كتب ألان سركيس في صحيفة “الجمهورية”:
يعيش معظم البلدات تقلّبات في التحالفات نظراً إلى مصلحة كلّ قوّة وحزب سياسيّ في هذه البلدة أو تلك، لكنَّ اللافت هو خوض بعض الأحزاب الإنتخابات على أساس الأحلاف الجديدة، متناسين حلفاءَ وقفوا الى جانبهم في أحلك الظروف وحافظوا على المبادئ الوطنية العامة، ودفعوا شهداءَ دفاعاً عن لبنان.
تأخذ المعركة في بعض بلدات جبل لبنان طابعاً محتدماً، خصوصاً في البلدات المسيحية الكبرى، لعلّ أبرزها في الشوف، دير القمر، بلدة الرئيس الراحل كميل شمعون الذي يشكّل رمزاً عند المسيحيين، خطَّط وعمل على صمودهم في عزّ الحروب والأزمات، وأسَّس للإزدهار الذي نفتقده في زمننا الحالي.
بعيداً من لعبة الأرقام والحسابات والتحالفات المشروعة في الانتخابات البلدية، فقد فاجأ إعلان نائب رئيس حزب “القوّات اللبنانية” النائب جورج عدوان تأليف لائحة مع “التيار الوطني الحرّ” لمواجهة لائحة حزب “الوطنيين الاحرار”، الأوساط المسيحية التي ترى في “الأحرار” رمزية مسيحية لا يجب إلغاؤها من المجتمع مهما تبدّلت التحالفات او تغيّرت الأولويات.
لا يمكن إنكار حقّ أيّ فريق في المنافسة الإنتخابية لكسب أكبر عدد من المقاعد، لكنّ ما كان لافتاً هو شعور المجتمع المسيحي بالمرارة، ليس من مسار المعركة الانتخابية، بل من إقدام “القوات” و”التيار” على خوض معركة لكسر رمزيّة “الأحرار”، وما هي المكاسب المسيحية الإستراتيجية من هكذا معركة، في حين أنّ هاتين القوّتين حاضرتان في كلّ مناطق لبنان، فهل إنّ مشروعهما لا يتحقّق سوى بتسجيل إنتصار على حزب الرئيس شمعون في بلدته؟
لم يهضم الجمهورُ المسيحي هذه الخطوة على رغم التبريرات، خصوصاً مع ظهور تعليقاتٍ عدة وموجة استياءٍ عارمة من المناصرين أنفسهم، إذ لا يشكّك أحد في شعبية “القوات” و”التيار”، وبلدية “بالزائد” أو “بالناقص” لا تؤثر في مجريات الأحداث، لكن إذا أخذنا المسار العام للأمور، فهل هناك من رمزية مسيحية تفوق رمزية الرئيس شمعون الذي يصفه المسيحيون بأنه “أب المقاومة اللبنانية”، بينما الوضع المسيحي الحالي يُرثى له.
واذا أردنا أن نتعلم من دروس الماضي الإيجابية، فلا بدّ من إستذكار تلك الحادثة الشهيرة يوم وقعت مجزرة الصفرا في 7 تموز 1980، حيث يروي الرئيس العام للرهبنة اللبنانية المارونية آنذاك الأباتي بولس نعمان في مذكراته أنّ جميع أعضاء “الجبهة اللبنانية” كانوا ينتظرون ردّة فعل شمعون لحظة دخول الرئيس بشير الجميّل بعد تنفيذ المجزرة، وعند دخوله ظنّوا أنه سيهجم عليه، لكنّ شمعون قال: “إنّ ما حصل قد حصل ووحدة الصف المسيحي فوق كلّ اعتبار، ولا أريد أن يسيل الدم في المناطق”، من ثمّ أوعز الى “نمور الأحرار” بتسليم سلاحهم أو الإنضمام الى “القوات اللبنانية”.
عدوان الذي يواجه رمزية “الأحرار” في دير القمر، كان حاضراً وشاهداً على كلّ تلك المرحلة وكان عضواً في “الجبهة اللبنانية”، ورأى طريقة تصرّف شمعون الإستعابية على رغم أنّ الجناح العسكري لـ”الأحرار” كان قادراً على الرّد. من هنا فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه بعد 36 عاماً:
“المعركة ستُخاض الأحد والنتيجة ستحسمها الصناديق، ومهما كان التصويت، فهل “إستكتروا” على “الأحرار” بلدية دير القمر مهما كانت أسباب فشل الوفاق، وهل من مصلحة المجتمع المسيحي أن يشبه بقية الطوائف من حيث الأحادية الحزبية أو الثنائية؟
في حين أنّ “الأحرار” كان أوّل مَن بدأ المقاومة وقاتل في تل الزعتر والضبية والكرنتينا، وواجه الفلسطيني والسوري وكلّ غريب حاول إحتلال لبنان، ورفض كلّ إغراءات السلطة بعد توقيع إتفاق “الطائف”.
إستطاع الرئيس شمعون أن يجمع الأحزاب المسيحية والمفكّرين والرهبانيات تحت راية “الجبهة اللبنانية”، وهو الذي تنازل عن التمديد عام 1958 لكي لا تذهب البلاد الى الحرب مع أنه كان يملك غالبية تسمح له بذلك.
وتنازل عن ترشيحه للرئاسة عام 1970 لصالح الرئيس الراحل سليمان فرنجية مع أنه كان بطريرك الموارنة السياسي، ووضع مصلحة المجتمع المسيحي واللبناني فوق كلّ إعتبار، وواجه النظامَ الشيوعي العالمي، والرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وحافظ الأسد، و”أبو عمّار”، فهل يريد مَن يواجه حزبه في دير القمر اليوم القول: “أنظروا الى الحزب الذي أسّسه شمعون، إنه لا يستطيع حصدَ بلدية بلدته؟”. من هنا فإنّ مراجعة الحسابات ضرورية، فالجميع مع التفاهمات، لكنهم في الوقت نفسه ضدّ الإلغاءات.