باشر المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم تحقيقاته، أمس، في قضية معمل الجية الحراري، بعدما أودع أحد المواطنين النيابة العامة المالية بعضاً من المُستندات والصور التي تُظهر الدخان الأسود المُنبعث، «يومياً»، من المعمل. ولكن هذه الدعوى ليست الأولى ولا يوجد أي مؤشر على احتمال متابعتها بطريقة جدية
محمد الجنون
تستمر المعاناة التي يعيشها أهالي منطقة إقليم الخروب جراء سموم معمل الجية الحراري التي تطلقها دواخينه يومياً، إضافةً إلى سموم الباخرة التركية Urhan Bay، التي زادت من الضرر، حتى بات الأهالي يشعرون بأنهم يقطنون في بيئة “مُسرطنة”.
انطلاقاً من هذه الواقع، رفع أحد المواطنين القاطنين في برجا دعوى لدى النيابة العامة المالية، مرفقة بصور توثق الدخان الأسود المنبعث من المعمل. يقول المدّعي العام المالي القاضي علي إبراهيم لـ “الأخبار” إن النيابة العامة “تحرّكت وباشرت تحقيقاتها اليوم (أمس)”.
هذه الدعوى ليست الأولى، ففي عام 2015 ادّعت بلدية برجا على “مؤسسة كهرباء لبنان” لدى قاضي الأمور المُستعجلة في بيروت القاضي جاد معلوف، مُطالبةً بـ “رفع الضرر وزيادة ساعات التغذية الكهربائية لمنطقة برجا”. بعدها، قامت البلدية بزيارات عدة لرئيس مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك ولرئيس الحكومة تمام سلام الذي أعطى وعوداً بطرح ملف المعمل على طاولة مجلس الوزراء.
يُشير رئيس بلدية برجا نشأت حميَّة في حديثه لــ “الأخبار” إلى إصرار البلدية والأهالي على متابعة هذا الملف لدى القضاء “حتى نصل إلى تحقيق المطالب المتمثلة بإزالة الضرر من خلال إقفال المعمل القديم واستحداث آخر جديد وزيادة ساعات التغذية”.
ماذا عن مصير الدعوى؟ يقول عضو لجنة المحامين المكلّفة من قبل البلدية المحامي أحمد حميَّة إنَّ مؤسسة كهرباء لبنان ردَّت على الدعوى المرفوعة بـ “أنها ليست من اختصاص محكمة العجلة”، وأرفقت ردّها، بحسب حميّة، بـ “وثائق تتعلق بالباخرة التركية والمعمل الجديد، في حين أن هذه الوثائق لا تطاول المعمل القديم الذي هو أساس المشكلة”. يرى حمية أن “هذه الوثائق تدين المؤسسة لأنها تشير بشكل واضح إلى عدم التزامها والشركات المشرفة على نشاط الباخرة والمعمل الجديد الشروط المفروضة من وزارة البيئة”. يُضيف أن لجنة المحامين تُعدّ حالياً “لائحة قانونية من أجل تأكيد أحقية الدعوى وإثبات الضرر الناتج من المعمل”.
يشير الخبير في كيمياء السموم د. ناجي قديح، إلى أنه من سبع سنوات، أتت إلى لبنان بعثة فرنسية متخصصة بقطاع الكهرباء والطاقة، وكانت مهمتها وضع مخطط توجيهي لمعامل إنتاج الكهرباء في لبنان، فرفعت توصية بحاجة لبنان لخمسة معامل شبيهة بمعمل الزهراني ودير عمار. حينها، بحسب قديح، وجدت اللجنة بعد تقويمها لمعمل الجية الحراري أنه “لا جدوى تقنية واقتصادية من إصلاحه وتأهيله”، كذلك شددت “على وجوب استحداث معمل جديد وفق تكنولوجيات حديثة”. ويُضيف قديح: “إنّ الدولة استقدمت البواخر التركية لتعويض كمية الطاقة التي ستنقطع خلال فترة توقيف واستصلاح معمل الجية الحراري، إلا أنهم لم يقوموا بذلك، بل أصبح المعمل يتوقف تلقائياً بسبب حالته التعيسة والمهترئة”، مُشيراً إلى أن “الدخان الأسود الذي يغطي الأجواء باستمرار ناجم عن تشغيل الحراقات المهترئة وإعادة تشغيلها، إلى جانب خلط الفيول بزيوت معدنية منتهية الصلاحية، ما يؤثر كثيراً في الهواء، ويجعل المنطقة ملوثة، الأمر الذي ينذر بعواقب صحية وخيمة على الجهاز التنفسي والشرايين والقلب، ويجب إقفال المعمل فوراً”.
تقول الناشطة في حراك “الإقليم” الدكتورة حليمة القعقور، إن “الحراك يطالب رئيس بلدية الجية جورج القزي بتحريك دعوى قضائية بالتوازي مع الدعوى التي رفعتها بلدية برجا على معمل الجية الحراري”، مُشيرةً إلى “إعداد سلسلة تحركات بعد مرور الاستحقاق البلدي كي تبقى هذه الملفات مُلاحقة قضائياً وشعبياً”.
يقول الناشط في “تجمّع شباب برجا أفضل” كمال الخطيب، إن الفيول المستخدم في المعمل يُسهم بالتلوث، إضافةً إلى وجود الباخرة التركية والمعمل الجديد اللذين لا يتضمنان فلتر، لافتاً إلى أن “المعمل كان مجهزاً لإنتاج 350 ميغاواط من الكهرباء، إلا أن إنتاجه لا يتعدى 90 ميغاواط، في الوقت الذي يحصل فيه معمل سبلين على 18 ميغاواط، بينما يحصل إقليم الخروب على 25 ميغاواط، والباقي موزع على بقية المناطق”. يلفت الخطيب إلى استمرار التجمع في متابعة هذا الملف، “وخصوصاً الدعوى القضائية التي رفعتها بلدية برجا على مؤسسة كهرباء لبنان والمطالبة بتسريع بتّها في القضاء”، مُلمّحاً إلى خطوات تصعيدية في وجه المعمل في المدى المنظور.