Site icon IMLebanon

نهاية بدر الدين بعد نصف ساعة من لقائه سليماني!

تبتلع سوريا قادة “حزب الله” الواحد تلو الآخر. فبعد اغتيال قائده العسكري عماد مغنية في حيّ كفرسوسة في دمشق في شباط من العام 2008، ومقتل قائد وحداته الخاصة علي فياض على إحدى جبهات القتال في خناصر في شباط الماضي، اغتيل ليل أول من أمس أحد أعضاء مجلسه الجهادي و”وزير الأمن” فيه مصطفى بدر الدين، الملقب بـ “ذو الفقار”.

وجاء اغتيال بدر الدين، “ليعيد إلى الحياة” ذكريات عن الأدوار الأمنية لهذا الرجل الذي ترك بصماته السود في الكويت العام 1983، حين ارتكب جريمتيْ تفجير السفارتين الأميركية والفرنسية وما استجرّه توقيفه والحكم عليه من عمليات إرهابية في الكويت في إطار الضغط لإطلاقه، وعلى وقع مواصلة المحكمة الخاصة بلبنان محاكمته غيابياً مع أربعة آخرين من “حزب الله” في جريمة اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري في 14 شباط 2005.

وكانت الساعة قرابة العاشرة والنصف من ليل الخميس – الجمعة حين استهدف صاروخا جو – أرض أحد المباني في حرم مطار دمشق الدولي، في عمليةٍ أمنيةٍ بالغة الدقة أدّت إلى مقتل بدر الدين وجرح خمسة آخرين من “حزب الله” بعدما أحدث الصاروخان انفجاراً هائلاً في المبنى الذي كان موضوعاً في تصرُّف الحزب، فدُمّر على نحو كامل… واكدت مصادر مطلعة لـ”الراي” ان الصاروخين ضربا المبنى بعد نصف ساعة من مغادرة قائد لواء القدس العميد قاسم سليماني له اثر اجتماع عقده مع بدر الدين، ما يعني من وجهة نظر مراقبين ان اسرائيل حيَدت المسؤول الايراني وانتظرت خروجه من المبنى قبل ان تقصفه.

وشكل اغتيال بدر الدين، الذي شُيّع الجمعو 13 أيار في الضاحية الجنوبية لبيروت، ضربة موجعة لـ “حزب الله”، رغم ما يشاع عن أن تَحوُّل هذه المنظمة غير النظامية إلى مؤسسة تشبه الجيوش، من شأنه الحد من الخسائر التي قد تنجم عن سقوط “العقول المدبرة” فيه، وهو الأمر الذي يجري تعويضه عبر تكييف المجلس الجهادي الذي يشكل القيادة الفعلية لـ “حزب الله” مع أيّ أوضاع جديدة.

وكان مصطفى بدر الدين، وهو أحد القادة المخضرمين في “حزب الله” و”الرجل الملتبس” الذي حيكت حوله روايات كثيرة على غرار رفيقه عماد مغنية، انتقل إلى سوريا بعدما قرّر الحزب الدخول وبقوة في المعركة هناك منتصف العام 2013، إلى جانب قياديين آخرين من المجلس الجهادي الذي يمثل أعلى سلطة عسكرية داخل المنظمة، وكان يتولى مسؤولية الأمن عن الآلاف من مقاتلي الحزب المنخرطين بالحرب السورية.

ولم تكن المفارقة الوحيدة أن سوريا ابتعلت أبرز قيادييْن في “حزب الله”، مغنية وبدر الدين، بل إنهما قريبان. فبدر الدين المولود في الغبيري في الضاحية الجنوبية لبيروت في العام 1961 هو شقيق زوجة مغنية، وكان أحد مؤسسي الحزب وأقدمهم، وعُرفت عنه طباعه الحادة حتى في العلاقة مع أقرب المقربين منه، إضافة إلى ميْله الدائم للعمل الأمني – الاستخباراتي، وسجلّه حافل في هذا الميدان. مع الإشارة إلى أن آخر ظهور علني له كان في تقبُّل التعازي بمغنية محاطاً بأربعة حراس تجنُّباً لالتقاط الصور له، فيما تردّد أنه شارك في تقبل التعازي في ابن شقيقته جهاد عماد مغنية بعدما سقط بغارة إسرائيلية في القنيطرة السورية في كانون الثاني 2015.

وفي العام 2000 تَقرر انتخاب أعضاء المجلس الجهادي وتعيين أحدهم نائباً للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله عن المجلس الجهادي، على أن يكون هذا التعيين مداورةً بين الأعضاء، إلا أن العلاقة المميزة بين نصرالله ومغنية أفضت إلى استمرار الأخير في هذا الموقع منذ تعيينه وحتى اغتياله في العام 2008.

والثابت في هذا السياق أن مغنية كان يقبض على كل الصلاحيات العسكرية للقيادة في جميع تفاصيلها، ومن ضمنها تلك المتعلقة بالمخابرات وقيادة الأركان وسواها من الملفات، وذلك كنائب وضابط تنفيذي مكان نصرالله الذي أولاه ثقة كاملة في إدارة كل شاردة وواردة في المسائل العسكرية.

وثمة مَن يقول، في هذا الإطار، أنه حين اغتيل رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري في 14 شباط 2005، لم يكن بدر الدين ممسكاً بأيّ مسؤولية أو ملف، ودوره كان يقتصر على مركز جهادي رمزي كأحد القياديين الكبار في الحزب، واستمرّ الوضع على هذه الحال إلى حين اغتيال مغنية في دمشق في العام 2008.

ويروى في هذا المجال أنه بعد اغتيال مغنية، قرّر نصرالله عدم تسليم المسؤوليات إلى قائدٍ بذاته وقام بتوزيع المهمات التي كان يتولاها مغنية كملفات على أعضاء المجلس الجهادي بعدما جرى توسيع هذا المجلس وزيادة عدد أعضائه.

وكان بدر الدين قد تعرض لمحاولة اغتيال في العام 1996 حين ضربت طائرات إسرائيلية شقة كان يتواجد فيها في منطقة الشياح في الضاحية الجنوبية لبيروت وأصيب خلالها بجروح طفيفة.

وباغتيال بدر الدين يكون سقط مسؤول الجناح الأمني لوحدات “حزب الله” المقاتلة في سوريا، وهو كان أحد المطلوبين على لائحة إسرائيل التي من المستبعد أن تعلن مسؤوليتها على نحو رسمي عن اغتيال هذا القيادي في “حزب الله”، لكنها ستترك لإعلامها حرية الاجتهاد في تسريب معلومات توحي بمسؤولية إسرائيل عن “الصيد الثمين”.

وكشفت مصادر متابعة في دمشق لصحيفة “الراي” الكويتية عن جانبٍ من عملية اغتيال بدر الدين، فقالت إن الصاروخين (جو – أرض) أصابا المبنى الذي كان يستخدمه “حزب الله” فدُمّر بالكامل، وهو عبارة عن قاعة كبيرة في حرم مطار دمشق الدولي كانت موضوعة بتصرف الحزب لأغراض لوجيستية وقيادية نظراً لشراكته مع النظام السوري في الحرب الدائرة هناك.

واعتبرت هذه المصادر عملية اغتيال بدر الدين أمنية بامتياز بعدما كان ملاحَقاً من الاستخبارات الإسرائيلية، من دون أن تستبعد المصادر أن تكون العملية ثمرة تعاون مشترك بين الاستخبارات الإسرائيلية ونظيرتها الأميركية.

ومن غير المتوقّع، بحسب دوائر على بيّنة من مجريات الصراع بين إسرائيل و”حزب الله”، أن يطرأ أي جديد على تدابير الاحتياطات الأمنية التي اعتمدتها إسرائيل، في الداخل والخارج، وفي شكل مكثّف منذ اغتيال مغنية.

ويرى هؤلاء أن “حزب الله” الذي لن يردّ في شكل مباشر، لن يبخل أيضاً بأيّ جهدٍ لتصفية الحساب مع إسرائيل حين تتوافر الموفّقية، وهو حسابٌ مفتوح ذات طبيعة استخباراتية – أمنية يشبه “الكرّ والفرّ” بين الطرفين.

وتوقّعت جهات متابعة في بيروت أن تتخذ إسرائيل بعض التدابير الأمنية الطارئة على الحدود مع لبنان، كانكفاء العناصر والدوريات لفترة محددة، وسط استبعاد أي مواجهات عسكرية مباشرة لأن المعركة تدور رحاها الآن بين الآدمغة الاستخباراتية لا بالعضلات الصاروخية.