
أول ما أثبتته معركة زحلة أن تفاهم رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع قادر على تأليف قوة ضغط وكتلة مؤثرة في أي انتخابات نيابية تجرى ولو على أساس قانون 1960 الحالي، مع كل عثراته. ويمكن تلمس حجم هذا الارتداد من تصريحات وردود الفعل التي سيقت ضد التفاهم المسيحي قبل الانتخابات البلدية وبعدها.
نتائج الانتخابات، استناداً الى التفاهم الثنائي، أدت الى أن يتحرر عون تحديداً من الصوت الشيعي الذي بقي منذ عام 2005 حتى عام 2009 عنوان الحملات السياسية التي خيضت ضده، بذريعة أن نواب التيار الوطني الحر في جزين وجبيل وبعبدا وصلوا الى المجلس النيابي بسبب هذا الصوت. وفي الآونة الاخيرة عادت هذه النغمة مجدداً، خصوصاً بعد تفاهم عون وجعجع، والتذكير مرة تلو أخرى بأن عون لا يمثل المسيحيين، لأن جزءاً من كتلته النيابية وصل بأصوات غير المسيحيين. لكن حسابات زحلة أثبتت، واستناداً الى نسب الاصوات الشيعية والسنية التي لم تصب للائحة الأحزاب، أن أي تفاهم مسيحي داخلي كما حصل بين عون والقوات، قادر على تغيير المعادلات القائمة، وسيعطي اللائحة المسيحية هامشاً كبيراً من الحرية في اختيار المرشحين في الدوائر المختلطة. لا بل إنه يمكن أن يؤدي الى تفاهم مسبق مع القوى المعنية في تسمية نواب بعبدا وجبيل الشيعة والدروز.
ومن شأن هذا الحضور المسيحي في المقابل أن يعزز الحوار مع حزب الله أو يشكل دعامة له في مناطق تحمل حيثيات معينة كالبقاع الغربي، لإيصال نواب بدلاً من النائبين أنطوان سعد وروبير غانم، أو على الأقل خوض معركة جدية عليهما.
تفترض نتائج الانتخابات قراءة متأنية لكل تفاصيلها، فأي ارتداد من مثل ما سبق، يمكن أن يؤدي الى ردّ فعل مضاد، وهو ما بدأت إشاراته تظهر مع تصريحات الرئيس سعد الحريري بعد إعلان الفوز الضئيل للائحة البيارتة.
يمكن للحريري أن يرى أنه تحرر من حلفائه المسيحيين، القوات والكتائب أيضاً، وفي إمكانه أن يعتقد أنه قادر على الرد انتخابياً على أي تفاهم مسيحي انتخابي، في دوائر الكورة وعكار وطرابلس حيث الثقل السنّي. لكن وقائع المعارك النيابية الاخيرة والاحجام التي باتت معروفة بفعل العوامل السياسية المستجدة، تثبت أن القوى المسيحية قادرة على خلق متغيرات حتى في عكار إذا قرر المستقبل السير من دونها، من خلال التفاهم مع قوى سنية موجودة على الارض، علماً بأن الكتلة الشعبية العلوية في عكار لن تصب في مصلحة المستقبل بطبيعة الحال. وكذلك فإن تحالف العونيين مع القوميين في الكورة قادر أيضاً على إحداث ذبذبة انتخابية مؤثرة، ولو تحالف المستقبل مع المردة في هذا القضاء.
يمكن للقوى المسيحية أن تغير المعادلات الانتخابية التي باتت سائدة منذ 2005، في أكثر من دائرة انتخابية. وإذا كان الحريري استاء من نتائج انتخابات دائرة بيروت الاولى، فلأنه بات واثقاً من أن هذه الدائرة فلتت من يده ومن يد أي فريق يحاول الاستئثار بها، من دون أن ننسى أن «التعيين» الذي سجل في دائرة بيروت الثانية بعد الدوحة لن يتكرر، وستكون الدائرة خاضعة لمعركة كسر عظم وفق الاصطفافات الجديدة.
والقراءة المتأنية تفترض أيضاً أن النائب وليد جنبلاط سيأخذ نتائج جبل لبنان، كما نتائج بيروت وزحلة في الاعتبار، وفق ما حققه التحالف المسيحي الجديد. وجنبلاط أكثر من يعرف قراءة صناديق الاقتراع بدقة، وقد لا ينأى بنفسه عن القيام بتسويات انتخابية مع القوى المسيحية في عاليه والشوف لتجنيبهما أي حدة انتخابية لا تكون في مصلحة أحد من الاطراف المعنيين.
أهمية الجولة الاولى في زحلة وبيروت تكمن في توزع الناخبين، وفي توجهات الناخبين المسيحيين، وهو أمر سيكون له ثقله في الانتخابات النيابية. والسؤال يبقى كيف يمكن للقوات، أحد أطراف التفاهم، أن تعزز مقاعدها أكثر، إذ إنها لا تزال تتمثل في المجلس النيابي بعدد محدود من النواب، وبأقل من قوتها الشعبية الحقيقية؟