حسن يحي
لا ينفك وزير العمل سجعان قزي، وغيره من السياسيين في غير مناسبة، يشير إلى حجم البطالة في لبنان التي ناهزت حدود 25% من مجمل القوة العاملة اللبنانية.
هذه النسبة التي قاربت نسبة البطالة في اليونان (28%)، البلد المفلس الذي يجاهد للحصول على قروض لسداد رواتب موظفيه، تعود وفق الوزير إلى النقص في الكفاءات والمهارات اللبنانية، وإلى عدم وجود معايير وأسس لدى الشباب لكي يختاروا التوجه العلمي على أساسها، وإلى “المشاريع المشبوهة لتوظيف النازحين السوريين”.
لا تقتصر أزمة البطالة في لبنان على هذه العوامل، بل تتعداها إلى غياب الفرص الاستثمارية الحقيقية. ما يعني غياب المؤسسات التي تخلق فرص عمل جديدة في الأسواق اللبنانية. إذ يقوم الإقتصاد اللبناني عموماً على قطاعين رئيسين أحدهما المصارف، وثانيهما العقارات، مع دعم مهم من تحويلات المغتربين.
ولا تقتصر عمليات خلق فرص عمل على المؤسسات، اذ يُمكن خلق فرص عمل جديدة من خلال تطبيق نظريات إقتصادية تتعلق بسوق العمل، كتقليص ساعات العمل على سبيل المثال.
في العام 1932، أعدت مدينة “اتلانتيك” الأميركية مسودة قانون تطلب من الرئيس هربرت هوفر خفض ساعات العمل لمدة 30 ساعة في الأسبوع من أجل خلق فرص عمل لملايين العاطلين عن العمل، وإلى زيادة القوة الشرائية لدى المستهلك الأميركي. وطبّقت شركات عدة هذه النظرية، وكان من أبرزها شركة “كيلوغ باتل كريك” و”ريبوك” و”هدسون موتورز”.
وقادت “كيلوغ” المشروع بنظرية طموحة عبّر عنها مالكها ويل كيث كيلوغ بالقول إنه “لو جعلنا أربع ورديات تعمل ست ساعات بدلاً من ثلاث ورديات تعمل ثماني ساعات، لتمكنا من توظيف ودفع رواتب 300 رب أسرة”.
وأعدت الشركة تقارير كشفت عن أن خفض عدد أيام العمل زاد كفاءة العاملين وحماستهم أثناء العمل، وخفضت سعر الكلفة للوحدة بواقع 25%، وانخفضت الحوادث بنسبة 41%، بالإضافة إلى خفض كلفة وحدة العمال بواقع 10%، بعد خمس سنوات من تطبيق نظام تخفيض ساعات العمل.
تأتي هذه النظرية إنطلاقاً من المفهوم الأساسي الذي يحكم الإنتاج، وهو “الكفاءة”، إذ عرّفها فريدريك تايلور في العام 1895 أنها “أقصى إنتاج يمكن تحقيقه، بأقصر وقت ممكن وبأقل استهلاك للطاقة والأيدي العاملة ورأس المال في العملية الاقتصادية”.
ويحاجج اقتصاديون كثيرون، في أيامنا، بضرورة خفض ساعات العمل إلى ست ساعات، لما في ذلك من فائدة على الإقتصاد الكلي.
ويشرح الإقتصاديون من مركز “أسس الإقتصادات الجديدة” في كتاب أُصدر للترويج لساعات عمل أقل، فوائد إقرار هذه القوانين، إذ تتمثل الايجابيات في ثلاث نقاط رئيسة: تحسين الصحة من خلال تقليص ضغوط العمل وتقليل نسبة الحوادث في العمل، تحسين الروابط الاجتماعية من خلال إيجاد وقت إضافي لقضاء المناسبات العائلية والاجتماعية، وأخيراً الحفاظ على البيئة من خلال استهلاك أقل للمواد الضارة بالبيئة والموارد الأولية.
في المقلب الآخر، يتخوف الإقتصاديون من أضرار قرارات كهذه على الإقصاد في المدى البعيد، وخصوصاً أن الرئيس الأميركي تيد روزفلت ألغى قرار تقليص ساعات العمل في الولايات المتحدة مخافة أن يضر بقدرة الولايات المتحدة على المنافسة مع الدول الأخرى في الخارج. ولكنه عاد وعبّر عن ندمه على اسقاط القانون في العام 1937 في خطاب حول حال التوظيف والبطالة التي كانت مستشرية في الولايات المتحدة. واستطاعت المانيا وهولندا وبلجيكا والسويد، تأكيد امكانية إجراء تغييرات “جذرية” كهذه من دون الحاق الضرر بالإقتصاد على المدى البعيد. إذ خفضت ساعات العمل الأسبوعية إلى 36 ساعة، كما منحت الشباب حديثي التخرج امكانية العمل لأربعة أيام في الأسبوع.
اعتماد حل كهذا، إذا حصل، لا يمكن أن يتم من دون قوانين تمنع على المؤسسات خفض الرواتب بالتزامن مع خفض ساعات العمل، إذ يشترط إقرار هذا القانون بقاء الأجور على ما هي عليه.