خضر حسان
في ظل الأوضاع الإقتصادية الحرجة، يقدّم منصب المختار فرصة لكسب المال المُحق وغير المُحق، إذ يكفل القانون للمختار حق إستيفاء بعض الرسوم لقاء إنجاز المعاملات. لكن الإستيفاء يفترض أن لا يكون مفتوحاً، بل محدداً وفق مرسوم، ولقاء بعض الأوراق والشهادات الأصلية والمهمات، وهي حصراً: “معاملات السفر، معاملات حصر الإرث، عقد رهن أو بيع، التصديق القانوني على الإمضاء، إعطاء شهادة تختص بإثبات حجز الأملاك، تسجيل قائمة جرد التركة، حصر الأملاك، وقوعات النفوس وللأفراد ضمن الأنظمة المرعية”، وفق المادة 17 من قانون المختارين والمجالس الإختيارية الصادر في العام 1947، وغير المهمات المحددة، تبقى “وظائف المختارين مجانية”.
البعد “الوظيفي” الذي إلتصق بصفة المختار، يعود إلى طريقة تعاطي بعض المخاتير مع هذا المنصب الذي يُعد من أساسيات الإدارة اللامركزية للدولة، والذي كان شاغله يُعرف في العهد العثماني بإسم شيخ الصلح. فللمختار وفق القانون مهمات كثيرة “تتعلق بالإدارة العامة والأمن العام، كإعطاء شهادات حسن السيرة لمن هو أهل لها والشهادات المطلوبة في معاملات إعادة الحقوق الممنوعة، ومهمات تتعلق بالأحوال الشخصية، كالمحافظة على سجل نفوس القرية أو المحلّة وقيد جميع الوقوعات الجديدة التي تبلغ إليه من دائرة النفوس، والتصديق على وثيقة الزواج أو الطلاق أو فسخ الزواج، وغيرها. بالإضافة إلى مهمات تتعلق بالشؤون المالية، كمساعدة الجباة ومعاونتهم في إستيفاء الضرائب وإجراء معاملات الحجز على أملاك المكلفين ومساعدة مأموري المالية وإدارة حصر التبغ والمسكرات في القيام بوظائفهم في المنطقة، فضلاً عن مهمات تختص بشؤون العدلية والشؤون العقارية والزراعية والصحية والمعارف والفنون الجميلة، مثل حض الأهلين على إرسال أولادهم إلى المدارس وحماية المباني الأثرية”.
إلا أن هذه المهمات باتت مهمشة في ذاكرة الأهلين، لمصلحة الممارسات “التجاريّة” من بعض المخاتير الذين “يركضون وراء الألف ليرة، ويشوهون صورة المختار”، وفق ما يقوله لـ”المدن” أحد مخاتير بلدة معركة في قضاء صور، حسين حجازي.
هذا النوع من المخاتير يُعامَل، أحياناً، في دوائر النفوس، بفوقية، فيطلب منه الكاتب المستعار (على الفاتورة) إعطاءه دفتر السجلات من هذا الرّف أو ذاك، وينهره أحياناً. وذلك يعود إلى تقليل المختار من قيمته بنفسه. ويشير حجازي إلى أن القليل من المخاتير في لبنان يمتهنون مهنة غير المخترة. وبسبب قلة هذه الفئة من المخاتير، يُشاع في القرى والبلدات أن المخترة هي مهنة، ومنها يكسب المال.
المحامي منافساً
يلفت حجازي النظر إلى أن الصورة الحاضرة للمخاتير ترتبط بتغيّر القيم الاجتماعية أيضاً. إذ “لم يعد للعائلات كلمة، ولا وجود لما كان يُعرف بكبير العائلة لتتوافق العائلات عليه لترشيحه كمختار”. هذا التغير إنعكس على دور المختار وسمعته وقيمته كسلطة وموقع وسط العائلات، مع حفاظ المختار على دوره الإداري كوسيط بين السلطة المركزية والناس. يضيف حجازي أن “إنتشار منصب المحاماة، أدى إلى تراجع دور المختار الذي كانت الناس تلجأ إليه في الماضي، لحل القضايا الخلافية”.
ويرى حجازي صعوبة إلغاء دور المختار وإحالة مهماته إلى المجالس البلدية التي يتسع دورها عن دور المختار. “في ظل القوانين الحالية، لا يوجد لجنة للأحوال الشخصية في البلديات، وهذا ما يبقي على دور المختار بشكل أساسي”.
مختار سابق
يسمح غياب الرقابة وعدم تطبيق القوانين من بعض المخاتير بالإنتفاع من المنصب حتى بعد إنتهاء ولاية المختار، علماً أن المادة 18 من قانون المختارين، تنص على أن “كل مختار تنتهي مدة ولايته ويتابع ممارستها أو يمتنع عن تسليم المستندات الخاصة بوظيفته للسلطة الإدارية يعاقب بمقتضى المادة 375 من قانون العقوبات”. وتنص أيضاً على ان “كل موظف غير الذين ذكرتهم المادة 306 عُزل أو كُفت يده وكل شخص نُدب إلى خدمة عامة بالانتخاب أو بالتعيين وانتهت مدته، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات إذا مضى في ممارسة وظيفته خلافاً للقانون”.
والإنتفاع يكون بعد نسج المختار علاقات داخل دوائر النفوس، فيعمد المواطن إلى الطلب من المختار المنتهية ولايته، إنجاز أوراق من دوائر النفوس، فيقوم المختار بواسطة علاقاته بإنجاز الأوراق المطلوبة، والإستعاضة عن ختمه وتوقيعه بختم وتوقيع مختار آخر. وبالتالي، إستيفاء أتعاب غير محقة. وتمتد رقعة الإستفادة إلى تسهيل إنجاز معاملات الزواج في المحاكم الشرعية وتسهيل الحصول على إخراجات قيد عائلية وفردية للمتزوجين الجدد، وتتجاوز كلفة إصدار إخراج قيد عائلي جديد، ومع إخراج قيد فردي للزوج والزوجة مبلغ 100 ألف ليرة، ناهيك بالمبالغ المحصلة لقاء تسريع معاملات الزواج داخل المحكمة، والتي تراوح بين 50 و150 ألف ليرة، بحسب “واسطة” المختار. والحالة المادية لصاحب العلاقة. وكل هذه التجاوزات يسهل ملاحظتها بالعين المجردة خلال الوجود في أغلب المحاكم الشرعية.
2800 مختار سنوياً
يُعطي القانون بعض الحقوق التي تصبغ المخترة بالمهنة إلى حدّ معيّن، خصوصاً لجهة التقديمات والتعويضات التي يقدمها للمخاتير. فالمختار ينتسب إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فضلاً عن بعض التقديمات التي أقرها قانون طابع المختار الصادر في العام 2001، الذي يقر طابع المختار بقيمة 250 ليرة، ويلصق الطابع على جميع المعاملات والإفادات والتقارير الصادرة عن المختار.
يضاف إلى ذلك، وجود صندوق تعاضد المختارين المرخص من وزارة الإسكان والتعاونيات منذ العام 1999. وهدفه “تأمين المنح والإعانات الاجتماعية للمستفيدين منه وتحقيق أي مشروع اجتماعي لمصلحة المخاتير”. لكن الصندوق غير فاعل اليوم ولا يستفيد منه المخاتير، بحسب حجازي، الذي يؤكد أن الدولة تستوفي رسوم طابع المختار، وتنتظر تجميع الأموال في الصندوق للمباشرة بالتقديمات، وهو ما يجعل خدمات الصندوق على المدى البعيد وليس الحاضر، مع الإشارة إلى الصعوبات المالية التي يمكن أن تواجه تقديمات الصندوق، خصوصاً أن على الدولة لاحقاً أن تنفق على نحو 2800 مختار سنوياً.